تحليل قانوني يكشف عن المسؤولية الجنائية للأشخاص ذوي الاضطرابات العقلية في النظام القضائي اليمني: دراسة تحليلية تطبيقية

كتب بقلم المستشار د. صالح عبدالله المرفدي عضو المحكمة العليا للجمهورية اليمنية المسؤولية الجنائية للمجنون ومن في حكمه “دراسة تحليلية تطبيقية للقانون والواقع اليمني”

  • تمهيد الأصل في القانون الجنائي، أن كل شخص سليم العقل قادر على التمييز، يُعدّ مسؤولاً شخصيًا عن الجرائم التي ارتكبها. وهذا ما نادت به المدرسة التقليدية، التي قالت بحرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجنائية، أي أن الشخص لا يسأل إلا عن الأفعال التي أتاها عن بينة واختيار، فمناط المسؤولية الجنائية هو القدرة على التمييز، ومعنى ذلك، أن كل شخص قادرًا على التمييز، يُعدّ مسؤولاً شخصيًا عن الجرائم التي ارتكبها، والشخص لا يمكن أن يكون قادرًا على التمييز، إلا إذا كان سليم العقل خاليًا من أي اضطراب قد يؤثر على وجدانه أو أحاسيسه أو أفكاره أو سلوكه.

ولقد لوحظ في الفترة الاخيرة أنتشار ارتكاب بعض الجرائم – أبرزها القتل – الذي يشتبه فيها باصابة بعض المتهمين بالامراض العقلية أو النفسية أو العصبية، فبدءً من جريمة القتل في مركز توب سنتر التجاري “بالمنصورة”، ومرورًا بجريمة الشروع في قتل طالبة بالقرب من كلية الاداب بمدينة “خورمكسر”، وانتهاءً باختطاف طفلة لا تتجاوز السنتين في مدينة “كريتر”، حيث ثارت بعض الاشكاليات في هذة الجرائم، حول موضوع شبهة أصابة الجناة بالامراض العقلية أو النفسية أو العصبية. ومن هذا المنطلق، فإن مدلول المسؤولية الجنائية يدلّ على صلاحية الشخص إلى أن يتحمل تبعات سلوكه الذى قد يشكّل جريمة، وأساس المسؤولية الجنائية لدى الفكر الجنائى الحديث، هي حرية الإنسان فى الاختيار، فقد كان فى وسعه أن يكون خيرًا، ولكنه تخلّى عن الطريق السوى وسلك الطريق المعوج، فحق عليه العقاب، وبالتالى لا تنتفى المسؤولية عنه، إلا إذا فقد الشخص قدرته على الإدراك والاختيار.

وفي هذا الإطار، تكمن أهمية دراسة المسؤولية الجنائية للمجنون ومن في حكمة من المصابين بالامراض العقلية أو النفسية أو العصبية.

وعلى حد علمي المتواضع، لم يتم بحث هذا الموضوع الخاص وبشكل دقيق ومعمّق في كتب وشروحات القانون اليمني، وانما جاء التطرق له في مؤلفات عامة وبشكل مقتضب، دون أن يتم الاحاطه بأهم المشكلات التشريعية والعملية التي تثيرها على أرض الواقع، بحيث لم يتم تحليل النصوص القانونية المتعلقة بالمسؤولية الجزائية للمجنون ومن في حكمه، ولمعرفة أهم العيوب والثغرات والقصور في تلك النصوص، وبيان عللها وصولاً لوضع المقترحات المناسبة لمعالجتها.

واستنادًا لما سبق ذكره، وعند ارتكاب الجرائم الوحشية أو البشعة، دائما ما تثور التساؤلات وأبرزها: هل هذا الجاني مجنون أم مريض نفسي أم عصبي؟! وهل جميع الامراض العقلية والنفسية والعصبية مانعة للمسؤلية الجنائية أم مخففة للعقاب؟؟ وهل الضابط والمعيار لمنع المسؤولية الجنائية أو تخفيف العقاب راجع لنوع المرض نفسة، أم لدرجة تأثيرة على الوعي والادرك للافعال والسلوكيات؟ وكيف يتم التعامل مع الجاني المصاب بشبهة المرض العقلي أو النفسي أو العصبي أثناء إجراءات التحقيق والمحاكمة وتنفيذ الحكم؟؟ وما هو موقف المشرّع اليمني لكل ما تقدم من أسئلة واستفسارات؟ وفي هذا المقام، وللاجابة على جميع ما تقدم من استفسارات وتساؤولات، ندرس موضوع المسؤولية الجنائية للمجنون ومن في حكمة عن الجريمة في القانون اليمني، وذلك في أربعة محاور: نتناول في الاول ماهية وانواع الامراض المانعة والمخففة للعقاب، ونستعرض في المحور الثاني التحليل القانوني والطبي للنص التشريعي اليمني، ونتحدث في الثالث عن مدى تـأثير المصاب بالجنون ومن في حكمه على مراحل نظر الدعوى الجزائية، ونخصص المحور الرابع لاشكالات التطبيق القضائي لموضوع البحث، ونختم الدراسة بوضع بعض المقترحات والتوصيات المتواضعة قدر الامكان.

المحور الاول

ماهية وانواع الامراض المانعة و المخففة للعقوبة ولدراسة هذا المحور بشكل مفصّل نقسمه الى فرعين: نتناول في الاول الامراض المانعة للمسؤولية الجنائية أو المانعة للعقاب، ونخصص الفرع الثاني للامراض التي تقام فيها المسؤولية الجنائية، ويجاز فيها تخفيف العقوبة.

الفرع الاول الامراض المانعة للعقوبة

أولا: الخلل العقلي ( الجنون): madness ويقصد به المرض العقلي، و الامراض العقلية عديدة و متنوعة، وللجنون درجات، فهو ليس على درجة واحدة، فيختلف من شخص إلى آخر، فقد يكون مطبقًا مستمرًا، وقد يكون دوريًا متقطعًا، وقد يكون جنون جزئيًا. ومن الواضح من خلال نص المادة (33 عقوبات)، أن المشرع اليمني لم يضع تعريفًا للجنون، ولو نظرنا للتعاريف الطبية للجنون بمعناه العام فهو: “زوال العقل أو ضعفه، بحيث يصعب التمييز بين الافعال والاقوال، فيصبح الشخص عاجزًا عن التحكم في تصرفاتة بصورة سليمة”، وبتعبير أدق وبعبارة بسيطة ومفهومه: “هو عدم قدرة الشخص على الانسجام و الشعور بما يحيط به”.

وفي الاجمال، مهما اختلفت التسميات بين الطب و القانون و بين النصوص التشريعية فيما بينها ، إلا أن مصطلح الجنون واسع جدًا في علم القانون أكثر منه في علم الطب؛ فكلمة الجنون في علم الطب تعني الزوال الكامل للقوى العقلية الناجم عن مرض ما، أما في القانون فيعني الاختلال العقلي بكل انواعه واشكاله، والتي تصيب قد الجاني لحظة ارتكابة للجريمة، وتجعله فاقدًا للادراك والوعي في تصرفاته وسلوكه وافعاله. ومن الملاحظ أن المشرع اليمني ومن خلال نص المادة السابق (33)، أضاف الى لفظ الجنون عبارة “أو العاهة العقلية”، وبالعودة علم الطب، نجد أن هذة العبارة ذات مدلول واسع جدًا، فيشمل كل الافات العقلية التي تصيب وظيفة العقل.. الأمر الذي يقودنا الى تساؤل مفادة: هل يعني هذا أن جميع المصابين بالعاهات العقلية تمنع المسؤولية الجزائية كالمعتوه والابله، وهي أمراض بعض تفقد العقل والبعض الاخر لايفقد ولايزيل العقل تمامًا؟؟ مع التنوية الى أننا سنجيب على هذا التساؤل في البند التالي.

ثانيا: الاضطرابات العقلية المستقرة (العاهه العقلية):

وهي تلك الاضطرابات الدائمة المصاحبة للشخص منذو ولادته، ويطلق عليها بالتخلّف العقلي : “وهي حالة تصاحب الشخص منذ ولادتة، فتوقف ملكاتة الذهنية عند حد معين دون مستوى النضج الطبيعي للعقل”، وللتخلف العقلي عدة تسميات منها النقص العقلي و القصور العقلي، وكل هذه التسميات صحيحة من حيث توجهها إلى وصف معين من التخلف العقلي؛ وقد صنّف التخلف العقلي في القانوٍن الى نوعين:

1– أمراض العتّه : idiocy ويتعلق بالاشخاص الذين لهم ذكاء الجنون، ويقصد به أيضا عدم تكامل نمو القوى العقلية، سواءً كان ملازم للشخص منذ والدته، أم توقف نمو اداركه في سن معينة، فلا يظهر على المعتوه أية قدرة على التفكَتر أو تقبل المعرفة، فيتعلم الكلام أو المشي متأخرًا، وقد لا يتعلم إطلاقا.

2 – أمراض البله : imbecility ويعتبر البله أشّد درجة من درجات التخلف العقلي و لكنه أقل درجة من المعتوه، و قد يًتراوح ذكاء الشخص المصاب بالبله ما بين 25 و 50 درجة، وعمره العقلي أقل من 3 سنوات عن الطبيعي، و يستطيع المصاب بالبله أن يتعلم الكلام، إلا أن نطقه متعسّر، لذلك يعد تخلّفه من النوع المتوسط، ولكنه لا يستطيع العيش بمفرده، وقد يظهر عليه حب الاستطلاع، ودائما ما تكون انفعالته غير ناضجة.

ومن خلال ما سبق ذكره، يمكن القول أن المصاب بالعته أو البله لا يتصور غالبا وجود خطورة إجرامية بداخله، و ذلك لقصوره العقلي على ارتكاب الجريمة، ومع ذلك فهما مصنفين بالامراض المانعة للعقاب التي تقتضي ابتداء عدم مسألتهما جنائيًا. ويجب الأخذ بالحسبان، أن مدلول ومفهوم العاهة العقلية لا يقتصر على الامراض الوارد ذكرها سابقًا، بل يشمل كل مرض يؤثر في حالة المخ أو الجهاز العصبي بعد نموه نموًا طبيعيًا، وعلى وظفيتهما تأثيرًا يصل الى حد الفقدان أو النقص في ملكة الادرك والوعي عند الشخص، بحيث لا يستطيع السيطرة على أفعاله بصورة دائمة أو مؤقتة، و وفقا لهذا المفهوم، قد يشمل ذلك بعض الامراض العصبية، كالصرع، أو الهستيريا، أو اليقظة النومية، أو التنويم المغناطيسي… كما سيأتي تفصيل ذلك في الفرع الثاني.

الفرع الثاني الامراض المخففة للعقوبة وتعتبر هذه الامراض غير مانعة للمسؤولية الجنائية، فيساءل على أساسها الجاني، لكن التشريعات العقابية، توجب تخفيف العقوبة في بعض الامراض، وتجيز تخفيفها في البعض الأخر من الامراض، وهذة الامراض هي:

أولا: الاضطرابات الذهانية النفسية: ويكون تأثيرها أعمق وأكثر خطورة على الشخصية، حيث يصاب فيها الشخص باضطرابات حادة في كافة الوظائف والعمليات العقلية، كالتفكير والادراك، وأبرزها:

1 – أمراض الفصام: schizophrenia وهي أمراض مرض ذهانيه، تؤدي الى عدم انتظام الشخصية والى تدهورها التدريجي، وبالرغم من أنه تندرج ضمن الامراض النفسية، إلا أن بعضها قد يؤدي الى تمزيق العقل واصابة الشخص بالتصدع، فيختلّ في السيطرة على تصرفاته وافعالة وسلوكه، ويطلق علية علميا “بالخجل المبكر أو جنون المراهقة”؛ لارتباط هذا المرض بسن المراهقة. واشهر أمراض الفصام هي “فصام المطاردة”، فيتخيل المصاب بأن شخص يطاردة في حياته، وقد يضطر احيانا الى ارتكاب جريمة أعتداء أو قتل بحقة!

– أمراض الاكتئاب والهوس: bipolar disorder

وهذه الامراض هي ذهان إنفعالي، فينتاب الشخص مجموعة من نوبات الهوس، و كذا الاكتئاب في فًترات مختلفة، وقد يؤدي بالشخص بالاسراع في اظهار غضبه على أبسط الاحتكاكات والانفعالات، واخطرها مرض “الاكتئاب السودوي”، والذي يؤدي الى انفصال الشخص عن الواقع، كأن يسمع اصوات ويرى صورا في مخيلته تطاردة، كما قد يؤدي الاصابة بالاكتئاب والهوس الى العزلة، و فقدان الاهتمام بالحياة، و تزايد احتمال الانتحار!

3 – أمراض جنون الارتياب: paranoia وهي انواع من الاضطرابات، يحتفظ فيها المصاب بقوة تفكَيره و إرادته وقدرته على العمل، فهو شخص لا تنتابه الهلاوس، ولكن تعًترضه مجموعة من حالات الهذيان المنضّمة بشكل بطيء، فيصبح الشخص متمسكًا بمعتقدات وهميه ثابتة، تنحصر بموضوع معين مع إحتفاظه بحالتة الطبيعية، وتوازن تفكيره في النواحي الاخرى. وهناك نوع يطلق عليه “بارانوايا الذهان الاضطهادي”، فيشعر فيه المصاب بأنه مضطهد من طرف الغير، و أن هناك خطط لقتله؛ ولاجل ذلك يضطرّ المصاب لارتكاب جريمة في بعض الاحيان.

ثانيا: الاضطرابات العصابية:

وهي اضطرابات وظيفية تعتري الشخصية، و تبدو في صورة أعراض جسمية، وتشمل الاتي:

1 – أمراض الصرع: epilepsy وهي مجموعة من النوبات التي تفقد المريض رشده، فيفقد السيطرة على جسمه، ويكون أخطر عندما يكون المصاب به مشوش الافكار، مما قد يؤدي الى قيامة بارتكاب أشياء خطَيرة حتى على نفسه، لكن عندما يستيقظ المصاب لا يتذكر شيئا مما حدث. وقد يأتي الصرع في أي وقت و في أي سن، فيفقد الشخص الشعور والاختيار، وبالتالي يمكنهم ارتكاب سلوكات إجرامية خاج عن ارادتهم، وبالذات عند المصابين بمرض “الصرع العام”، الذي يؤثر على الدماغ ويفقد المصاب فيه الوعي بالكامل.

2 – أمراض الهرع: hysteria وهي اضطرابات عصابيه تفقد الشخص السيطرة على تصرفاتة؛ إلا أنها لا تعدم الشعور نهائيا، فهي تعتبر ثورة عاطفية ، إلا أن هذا النوع من الاضطراب لا يحول دون قيام المسؤولية الجزائية، فقد أجاز القانون اليمني تخفيف العقوبة طبقًا لنص المادة (109) بصراحة عبارة “ظرف تقدير البواعث على ارتكاب الجريمة”، كما اوجب اعتباره عذر مُخفف للعقوبة في جريمة “قتل الزوج لزوجته حال تلبسها بالزنا”.

3 – امراض اليقظة النومية والتنويم المغناطيسي : sleep myoclonus + hypnosis ويكون فيها الشخص المصاب في حالة نوم عميق، لكنه يقوم بأفعال لا يشعر بها، وقد يصل الأمر فيها الى أن يًترك المصاب قرب فراشه أشياء خطيرة، كالسلاح؛ ليكون باستطاعته ارتكاب أي جريمة، في حين أن هذه الحالة إذا كانت مفتعلة بالتنوَيم المغناطيسي، فإن النائم يخضع لارادة المنوم، ويوصف فعل المنوم في هذة الحالة “بفاعل الواسطه”، والنائم نفسه تُعدم مسوؤليتة جنائيا؛ شريطة أن تكون إرادتة واختيارة مقيد بارادة واختيار المنوم فيها.

ثالثا: عدم التوازن النفسي (الشخصية السيكوباتية): وهي شخصية شاذة في تكوينها النفسي وغير متلائمة مع المجتمع، فالمصابين بها مدركون بما يحيط بهم، وما يصد عنهم على النحو العادي المألوف، ولكن ما في الأمر أن موضوع الشذوذ في هذه الشخصية، هو إنحراف أو اختلال العاطفة، ثم فساد القيم الاجتماعية التي تسيطر عليهم. و الجدير بالاشارة، أن الشخصية السيكوباتية ليست عاهة في العقل بالمعنى العام؛ لإن التمييز فيها متوفر؛ واراة صاحبها صحيحة، وفي وسعة أن يسيطر عليها، فالاضطراب السيكوباتي ليست شخصية مريضة لا نفسيًا ولا عصبيًا ،وان كانت عاهه عقلية خاصه سببها إنحراف أخلاقي واجتماعي في الشخص نفسه، بالرغم من توافر حرية الارادة والاختيار فيها وبشكل كامل، وهما مناط قيام المسؤولية الجزائية.

وفي الاجمال فإن أغلب التشريعات العقابية، توجب المساءلة الجنائية على الامراض النفسية والعصبية، لكنها بالمقابل تجيز فيها للقاضي تخفيف العقوبة، ويعود ضابط الاجازة في ذلك؛ الى وجود نقصان أو اختلال أو ضعف في الوعي والادراك للافعال والتصرفات، لكن هذا لا يمنع انعدام المسؤولية في بعض الامراض النفسية والعصبية؛ شريطة أن يكون هذا المرض قد أفقد الوعي والادراك تمامًا، وازال حرية الارادة والاختيار لدى المصاب أثناء أو لحظة ارتكابة للجريمة!!

المحور الثاني التحليل القانوني والطبي للنص اليمني وقبل الحديث عن هذا المحور بشكل مفصّل، نسرد النص القانوني للمادة (33 عقوبات)، ثم نقسم هذا المحور الى ثلاثة فروع: نتناول في الاول التحليل القانوني للنص اليمني، ونتطرق في الفرع الثاني للتحليل الطبي للنص اليمني، ثم نخصص الثالث لطرح رأينا المتواضع.

النص القانوني: تنص المادة (33) من قانون العقوبات بالأتي: “لا يسأل من يكون وقت ارتكاب الفعل، عاجزاً عن إدراك طبيعته ونتائجه؛ بسبب: الجنون الدائم أو المؤقت، أو العاهة العقلية”. كما تنص المادة (2) من قانون الاجراءات الجزائية بالاتي: الفقرة (10): عاهة عقلية : هي علّه تؤدي إلى زوال العقل أو اختلاله أو ضعفه. والفقرة (11): فاقد الأهلية : هو الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز أو فقد أهليته بسبب عاهة عقلية.

الفرع الاول

التحليل القانوني للنص يتضح من خلال نص المادة (33 عقوبات) ما يلي:

  • اولا: أستعمل المشرّع لفظ “عاجزًا”، والمشتقه من لفظ “العجز” والذي يعني لغويًا: “الضعف وعدم القدرة على القيام بعمل أو وظيفة معينه”. ونرى أن هذا اللفظ غير مُعبّر للمعنى المراد ايصاله، وكان من المستحسن اختيار الفاظ أكثر مرونه، وتناسب قصد المشرع من صياغة المادة، كلفظ فاقدًا أو مختلّاً أو ناقصًا، ونحو ذلك من الفاظ تناسب سياق النص القانوني.
  • ثانيا: لفظ “العجز” الوارد ذكره، لفظ قاصر ومبهم وغير صريح، وقد يكون عرضه لأكثر من تفسير، فقد يفهم منه الاكتفاء بالعجز النسبي أو الغير دائم؛ لاعفاء المجنون من المسؤوليه الجنائية، وقديفسر أن العجز يفترض أن يكون مطلق ودائم؛ للاعفاء من المسؤوليه؛ ذلك لأن تحديد العجز، إن كان (مطلق أو نسبي)؛ يبنى عليه مدى تحديد المسؤوليه الجنائيه لفعل المختل عقليًا، سواءً كان مصابًا بمرض (عقلي أو نفسي أو عصبي)، فيترتب على أن المصاب بالعجز المطلق أو المختلّ بالكامل أو الفاقد للادراك والوعي هو منع المسؤوليه الجنائية، بينما المصاب بعجز نسبي أو ناقص الادراك أو الوعي يتحمل المسؤولية الجنائية، لكن بالمقابل يجاز أن تخفف عنه العقوبة. وهذا الأمر أوضحته اغلبية التشريعات العقابية العربية، حيث فرّقت بين فقدان العقل ونقصان العقل، وعلى ضوء ذلك، رفعت المسؤولية الجنائيه عن المختلّ عقليًا (فاقد الإدراك)، و أوقعت المسؤولية عن المختلّ عقليا (ناقص الإدراك)، لكنها بالمقابل اجازت تخفيف العقوبة.

الفرع الثاني

التحليل الطبي للنص يمكن أبراز تحليل النص القانوني من الناحية الطبية وفق النقاط الاتية:

  • اولا: حصر المشرّع اليمني الامراض في النص المذكور بمرض الجنون والعاهة العقليه، والمعلوم طبيًا، أن الجنون الدائم هو أخطر الامراض العقليه، لاسيما الجنون المطبق، ويدخل في حكم ذلك الجنون المؤقت؛ شريطة أن يكون متوافرًا لحظة ارتكاب الجريمة. أما قول المشرع “أو العاهة العقليه”، فتعني وفق نص المادة (2 فقرة 10 إجراءات): “العلّه التي قد تؤدي الى زوال العقل أو خلل أو ضعف فيه”. ومعنى هذا، أن المشرع اعطى للعاهة العقليه، معنى أوسع من مرض الجنون، كما فصلنا ذكرة في الفرع الاول من المحور الاول من هذة الدراسة، وإن كان الاخير أكثر تأثيرا على الادراك والوعي.
  • ثانيا: لم يذكر المشرّع المرض العصبي والمرض النفسي صراحة، على الرغم أن مسمى عبارة “العاهة العقليه” معنى عام لاختلال العقل، ولا يشترط فيه فقدان العقل تمامًا، فيكفي ضعفه أو اختلاله، لذلك، و وفقًا لتعريف النص الوارد في قانون الاجراءات، قد تشمل بعض الامراض النفسية والعصبية حكم العاهة العقلية، وكما تعرفنا سابقا في الفرع الاول، أن هناك العديد من الامراض العصبيه، قد تفقد الشخص وعيه وادراكه تمامًا، كمرض الصرع والهستيريا، كما أن هناك أمراض نفسيه تشابه أعراض المرض العقلي تمامًا، وابرزها مرضي (الفصام الذي يمزق العقل والاكتئاب الذهاني أو السودوي)، واعراضهما تصل الى حد الاضطرابات، كالهلوسات، والأوهام، واهمها هلوسات الفقر، والمرض، واوهام القهر والحرمان وغيرها… وقد تدفع المريض أحياناً لقتل نفسه، أو أحد المقربين، كما توصلت من خلال البحث، أن المريض في هاذين المرضين غالباً ما يخفي حقيقـة مرضـه، خـشيةَ أن يوصف بالجنون، فيبقى متصلاً بمجتمعه متفاعلاً معه، ويكون قادراً على مواصـلة عملـه، (وهنا خطورة الأمر!!)، بخلاف المريض عقلياً الذي يعيش في عالم خاص به، وتنقطع صلته بمجتمعـه ولا يتفاعـل معهم، ولا يكون قادراً على ممارسة أي عمل؛ لعدم إدراكه و وعيه بما يدور حوله.. وفي كل الاحوال، أن من يصاب بمرضي الفصام أو الاكتئاب، قد تنتابه لحظات جنون طارئه وليست دائمة؛ لأنه لا يعاني من فقدان الادراك بالكامل، وانما اختلال ونقص في الادراك والوعي، وهذا في (عُرف القانون واغلب التشريعات العقابية العربية)، يتحمل المسؤوليه الجنائية، لكن تخفف عنه العقوبة.

الفرع الثالث رأينا في الموضوع

يثور التساوؤل كما تقدم في التمهيد لهذة الدراسة، فهل منع المسؤولية الجنائية أو تخفيف العقاب راجع لنوع المرض أم لدرجة تأثيرة على الادراك والوعي؟؟ أغلب التشريعات العربية أخذت بمعيار درجة تأثير المرض على الوعي والادراك، سواءً كان هذا المرض عقلي أم نفسي أم عصبي، وعلى هذا الأساس منعت المسؤولية الجنائية عن فاقد الوعي والادراك، واقرّت المسؤولية عن ناقص الوعي والادراك، لكنها اجازت تخفيف العقوبة. بينما اتجه المشرع اليمني اتجاهًا أخر فمنع المسؤولية الجنائية تبعًا لنوع المرض، وحصرها بالأمراض العقلية ومنها العاهة العقلية، في الوقت الذي ثبت طبيًا أن بعض المصابين بالعاهة العقلية لا يفقدون الادراك، وانما يصابون بضعف أو اختلال في العقل “كالمعتوه”، فالأخير صحيح أنه مريض عقليًا لكنه قد يكون ناقص الادراك لا فاقدًا له تمامًا، فهل نمنع عنه المسؤولية الجنائية؟ وبالمقابل، فأن المريض نفسيًا بمرض “الاكتئاب الذهانين السوداوي أو مرض الفصام” الذي تصل حالته الى تمزيق العقل، قد تنتابهما أحيانا لحظات من تصرفات الجنون المؤقت، كما أن المصاب بمرض عصبي “كالصرع أو الهستيريا”، أحيانا يمكن أن تنتابه لحظة فقدان للإدراك، فكيف سيتم التعامل مع هذه الحالات؟ هل سيتم مسألتهما جنائيًا وفق لمنظور المشرع اليمني، باعتبار حصره للمرض العقلي أو العاهة العقلية كمانع للمسؤولية؟! وفي الاجمال، وللإجابة على هذه التساؤلات، فأن جميع الامراض أيًا كانت عقلية أو نفسية أو عصبية لا تتساوى في درجة تأثيرها على عقل الانسان، فمنها من تجعله عاجزًا كليًا عن الادراك والوعي، وفي هذا الإطار بالتحديد، بينّت أحدى الاحكام الصادرة للمحكمة العليا اليمنية بصنعاء – تناوله استاذنا الدكتور/ عبد المؤمن شجاع الدين في احدى تعليقاته – ومفاده: “أن المرض النفسي لا يمنع المسؤولية الجزائية”.

ومعنى هذا، أن المحكمة العليا استندت لنوع المرض في تقرير المساءلة الجنائية، ولم تستند لدرجة تأثير المرض على الادراك والوعي، ومع تقديرنا لعلمائنا الاجلاء مصدري الحكم، فأنني أميل “وبكل تواضع” الى ترجيح منع المسؤولية الجنائية لا يكون بحسب نوع المرض، وانما في درجة تأثير المرض على تصرفات وافعال وسلوكيات الشخص لحظة ارتكابة للجريمة، فمن الامراض كما ذكرنا سلفًا تجعل الشخص ناقصًا للادراك والوعي، ومنها ما تجعلة فاقدًا للادراك والوعي، وحكم ذلك، أن الأول يساءل جنائيًا، ويجوز تخفيف العقوبة عنه، بينما تمنع المسؤولية الجنائية عن الثاني، وهذا بعكس ما استخدمة المشرع اليمني من لفظ “عاجزًا”، فالعجز مصطلح طبي مطاطي وفضفاض، فقد يكون الجاني مصاب بعجز نسبي في الادراك أثناء ارتكابة للجريمة، فلا يمنع هذا الامر من مسألته جنائيًا، وإن كان يجوز تخفيف العقاب عنه، بعكس من كان مصابًا بعجز مطلق في الادراك، فمن باب أولى منع مساءلته جنائيًا، وفي المحصلة، كان ينبغي على المشرع اليمني التفرقة في درجة المسؤولية الجنائية، كما هو معمول في التشريعات العربية، وذلك باستخدام مصطلح “فاقد الادراك” الذي يمنع المسؤولية، ومصطلح “ناقص الادراك” الذي يقرّ بالمسؤولية ويجيز تخفيف العقوبة، على الرغم أن المشرع اليمني ذكر معياري فقدان الادراك ونقصانه في المادة (105 عقوبات)، حيث أكّدت صراحة على أن (فقدان الإدراك) لمرض عقلي، يقتضي إدخال المريض في أحد المحال الحكومية المعدة لعلاج الأمراض العقلية، كما اجازت للقاضي الحكم بعقوبة مخففة (لناقص الادراك).

المحور الثالث إشكالات التطبيق القضائي ونقسم هذا المحور الى فرعين: نتناول في الأول مسألة أثارة فحص المتهم عقليًا أو نفسيا أو عصبيا، وكيفية التصرف فيه من قبل المحكمة، ونتطرق في الفرع الثاني لتقرير الخبير الطبي المختص عن حالة المتهم العقلية أو النفسية أو العصبية، ومدى حجيته على المحكمة.

الفرع الاول

إثارة طلب فحص المتهم والتقرير بشأنه

أولا: إثارة طلب فحص المتهم: من الطبيعي أن يتم أثارة فحص المتهم من قبل أطراف الدعوى الجزائية، سواء من النيابة، أو من المحكمة نفسها، أو من المتهم بناءًا على طلب من محاميه، حيث نصّت المادة (208 إجراءات) على أن يكون طلب تقرير الخبير وجوبياً في الأحوال الآتية: وذكرت الفقرة (ب) من نفس المادة، الحالة النفسية للمتهم عندما يثور شكّ أثناء القضية، حول قدرته على إدراك ماهية أفعاله و إدارتها. وعلى الرغم أن القانون لم يحدد الجهة التي ينبغي لها أو يجوز لها أثارة هذا الطلب، إلا أن الغالب الأعم، أن يثار هذا الطلب من قبل “محامي المتهم”؛ باعتبار أن ذلك من مصلحة المتهم، ولا يعني هذا أنه لا يجوز للنيابة أن تثير هذا الطلب، سواء في مرحلة التحقيقات أو في مرحلة المحاكمة، فالنيابة “خصم شريف” ينبغي عليها مراعاة حسن تطبيق القانون، سواءً كان ذلك في مصلحة المتهم أو ضده، ومن باب أولى، يجب على المحكمة التصدي لهذا الطلب واحالة المتهم للفحص؛ إذا ثار “مُجرّد شك” عن حالته النفسية أو العقلية أثناء المحاكمة، وهو ما نصت علية المادة (269 من نفس القانون فقره ج)، على وجوب أن تبث المحكمة في شأن تأجيل الجلسة؛ إذا تطلّب الأمر إحالة المتهم إلى إحدى المستشفيات الرسمية للفحص عليه وعلاجه، كما أكّدت ذلك نص الفقرة (د) من نفس المادة، على انه في حال أُصابة المتهم بمرض عقلي أثناء سير إجراءات المحاكمة، تقرر المحكمة عدم إمكانية مثوله وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه.

ولامناص من القول، بأن على القضاة الجنائيين بوجه خاص، أستعمال مهارات عالية جدا في التعامل مع المتهمين، حتى يستطيعون التمييز بين المتهم السوي والمتهم الذي يعاني اضطرابات ذهنية، وهذه الخبرة يكتسبونها بالممارسة، ومن خلال المناقشات مع العديد من المتهمين بالجلسة، فعليهم التركيز على تصرفات المتهم الماثل أمامهم، وكيف يتجاوب مع المحكمة؟ وأين ينظر؟ وكيف يحرك جسمه أو يديه؟ وكيف يرد على أسئلة المحكمة أو النيابة العامة أو الدفاع أو الضحية؟ وهل هو يتقيد بالسؤال أم يخرج عن نطاق هذا الأخير؟ وهل هو يجيب عن الأسئلة بكل طلاقة؟ أم يجيب وهو في حالة من القلق والانفعال؟ وغيرها من أنواع السلوك التي تعطي صورة أو انطباع عن الحالة الذهنية للشخص الصادرة عنه… و هذا ما يجعلهم ينجحون عادة في التمييز بين المتهم السوي والمتهم غير السوي

ثانيا: قرار المحكمة بالاحالة للطبيبب: فيما يتعلق بمسالة قبول طلب فحص المتهم المقدم من محامية أو من النيابة أثناء المحاكمة، فإن قبول هذا الطلب يعود لتقدير سلطة المحكمة! ويختلف الأمر في حال رفض الطلب عن حال قبوله، ففي الحالة الاولى يجب على المحكمة أن تسبب تسبيبًا سائغًا ومنطقيا عن أسباب رفضها لطلب فحص المتهم قبل الحكم في القضية برمتها، بعكس اذّ ما تراى لها قبول الطلب، فيكفي قناعتها بالتصريح بالشك عن حالة المتهم النفسية أو العقلية أثناء المحاكمة، وأن كنا نرجّح أن توافر الشك ليس أمر ضروري بحد ذاته، فيكفي (توافر مُجرّد الشك!!)، فحينئذً ينبغي على المحكمة احالة المتهم للفحص؛ ذلك أن مُجّرد قبول طلب الفحص لا يعني التقرير بانعدام المسؤولية!!! بل أن الطلب يمرّ بمراحل: الاولى/ قبوله من حيث الشكل، وثانيا/ إجراء الفحص، وثالثا/ أظهار نتيجة الفحص على المحكمة، ورابعا وهي الأهم/ قبول هذة النتيجة من عدمها. وتاسيسًا على ذلك، قد تكون نتيجة الفحص أن المتهم كان غير مدرك لافعاله لحظة ارتكاب الجريمة، ولا يعني هذا أن نتيجة الفحص ملزمه للمحكمة؛ لأنها الخبير الأكبر، فلها في سبيل ذلك، الأخذ بما جاء في التقرير أو تركه، مع التسبيب المنطقي في حال ترك نتيجة التقرير…

وفي هذا السياق، وفي حكم حديث ومشهور “لمحكمة النقض المصرية” في الطعن رقم ٢٧١٥٨ لسنة 2018 ، وفي القضية الجنائية المرفوعة من نيابة شمال القاهرة، أرست مبدأ قضائي يتلخص في حيثياته بالاتي: “ولئن كان من المقرر أن تقدير حالة المتهم الفعلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه لسلامة الحكم يقينًا إذا تمسك به المتهم، أن تجرى تحقيقاَ في شأنه بلوغاَ بما يسوغ، ولما كان ذلك، وكان ما رد به الحكم على دفاع الطاعن في هذا الشأن لا يسوغ به اطراحه، بخلو الأوراق مما يفيد على وجه قاطع، أن المتهم كان يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلي؛ لأن البداءة يتضمن الدعوة إلى تحقيقه، مما يُصم الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ولما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم والاعادة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن”. وبدورنا فإننا نميل الى ما اتجهت الية محكمة النقض المصرية، في أن مسألة قبول فحص المتهم، يكون للمحكمة فيه (خط رجعة)؛ لتقرير الحكم بقبول نتيجة الفحص من عدمه، بعكس رفض طلب الفحص ابتداءً، فإنه قد يعرض الحكم للبطلان؛ باعتبار أن رفض هذا الطلب، قد يُعدّ اخلالاً لطلبات الدفاع الجوهرية ابتداء.

الفرع الثاني حجية تقرير الخبير والحكم به

أولا: حجية تقرير الطبيب:

في بعض الأحيان يواجه بعض القضاة صعوبة للتعرف على حالة المتهم العقلية أو النفسية أو العصبية، فعلى “سبيل المثال لا الحصر” في بعض قضايا القتل العمد، قد يكون فيها المتهم مُختلّ عقليا، سواءً كان مصابا بجنون مطبق، أو مصابًا بنقص في العقل أو الوعي، وما يزيد الطين بلّه، أن بعض التقارير الطبية، تحدد حالة المتهم حين عرضه على الطبيب المختص، واحيانًا تتحدث عن خلاصه موجزه لتاريخه المرضي “إن كان قديمًا”، فيما تترك الأهم، وهو عدم تحدد طبيعة حالته الصحية لحظة ارتكابه للجريمة، فنجد أن نتيجتها النهائية غير حاسمه، وتنتهي بعض التقارير الطبية أحيانا بعبارة: “أن حالته غير معلومة!!”. وحرصا على ذلك، نرى “ومن وجهة نظرنا”، أن تشخيص المتهم يجب أن يتم في العيادة أو المستشفى الخاص بعلاج الاضطرابات الذهنية، حتى يمكن للطبيب أن يجري معه عدة مقابلات، وقد يستعين بالطاقم المكلّف بتتبعه؛ لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول سلوكه داخل المؤسسة العلاجية. كما يسمح وجود المتهم بمستشفى علاج الاضطرابات الذهنية، بإمكانية إخضاعه لعدة عمليات تشخيصية، ويسمح كذلك للخبير بأخذ رأي باقي الأطباء المختصين بنفس المؤسسة الصحية، وهو ما يساعد الخبير على فهم حالة المتهم بشكل دقيق، فيحسم في مسألة إصابته باضطراب ذهني من عدمه.

وحريًا بنا التطرق الى مواجهة احتمالات، أن ينجح المتهم في تظليل الطبيب الخبير بتمويهه بحركات أو سلوكات معينة؛ من أجل التملّص من المسؤولية الجنائية، فيصوّر نفسه أمامه على أنه مصاب باضطراب ذهني، والحال أنه لا يعاني من أي اضطراب من هذا القبيل، أو يمتنع عن الإجابة على أسئلة الطبيب الخبير فتتعقد مهمة هذا الأخير… ولتفادي كل هذه الإشكالات، فعلى القاضي الجنائي عندما يأمر بإجراء خبرة طبية على متهم، عليه أن يأذن بإحالة هذا الأخير على مستشفى لعلاج الاضطرابات الذهنية؛ من أجل عرضه على الخبير الذي عينه للقيام بالخبرة، كما يجب عليه ألا يقيد هذا الأخير بأجل قصير من أجل إنجاز الخبرة المذكورة؛ لأن تشخيص الحالة المرضية مرتبط بدراسة سلوك المتهم، وهذه الدراسة لا تتأتى إلا إذا كان سلوك هذا الأخير تحت ملاحظة ومراقبة المختصين داخل المؤسسة الصحية، كما نرى بأنه يجب أن تكون الخبرة الطبية ثلاثية خاصة في قضايا الجنايات، لأنه كلما ازداد عدد الأطباء المكلفين بتشخيص حالة المتهم المرضية كلما تقلص هامش الخطأ في الخبرة الطبية، وحتى يمكن الاطمئنان إليها أكثر في تقرير المسؤولية الجنائية للمتهم.

ثانيا: الحكم على تقرير الطبيب: إن دراسة حالة المتهم لحظة ارتكابه للجريمة، تحتاج لتفصيلات كثيرة من التدقيق والفحص والتخصصية، وكذا إجراء التجارب التقييمية، ويجب أن نكون صريحين، بأننا مازلنا في “اليمن” نسير بخطى بطيئة ومتخلّفة، في إزالة الوصمة عن الأمراض العقلية والنفسية والعصبية من جانب، والخلط بين التخصصات النفسية، كتخصص الطبيب النفسي والأخصائي النفسي، ودور كل منهما، وحدود إمكانياتهما التخصصية. وفي هذا الشأن، يضطر بعض القضاة وفي بعض القضايا، الى أهمال تقارير الخبراء الطبية الغير وافية عن حالة المتهم “المشتبه به صحيًا”، فيلجئ البعض منهم للبحث عن ظروف وملابسات الجريمه، كأسلوب ارتكابها، وزمن ومكان ارتكابها، وبواعث ودوافع ارتكابها، وماضي المتهم الاجرامي إن وجد، وعلاقتة بالمجني علية؛ وتصرفه السابق أو اللاحق لارتكاب الجريمه؛ لعلهم يجدون اجابة شافيه، يمكن أن تحدد حالة المتهم العقلية والنفسية والعصبية لحظة ارتكابه للجريمة.

ومما لاشك فيه، أن القاضي الجنائي كأصل عام، يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في موازنة وسائل الإثبات، وهذه السلطة لا يجب تقييدها بأي قيد إجرائي أو موضوعي، ولو كان الأمر يتعلق بمسائل فنية؛ لأن المسؤولية الجنائية للمتهم، وإن كانت مسألة متصلة بالجاني فقط، فإن مناقشة عناصرها وشروطها لا يتم بمعزل عن الواقعة القانونية المحالة بها الدعوى الجنائية، وفي هذا الموضوع بالتحديد، القاضي هو من يبرز تزامن إصابة المتهم باضطراب ذهني مع زمن ارتكابه للجريمة، وهو من يتحقق من قانونية الخبرة الطبية، وهو من يقارنها مع باقي أدلة الإثبات المعروضة عليه، وله في هذا الإطار مجموعة من الصلاحيات… وعليه، نرى بأن مسألة تقدير حالة المتهم الذهنية، تدخل في نطاق السلطة التقديرية للقاضي الجنائي، شريطة استعانتة بخبرة طبية تساعده من أجل الحسم مسألة إصابة المتهم باضطراب ذهني من عدمه، وكذا مسألة درجة تأثير هذا الاضطراب على إرادة أو إدراك هذا الأخير، حتى يستطيع الحسم في مسؤوليته الجنائية.

واستنادا الى ما سبق ذكره، نرى بأن الخبرة في هذه الحالة يمكن أن تكون جدية وضرورية وشبه حاسمه، وعلى القاضي الجنائي أن يأمر بها ليس بتوافر الشك بحالة المتهم الذهنية فحسب، بل بمجرد توافر الشك؛ لتعلق الأمر بمسألة طبية فنية اختصاصية، يصعب عليه فهمها في غياب تقرير طبيب مختص، والذي يعتبر من العناصر الضرورية التي يبني عليها القاضي الجنائي اقتناعه الصميم، ومن خلال مقارنة مضمون باقي وسائل الإثبات التي يتضمنها ملف القضية، و ما دار أمامه بالجلسة من مناقشات مع المتهم المتابع، وما جاء في تصريحات اطراف الدعوى، وظروف وملابسات القضية المعروضة عليه… وخلاصة القول، بكون تقدير حالة المتهم الذهنية من المسائل الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها، يجب أن يبقى هو الأصل لانسجامه مع فلسفة المشرع الجنائية، التي تعطي للقاضي الجنائي سلطة واسعة في تقدير وسائل الإثبات؛ حتى يستطيع تكوين اقتناعه بكل حرية وتجرّد، غير أن ذلك لا يعني بأن القاضي الجنائي مخيّر في اللجوء إلى خبرة طبية، بل يجب عليه أن يأمر بإجرائها تلقائيا أو بناء على طلب؛ اذا كانت متعلقة بتحديد الحالة الذهنية للمتهم وبمجرد توافر الشك؛ ولتعلق الأمر بمسألة طبية صرفة بعيدة عن مجال اختصاصه القانوني، وذلك حتى يستطيع فهم الحالة المرضية للمتهم التي على ضوئها يقرر في مسؤوليته الجنائية.

المحور الرابع تأثير مراحل الجنون على الدعوى الجزائية

من المعلوم أن امراض الجنون وما في حكمها، قد تصيب الشخص في مرحله غير محدده، سواءً كانت سابقه على ارتكابه للجريمة، أو اثناء ارتكابها. كما قد يصاب الجاني بالجنون في مراحل سابقة أو لاحقة على المحاكمة، ولكل مرحله من هذه المراحل حكمها الخاص، وفقا لما يأتي:

الفرع الأول

المرحلة السابقه والطارئة للجريمة

أولا: المرحلة السابقة للجريمة: ويكون المتهم فيها مصابًا بالمرض قبل ارتكابه للجريمة، بمعنى أن له تاريخ مرضي سابق على ارتكاب الجريمة، وهذة الحاله يسهل على الطبيب المختص بيان رأيه للمحكمه؛ باعتبار أن هناك معرفه سابقه بتاريخ المرض، ومراحل تطوره، ودرجة خطورته، وهل مرضه متقطع أم مستمر، وعلاقة مرضه بالجريمة المرتكبه… وصولاً لتحديد مدى عجزه عن ادراك افعاله وتصرفاته من عدمه لحظة ارتكابه للجريمة. وفي هذة الحالة، إذا كان المتهم مصاب بحالة جنون، أو أي عاهه عقلية لحظة ارتكابة للجريمة، أنتفت المسؤولية الجزائية عنه، وعلى هذا الأساس، فإن مانع المسؤولية الجزائية لا ينتج أثرة، إلا إذا كان محققًا وقت ارتكاب الجريمة، لا بما كانت علية قبل ذلك، وهذا ما نستخلصة من عبارة النص الواردة في المادة (33 عقوبات) بقولها: “لا يسأل من يكون (وقت) ارتكاب الفعل عاجزا عن ادرك…”.

ثانيا: المرحلة الطارئة للجريمة:

وفيها لا يكون المتهم مصابا بأي مرض عقلي، كالجنون أو نحوه… ولا بأي عاهة عقلية قبل ارتكاب الجريمة، لكنه قد يصاب بجنون طارىء، أو عاهه عقليه طارئة، تفقد أو تنقص وعيه وادراكه، وتدفعة الى القيام بارتكاب جريمة، وهذة النوع يصعب على الطبيب تحديد حالة المتهم لحظة ارتكابه للجريمة، كما اشرنا اليه سابقا.

ومن نافلة القول، أن حالة الحرب المتواصلة التي تشهدها اليمن وفي جميع المجالات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والخدماتية والمعيشية، وكذا عدم الاهتمام بإمكانيات الطب العقلي والنفسي والعصبي في اليمن، ولعدم التعامل الطبي الصحيح مع هذه الحالات، ونتيجة لإهمال بعض الأسر والاهل بحالة مرضاهم، ولجوء البعض منهم الى الشعوذة والدجل في محاولات يائسة لعلاج مرضاهم! وقد يصل الأمر أحيانا الى حالة حبس مرضاهم وتقييدهم؛ مما يؤدي الى تدهور حالتهم الصحية، فيتحول بعضهم من مرضى نفسيين الى مرضى عقليين، فيصعب السيطرة عليهم، لذلك، نراهم منطلقين بشكل ملحوظ في الشوارع والمدن، والى درجة وصول المصابين بالأمراض النفسية والعقلية الى ربع سكان اليمن، وهذا بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية أكتوبر 2023م، فكل هذه العوامل احدى الأسباب الرئيسية التي تواجه فيها النيابات والمحاكم، صعوبة بالغة في تقرير الحالة الصحية للمتهم المشتبه بإصابته بمرض عقلي أو نفسي أو عصبي.

الفرع الثاني المرحله السابقه واللاحقة للحكم

أولا: المرحلة السابقة على الحكم: ونعني هنا إصابته بجنون طارئ بعد ارتكاب الجريمة وقبل صدور الحكم، وبالتأكيد سيؤدي ذلك الى توقف بعض إجراءات التحقيق لحين شفائه، وفي هذا الخصوص، نظّم المشرع اليمني إجراءات التحقيق ومحاكمة المتهمين الذي يشتبه أصابتهم بمرض عقلي أو عاهة عقلية من المواد من (279 وحتى المادة 282إجراءات جزائية)، حيث أكّدت المادة (279) في حال دعا الأمر فحص حالة المتهم العقلية، فيجوز للنيابة أو المحكمة، أن تأمر بوضع المتهم تحت الملاحظة في أحدى المستشفيات المخصصه ولمدة لا تزيد عن 45 يوما، كما بيّنت المادتين (280 و 283) نفس الحكم في التعامل مع المتهم المريض عقليًا، والذي يتعين في حال استمرار حالتة المرضية بعد مرور الفترة الزمنية المذكورة سابقًا دون علاج، فيجب على النيابة أو المحكمة أن تحدد موقفها، أما باصدار قرار بالا وجه لاقامة الدعوى من النيابة، أو حكم ببراءة المتهم لانعدام المسؤولية، سيما إذا كان المتهم على درجة عالية من الخطورة، أو كانت الجريمة جسيمة كارتكابة جريمة قتل، فعليها أن تقرر، إما استمرار حجز المتهم في المؤسسة العلاجية؛ اذ ما أتضح لها أن حالته ستتحسن صحيًا، أو تسلمه لأحد أقاربة أو اصدقائة إن وجدوا، شرط أن يتعهدوا برعايتة ومنعه من الاضرار بنفسة أو بالغير، وعلى أن يتم احضاره عند الطلب في حال شفائه قبل الحكم عليه.

ومما تجدر الإشارة بالقول، أن المشرّع اليمني قرر أن تستمر الإجراءات الأخرى الذي ليس لها تأثير على حالة المتهم المصاب بالمرض، كسماع الشهود، أو المعاينة، أو تفتيش منزله، ونحو ذلك طبقًا لنص المادة (281 من نفس القانون). كما صرّحت المادة (282) على خصم المدة التي يقضيها المتهم تحت الملاحظة في الحجز من مدة العقوبة، والتي من الممكن أن يحكم بها عليه. كما أكّدت المادة (377 من نفس القانون) على أنه، في حال أتضح للمحكمة، أن المتهم عند ارتكابه للفعل المسند إليه، كان في حالة من حالات انعدام المسؤولية أو موانع العقاب، فيتعين على المحكمة إنهاء القضية و إخلاء سبيل المتهم فوراً.

ثانيا: المرحله اللاحقه على الحكم:

ونعني هنا في حال إذا أصيب المحكوم علية بالجنون بعد النطق بالحكم وقبل تنفيذ العقوبة، فتطبّق عليه حكم المادة (499 إجراءات)، حيث أكّدت على عدم جواز تطبيق العقوبة عليه، ويجب على النيابة حينئذً تأجيلها لحين براءته من المرض، وذلك بالإحالة للمصحة للعلاج الى حين شفائه، وإن يأس الأمر ولم يرجى شفائه بناءً على تقارير طبية رسمية، وكانت العقوبة المقررة علية بدنية، “كالقصاص أو الجلد أو الرجم ونحو ذلك…”، فتقرر المحكمة تأجيل العقاب عليه الى حين شفائه أو يتداركه الموت، إلا اذا تنازل من له الحق بالقصاص، أو صدر أمرًا بالعفو من ولي الأمر في عقوبة الحد. أما في حال أصابه المحكوم عليه بمرض عقلي أو عاهة عقلية خلال تنفيذ عقوبة الحبس، فتقرر المحكمة وضعة تحت الحراسة في أحدى المؤسسات العلاجية حتى تنتهي مدة عقوبة الحبس، وفي حال شفائه قبل انتهاء مدة العقوبة، يعاد الى السجن لاستكمال ما تبقى من العقوبة، كل ذلك اعمالاً لحكم المادة (471 فقرة 3 إجراءات)، على أن يستثنى من ذلك، العقوبات المالية، كالديات أو الاروش، وكذا الغرامات المقررة لخزينة الدولة، أو المصادرة، كما يشمل ذلك، عدم سقوط حق المجني عليه أو المتضرر من الجريمة من رفع دعوى التعويض من الجريمة، مع التنويه بفرض التعويض على ماله إن كان له مال، مالم فعائلته “أقاربه من جهة الاب” تضمن الاضرار بسبب الجريمة، وهذا بالاستناد للأحكام الواردة في المادة (34 عقوبات).

خاتمة النتائج والمقترحات

  • أولا: النتائج: المتأمل لواقع المعيشة في حياتنا، يجد أن الكثير من الامراض منتشرة كثيرًا في مجتمعنا اليمني، وبالذات الامراض النفسية، وأبرزها كما ذكرنا مرضي “الفصام والاكتئاب السوداوي الذهني”، بحيث يضطر بعض المصابين القيام بارتكاب جرائم شنيعة، كالقتل أو الاغتصاب أو السرقة باكراه ولو على الأقارب.. والغريب أن بعض أحكام الإعدام قد تصدر بحقهم وهم ناقصي للإدراك والوعي تمامًا؛ تحت حجج ومبررات أن هذه جرائم وحشية وبشعة وعنيفة، وبضغط شديد من الرأي العام، ممثلا بالصحافة، و وسائل التواصل الاجتماعي، ويكون ذلك أحيانا في جلسة أو جلستين قضائية على الأكثر، واحيانا يمكن أن يكون دون حضور محامون عنهم؛ مما يجعل الاحكام الصادرة بشأنهم، محل شكّ وتندرج تحت طائلة “البطلان المتعلق بالنظام العام”؛ لعدم تحقيق وسائل حقوق الدفاع الجوهرية، كحق أصيل وركن أساسي لأجراء المحاكمات العادلة. ولعله من المفيد التأكيد، والنصح لزملائنا السادة القضاة الجدد وحديثي العهد، بأن يبذلوا الجهد، ويستفرغوا الوسع في دراسة القضية من كافة جوانبها، وأن يبينوا أسباب ارتكاب الجريمة، و ظروفها، و شخصية الفاعل كشرط أولي؛ لتحديد مسئوليته الجزائية، بغية الوصول إلى حكم عادل.. ولا يثنيهم مبرر، أن المشرع اليمني لم يترك لهم فرصهم؛ لتخفيف العقاب في الجرائم الذي يقدم متهميها بشبهة فقدان الوعي، أو نقصان للإدراك، ولهم في سبيل ذلك، تطبيق مبادئ تفريد العقاب المذكورة بصريح المادة (١٠٩) عقوبات، وأهمها مراعاة درجة المسؤولية الجنائية، التي تصنّف جرائم المجنون والمختلّ عقليًا أو نفسيًا أو عصبيًا الى: مسؤولية “كاملة” والتي تنطبق على الاصحاء، ومسؤولية “ناقصه” وتنطبق على ذوي العجز النسبي أو ناقصي الادراك، ومسؤولية “منعدمه” وتنطبق على المصابين بعجز كامل أو فقدان كلي للإدراك والوعي… وهذه احدى المخارج القانونية، الذي من الممكن أن يستندوا اليها، كأساس متين لحيثيات وأسباب احكامهم بشكل صائب..
  • ثانيا: التوصيات والمقترحات:

١- نقترح على المشرّع اليمني، تحديد نوع العجز ودرجته وحكمة، والمذكور في نص المادة (33 عقوبات)، فإن كان عجز كلي، يكون فيه الشخص فاقدًا للادراك والوعي والتمييز لافعاله وتصرفاته، ترفع عنه المسؤولية الجنائية. وإن كان عجز نسبي، يكون فيه الشخص ناقص الادراك والوعي والتمييز لافعاله، يجاز أن تخفف عنه العقوبه.

2 – نرى من المناسب توحيد المصطلحات باستخدام عبارة “اضطرابات ذهنية”، بدل باقي العبارات المتعددة من قبيل “خلل في القوى العقلية” و “الأمراض العقلية والنفسية والعصبية” و “العاهة العقلية” وغيرها، وذلك تماشيا مع التصنيف الدولي للاضطرابات الذهنية ICD.ولتوحيد العمل بالتصنيفات الدولية للاضطرابات الذهنية من قبل الأطباء المختصين في معالجة الاضطرابات الذهنية.

3 – نشدد على الاهتمام والعناية اللازمه، لإنشاء لجان طبيه متخصصه؛ لتقييم حالات المتهمين والمحكوم عليهم، والمشتبه اصابتهم بامراض عقليه أو عصبيه أو نفسيه. والنص صراحة على أن الخبرة تجريها لجنة خبراء من ثلاثة اختصاصيين بمستشفى علاج للاضطرابات الذهنية، وبإذن من القاضي الجنائي الذي يأمر بها، ويسمح من خلاله بنقل المتهم المحبوس من المؤسسة السجنية إلى مؤسسة لعلاج الاضطرابات الذهنية، و وضعه رهن إشارة الخبراء؛ من أجل إنجاز الخبرة في ظروف مناسبة تضمن الحصول على نتائج دقيقة، لا سيما في القضايا التي تكون عقوبتها الاعدام!!

4 – نهيب بأهالي المرضى المختلّين عقليًا، بأن المسؤولية الشرعية والقانونية تقع على عاتقهم، إما بإدخال أقاربهم بالمصحة، أو إبقائهم لديهم تحت عناية ومراقبة شديدة؛ حتى لا يتضرر شخص أو تسلب روح، كانت ضحية شخص غير مسؤول عن تصرفاته؛ لأن ذلك قد يعرّض الشخص المسؤول عن هذا المريض للمساءلة القانونية، متى ثبت تقصيره عن الرقابة على من يتولى مسؤوليته إذا ارتكب جريمة.. وادعوا في هذا الخصوص، أن يتدخل المشرع، بقرارات رادعة لتنظيم مثل هذه الأمور؛ حماية للأرواح وللمرضى أنفسهم.

5 – ننصح زملائنا السادة القضاة واعضاء النيابة، بالاهتمام بمسألة تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية أو العصبية، فيتعين عليهم أذا تمسّك به المتهم وأصر عليه، أن يجرون تحقيقًا كافيًا، ولا ضير عليهم إن عيّنوا خبيرًا للاثبات أو النفي، ولو خلت أوراق الملف بما يفيد أن المتهم كان يعاني من اضطراب نفسي أو عقلي أو عصبي وقت ارتكاب الجريمة.

6 – وبالمقابل، نوصي المشرع بمعاقبة من يثبت أنه أدّعى الجنون بعد ارتكابه للجريمة؛ للإفلات من العقوبة، واعتبار ذلك ظرفًا مشددًا، وإن كان هذا الادعاء والفعل، يتشابه الى حد ما مع الأركان المادية لجريمة تضليل العدالة! هذا والله أعلم، وهو الموفق للصواب.

اترك هنا تعليقك وشاركنا رأيك