إنها المرة الأولى في لبنان: في كل الميادين تظهر أعلام الأرز الوطنية، وتختفي أعلام الطوائف.

كل ما في الميادين يتنفس لبنانياً، البشر ومعه الحجر.

يلتقون هناك في الحشود ويفترقون على حلم فيروز الخالد: راجع يتعمر لبنان.

شعار «كلن يعني كلن» ينطلق من آلاف الحناجر مؤذِناً برحيل الطبقة السياسية في لبنان.

من الرئاسات الثلاث.

من كل الطائفيين.

والأحزاب.

لكن خصوم الشعب، وهم قادة النخبة السياسية، يتقبلون «بعض» ما يطرحه الشارع في أقوالهم العلنية، ويرفضونه بالكامل، «قشّة لفة»، في أفعالهم العلنية والسرية.

الأمر المثير للذهول بشأن تلك التطورات غير المسبوقة في لبنان هو حالة الوحدة المتجاوِزة للطائفة بين كل من المحتجين والطبقة الحاكمة. هذا الوعي المدني اللافت يُبشِّر بشعورٍ جديد بالانتماء، يشعر فيه المواطنون بأن لديهم مصلحة في الحكم دون المرور بالأقلية المتزعمة لطائفة كل منهم. 

المواطن اللبناني خلدون جابر هتف في ساحات الاحتجاج أمام قصر بعبدا: 

عهدك جوّع الكل

هذا الهتاف أدى إلى اعتقال خلدون في مقر وزارة الدفاع. لساعات طويلة بقي مصيره مجهولاً. ضغطت عائلته وتحوّلت حكايته إلى قضية رأي عام. وعندما أُطلق سراح خلدون استقبلته كاميرات النقل المباشر وحشد من الصحفيين والمحبين، وكشف ظهره عن آثار الضرب الشديد الذي تعرض له خلال ساعات قليلة من التوقيف.

في التحقيق سألوه: من أنزلكم إلى الشارع؟

وأجاب خلدون: الفقر هو من أنزلنا.

ليس الفقر فقط.

الفقر هو الابن الشرعي لنظام الطائفية والمحاصصة.

وشقيق الفساد وسوء الإدارة.

يعيش ويتمدد في لبنان برعاية حكم المصارف.

ماذا يريد المحتجّون؟

أولاً، يريدون محاسبة السياسيين الذين سرقوا. واستعادة الأموال المنهوبة أو المهرّبة، رغم أن كثيرين يتشككون فيما إذا كان قضاة البلاد على مستوى هذه المهمة؛ لأنهم هم أنفسهم معينون على أساس انتماءاتهم السياسية والدينية. 

والأهم من ذلك، يطالب المحتجون بضرورة إلغاء النظام الطائفي لاستيعاب جيل أصغر سناً لا يملك ذكريات عن الحرب الأهلية وانفصل عن الانتماءات الطائفية.

ما الذي فعلته الطائفية بلبنان؟

هل يمكن أن يعيش لبنان بلا محاصصة طائفية؟

وكيف يعمل هذا النظام السياسي منذ تطبيقه بعد الاستقلال، ومن يستفيد من إلغائه، ومن يخسر؟

هذا التقرير يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها.

اترك هنا تعليقك وشاركنا رأيك