اول مرة ستقرأ عن قصة حماية عدن والسواحل اليمنية في عهد الدولة اليمنية الطاهرية من الغزو البرتغالي لعدن

ثريد حامي عدن وسواحلها الامير مرجان الظافري اليماني وانتصاره الساحق على البرتغاليين

بعد نحو ست سنوات من احتلال البرتغاليين لجزيرة سقطرى بعدما واجهوا ثورة كبيرة من ابناء سقطرى ادركوا ان عدن هي بوابة البحر الاحمر وليست سقطرى .وبالسيطرة عليها يمكن شل الحركة التجارية في البحر الاحمر، واستنادًا لهذه المعطيات التي حملتها تقارير البحرية البرتغالية إلى لشبونة، اصدر ملك البرتغال “مانويل الأول من البرتغال (بالبرتغالية:Manuel I) هو الملك الرابع عشر للبرتغال. وتوفي في لشبونة في 13 ديسمبر 1521.

دعم حملات الاستكشاف البرتغالية في المحيط الأطلسي. وقد تم اكتشاف البرازيل وضمها إلى مملكته في عصره كما أن فاسكو دا غاما قام بتأمين طريق التجارة إلى الهند وقام ألفونسو دي البوكيرك بالسيطرة على المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عمان وجميع الموانئ في المنطقة مما عزز دور الإمبراطورية البرتغالية. ” باحتلال عدن، فتحرك القبطان افونسو جود سالو دلبوكيرك مانويل من جوّا في سنة 939هـ/1513م نحو عدن للسيطرة عليها.

ويذكر بامخرمة الذي عاصر هذه الحملة بأن أهل ابين رأوا عددًا من السفن قاصدة عدن ، وكانت في حقيقتها طلائع الأسطول البرتغالي ،فارسلوا من يبلغ الأمير مرجان الظافري والي مدينة عدن بذلك”وهو بطل قصتنا “والذ بدوره أسرع بإرسال الخبر إلى السلطان الظافر عامر بن عبدالوهاب (الثاني)سلطان الدولة اليمنية الطاهرية الذي كان آنذاك يواصل بالحروب الداخلية ضد المتمردين وهو ماجعل البرتغاليين يتجرأون بالقدوم إلى عدن وذلك بسبب الحروب الداخلية ولكن السلطان الظافر أمر بتجهيز حملة حربية لنجدة عدن كما امر ببقية امراء الموانئ اليمنية بالاستعدادات للمقاومة .

‏وعلى اية حال ، فقد أُشير على الامير مرجان الظافري بنقل شحنات السفن الراسية في الميناء إلى المدينة خشية تعرضها للسطو من قبل البرتغاليين. بيد أن الامير مرجان الظافري لم يعمل بمشورته لان لديه خطة اخرى حول هذا الامر حيث كان آنذاك مشهورًا بحنكته وكفاءته في ادارة شئون الحكم في عدن.

وفي صبيحة يوم الجمعة الموافق 17 محرم 919هـ/25 مارس 1513م رأى اهل عدن ثمانية عشر مركباً راسية في صيرة فعزم الامير مرجان على منازلتهم ولكنه وضع عدة خطط ولم يتسرع وهذا مشهود له وكانت أولى الخطط إلى التغافل عنهم وعدم مبادرتهم بالحرب وأمر اهل المدينة باتباع ذلك .

‏وتنفيذًا للمخطط البرتغالي شرعت إحدى سفنهم في استطلاع الوضع في البندر حتى أطمأنت “وهذه من خطط الامير مرجان الظافري اعطائهم الامان “ثم أشارت تلك السفينة إلى الاسطول بالتقدم حتى رسوا في البندر ، وبدأوا مباشرة بضرب المدينة بالمدفعية والبنادق .ولكن الامير مرجان قد درس هذا حيث وضع اماكن يحتمي بها اهل المدينة لانه يعلم أنها اذا بدأت المعركة فسيضربون بيت المدنيين لكي يضغطون عليه ولكنه كان احرص منهم في هذه النقطة.

وحاول الأمير مرجان الظافري مناورتهم حتى يتم استكمال الاستعدادات فقام بمفاوضات لكسب الوقت فأرسل إليهم بالكباش والفواكة على سبيل الضيافة ، إلا أنهم رفضوها البرتغاليين وقالوا ان هدفهم هو الاستيلاء على المدينة وإنهم إن لم يستلموها طوعًا أخذوها قهرًا ، مؤكدين في الوقت ذاته مهاجمة المدينة يوم السبت.

‏وعلى الرغم من تعنتهم إلا أن الأمير مرجان الظافري حاول ثانيةً لكسب الوقت ‏، فأرسل رسولاً آخر بهدايا ويخبر دلبوكيرك أن عدن تحت أمر ملك البرتغال ‏وأن رغبات الملك نافذة، بيد أن دلبوكيرك رفضها، ورد على الأمير مرجان بأنه ليس من عادته قبول الهدايا من أمراء لا تربطه بهم حالة سلام حقيقية، وإذا كانت رغبة الأمير مرجان في الطاعة حقيقية، فإن عليه الأمر بفتح أبواب المدينة، ويسمح بدخول جنوده إليها، أما السفن الراسية في الميناء فيمكن السماح لها بالسفر إذا طلبت منه إذناً بذلك (4) .

الامير مرجان الظافري اليماني
الامير مرجان الظافري اليماني

عندما رأى الأمير مرجان أنهم بدأوا بالاستيلاء على السنابيق والسفن الراسية تمهيداً لغزو المدينة ( السفن لم يسحبها وهو من اجل يعرف خطوات العدوا وانه اذا اقترب للسفن فالمعركة بدأت لانه تركها من اجل كسب الوقت ومعرفة ما يخطط له العدو) ‏لقد أمر الامير مرجان الظافري بنصب المدافع على الدرب استعداداً للمقاومة ولإعداد الخطة الهجومية على عدن استشار القبطان دلبوكيرك كبار قادة الأسطول وبدورهم قرروا تكليف فرقة باستخدام السلالم لتسلق الدرب من يسار الساحل ويقودها دي جارسيا، فيما يقود دلبوكيرك بنفسه قوة ثانية لمهاجمة المدينة من يمين الساحل، ثم قائد آخر يتخذ موقعاً بين الفرقتين ومعه فرقة تحمل سلماً ضخماً، فيما عهدوا إلى مائة جندي تسلق التلوالمطل على السور في أقصى اليمين من الساحل للقفز خلف السور وكيفما كان أمر ذلك المخطط، فقد فشل دلبوكيرك فشلاً ذريعاً إذ إن قواته المتجهة إلى يسار الساحل عجزت عن اقتحام المدينة، لان المقاومة كانت تقاتلهم بشراسة والفرقة التي قادها بنفسه أعاقها شدة انحدار الشاطئ والقوة التي وضعها الامير مرجان الظافري لمنع وصول هؤلاء البرتغالييون من الدخول للمدينة مما عرقل سير القوارب، فاضطروا للخوض في الماء حاملين معهم السلالم والبنادق فوق رؤوسهم، وحاولوا عبثاً نصب السلالم على الدرب فتم كسرها بهم وبعد أن أخفق دي جارسيا في التسلق من يسار السور واقتحام باب السر وكان هذا فخ البرتغالييون حول وجهته إلى رأس شرشرة ، وتمكنت قواته من التسلق إلى أعلى السور دون أن يواجه مقاومة تذكر بأمر من الأمير مرجان الظافري ونزل بعضهم إلى المدينة وآخرون صعدوا إلى جبل الخضراء، فوجدوا قوات الدولة يسندهم أهل عدن لهم بالمرصاد يقاتلوهم بشراسة حتى أنزلوهم من الجبل .

‏أما المعارك التي دارت على الدرب، فقد ورد في المصادر أن دلبوكيرك أمر جنوده بالبحث عن باشورة كشك خشبي متحرك للاحتماء بها حتى يتمكنوا من الدخول إلى المدينة كما أمر بترميم السلالم حتى يتمكن جنوده من تجاوز الدرب (٥) ، بيد أن الانتصار في هذه المرحلة من المعركة كان حليف امير عدن وقواته و أهل عدن الذين استبسلوا في مقاتلة البرتغاليين حتى استولوا على الدرب، ومن جهته أمر الأمير مرجان بحرق الباشورة التي كانت تحمي عدداً قليلاً من الغزاة، فاضطر من نجا منهم إلى ركوب السنابيق للعودة إلى السفن. وفي آخر الدرب قرب جبل الخضراء كان الانتصار فيها لوهلة حليف البرتغاليين وتمكنوا من الدخول إلى أسواق المدينة ، ولكن عاد الامير بقوة هو وقواته يحث أهل المدينة بعدما علم أن ذلك الإخفاق في تلك الجبهه قد أثر في معنويات أهل عدن وتسرب إلى نفوسهم اليأس والإحباط، حيث قال من خاف من الموت فل يخرج من عدن ولكنني اقسمت ان لا ابرح المكان إلا منتصرًا او شهيدًا .

‏وكان ذلك الخوف لعدم تكافؤ طرفي المعركة في العدد والعتاد، فضلاً عن تأخر نجدات اخرى حيث أرسلوا قوات الطاهريين ولكن الامير مرجان الظافري يريد اكثر ولانشغال الدولة بمحاربة المتمردين في الداخل تأخرت بقية الامدادات ولكن الأمير مرجان كما يبدو قد استقرأ أحداث ووقائع المعركة ورأى إمكانية التقدم والتفوق على العدو، فعاد إلى المعركة في قلةٍ من رجاله، وانضم إليه رجال كثر من المدينة بعد كلمته التي حفزتهم وقاتلوا الغزاة حتى ألحقوا بهم الهزيمة المنكرة، وهرب البرتغاليون إلى مراكبهم، ولتمام الإجهاز عليهم أمر الأمير مرجان بضرب مراكبهم بالمدفعية من قلعة صيرة، فقتلت وجرحت عدداً كبيراً منهم، وعلى إثر هذه الضربة الموجعة التي تلقاها الغزاة قاموا بإضرام النيران في المراكب الراسية في البندر انتقاماً لهزيمتهم ، وقد ظلت بعض المراكب تناوش المدينة دون طائل فيما ‏أبحرت أغلب مراكبهم إلى جزيرة كمران.‏

اما حصيلة قتلى هذه المعركة من الطرفين إذ يذكر المؤرخ بافقيه الشحري ان عدد قتلى البرتغالييون مائتان من القتلى ويقول ابن شنبل ان في هذه المعركة خمسين شهيد مسلم، من اليمنيين الذين هم دون شك كوكبة من خيرة رجالاتها أبرزهم إسماعيل بن عمر بن موسى المهري الرحيلي الذي كان أحد أسباب النصر وكان سند كبير للامير مرجان الظافري وبهذا الانتصار الساحق سجلت المدينة أروع صفحاتها التاريخية ممهورة ببطولات ‏المقاومة الشعبية تحت لواء أميرها الجسور مرجان الظافري.

الامير مرجان الظافري اليماني
الامير مرجان الظافري اليماني

عودة البرتغاليين لغزو عدن للمرة الثانية لينتقموا من هزيمتهم الاولى والساحقة.

‏ أقام البرتغاليون في جزيرة كمران حتى منتصف جمادى الأولى للسنة ذاتها يوليو١٥١٤م، ثم عادوا ليعززوا رفاقهم في عدن استعداداً لمهاجمة المدينة مرة ثانية، بيد أن الأمير مرجان الظافري هذه المرة اتخذ الاستعدادات اللازمة والمتاحة لتحصين المدينة، فبنى دروباً ومسالك وحصوناً، ولعله بنى الممشى (الممر) بين جزيرة صيرة والبلد لتيسير نقل المؤن إلى الجزيرة والقلعة، كما فتح باب المشاركة أمام أهل عدن للعمل ضمن القوات النظامية، ورتب عسكر البحرية على ساحل البحر وعلى المراكب، وعزز رتبة الحصون والدروب وشحنها بالعتاد وعندما وصل البرتغاليون إلى صيرة بدأوا كالعادة بحرق عشرين مركباً من المراكب ‏الراسية ثم نزلوا بالسنابيق إلى ساحل صيرة ليلاً، وكان البحر عارياً، وبينما هم يحملون السلالم والعتاد، إذا بالأمير والجيش و بأهل المدينة قد ثاروا عليهم بالسلاح من كل مكان، وحدثت بين الطرفين معركة شديدة الضراوة، ثم تدخلت المدفعية، وقصفت مراكب الغزاة من أعلى سور صيرة،ومن الله على عدن بالنصر، وقفل البرتغاليون منهزمين إلى سفنهم بين قتيل وجريح وأسير .

وفي اليوم التالي أحجم الجند البرتغاليون عن مهاجمة المدينة ولزموا مراكبهم، وكعادتهم أفرغوا غضبهم وغيظهم على السفن الراسية في البندر فأضرموا فيها النار حتى أحرقوها، وفي المقابل تعرضت سفنهم لنيران المدافع والعرادات فأصابتها بأضرار بالغة، وأجبرتهم على الفرار مذمومین مدحورین من عدن وسواحلها ومن بحر ابين و لحج وشرق اليمن .

‏وبهذا النصر المؤزر يكون الأمير مرجان الظافري قد سدد صفعة قوية إلى هيبة البرتغاليين الحربية البحرية، إذ كانت هزيمتهم في عدن أول هزيمة كبرى يتلقونها منذ انتصاراتهم المتلاحقة على الأقاليم الصغيرة في شرق أفريقيا وسواحل الهند الغربية . وعلى إثر نتائج المقاومة الباسلة التي نظمها وخطط لها الأمير مرجان ضد الغزاة سطع نجمه في الآفاق ، وذاع صيته بحسن الإعداد وبعد النظر والثبات عند الشدائد فوق شهرته كإداري قدير .

ولكي يمسح البرتغاليون عار تلك الهزيمة أو على الأقل يخففون من آلامها ذهبوا ليعززوا مراكزهم العسكرية والتجارية شرقاً فاحتلوا جزيرة هرمز وساحل عمان سنة ٩٢١هـ/١٥١٥م

المصدر

‏بامخرمة قلادة النحر ج 3 ‏بافقية الشحري تاريخ الشحر ‏عيسى بن لطف الله روح الروح ج1 ‏بامطرف الشهداء السبعة دلبوكيرك السجل الكامل ج3 ‏الكبسي اللطائف السنية ‏تاريخ ابن شنبل عباس علوي فرحان عدن في عهد الدولة الطاهرية

بقلم ابو صالح العوذلي 2024

اترك هنا تعليقك وشاركنا رأيك