أثارت الصور التي تداولتها وسائل الإعلام لوزير الخارجية البريطاني “جيرمي هانت” والتي ظهر بها في ميناء عدن الاستراتيجي لابساً واقياً من الرصاص إستغراب الكثير من الناشطين السياسيين. موجة إحتجاج كبيرة على وسائل التواصل الإجتماعي. كانت التدوينات تتحدث عن كيف تخوف الرجل من دخول عدن بلبس مدني ودخلها مدججاً بالسلاح والقوات، وصلت حد تخويفه بالقتل.

في عدن حلت الميليشيات محل الدولة الشرعية وفي الواقع لا توجد توصيفات مستقلة إسمها “المجلس الانتقالي”، بل تركيب معقد من أبناء يافع والضالع وعدن، القبائل، ونظام هادي. وتحت زي الجيش اختبأ الجميع، بما في ذلك الحرس الجمهوري السابق التابع لعفاش وعشرات الألوية العسكرية، وفي المقدمة الهاشميون من أبناء الجنوب، في المدن التي تسيطر عليها ما تسمى ألوية النخبة إقتسم هادي والإنتقالي السلطة معاً.

دفع المجلس الإنتقالي بوزير الخارجية البريطاني “هانت” بعد زيارة عيدروس الزبيدي إلى لندن بمباركة إماراتية ودون علم من الرياض والتي تتصارع مع الإمارات منذ أمد حول مصالح بعضهما، فالشرعية بكل تفاصيلها تتبع الرياض بينما “الإنتقالي” مكون بديل قام “طحنون”مستشار الأمن القومي الإماراتي بابتكاره من العدم في عدن ، وصل “عيدروس” الى لندن وإرتمى في أحضان البريطانيين وناشدهم العودة للبناء والشراكة في الجنوب، لم يكن “عيدروس” سوى ورقة إستخدمتها الإمارات لتقوية نفوذها بالشرق الأوسط وجنوب اليمن عموماً عبر بريطانيا بعد أن فشلت محاولات الإرتماء بأحضان الجمهوريين بسبب وفرة النفط السعودي في واشنطن.

ببعض رجال تنظيمه العسكري الكبير يتقدم “عيدروس” واثق الخطى لإستعادة دولة الجنوب وخلال ثلاثة اعوام من الإرتهان للإمارات ومنذ سقوط عدن وطرد الحوثيين منها، استحوذ الإنتقالي على الجزء الأكبر من السلطة المدنية والأمنية، وكان ابناء يافع والضالع هم سيوف ودروع “عيدروس” و”شلال”. لم يكتف “المجلس الإنتقالي” باجتياح مؤسسة الدولة لمصلحة “طحنون”، بل انخرطوا في الجيش وخاضوا به حروب لصالح قوى غير وطنية. فقد كان تعيين رجلين جنوبيين كقائدين للجيش والأمن من أولى قرارات هادي بعد سقوط عدن، ومؤخراً قام “عيدروس” بتعيين مجلس للإفتاء يشكل السلفيون 100٪ من قوامه, وضرب “الإنتقالي” بأبناء يافع والضالع في كل إتجاه حتى وصل بهم الحال الى تقديم انفسهم دروع بالعشرات في الجبهات الحدودية مع السعودية وليس خلافنا معهم حول ذلك انما من باب ما يتشدقون به من سيادة الجنوب، ودولة الجنوب التي مسحوا بسيادتها كل قصور الإمارات وبريطانيا مؤخراً.

هذه الحقيقة المرة، وهي أمر لم يعد يقبل الجدل، والتي وضعت “المجلس الإنتقالي” في مركز الكراهية الجماعية. وهي “السيادة” المصدر الرئيسي للكراهية، ويمكن ملاحظتها في تسليم سقطرى للإمارات وفي آلاف التدوينات اليومية على تويتر وفيس بوك، وهو إنصهار “الإنتقالي” في “الإمارات”، وتصدر النخبة الجنوبية للمشهد بوصفهم “أنصار الإسلام” الجدد. ما إن وصل “عيدروس” لندن حتى تكشفت للسطح رائحة الدم لشهداء الجنوب خلال 138 عام من نضالهم حتى طرد المستعمر البريطاني من عدن مدحوراً منكسراً. كنا جميعاَ ننشد دولة مستقلة للجنوب ولكننا تفاجئنا بمشروع إحتلال بدأت به الإمارات ليتوضح لنا مؤخرا أن كل ما تقوم به الإمارات كان بتوجيهات مباشره من جهاز المخابرات البريطاني والذي لازال يطرب نفسه بالعودة للجنوب العربي مره أخرى والتي كان يطلق عليها “محمية عدن”.

بدت القصة “الجنوبية” ذات دراما رمزية روائية، فقد نظر إليها الجميع كما لو كانت “قصة بين محبوبة شكسبير واشعاره الغزيرة والتي لا تنتهي” لا يمثل “عيدروس” سوى طموحات ناشزة لأقلية جنوبية، ومؤخراً يراد تغليفها دينياً بمن يسمونه “هاني بن بريك” ، وداخل مجتمع كبير ومتلاطم مترامي الأطراف بدا الجنوبيون غير مستوعبين جيداً لكلام “عيدروس” في لندن فالرجل أظهر ما كان مخفياً ويبدوا أنهم صوروه دون أن يعلم أنهم سينشرون التصوير، الجنوبيون يملكون حضارة تعود إلى سبعة آلاف سنة. مع اختفاء الدولة وتلاشي دستورها الجيوسياسي ملأ “الإنتقالي” الفراغ كله، وأصبحوا الدولة التي يراد للجنوبيين ان يعيشوا تحت كنفها. لا توجد مفردات سوى محاصصات قادمة قد تفضي لما من شأنة تقويض اتفاقات المملكة وحروبها التي تعبت عليها كثيراً ليأتي طحنون ويقضي عليها مع وزير خارجية “بريطانيا” والذي دخل عدن متنكراً بزي ضد الرصاص أشبه ما يكون بلباس هالوين وفزاعات المزارع الليلية.

عملياً صار “شلال” الفرد ممثلاً حيوياً وحقيقياً للنظام الجنوبي الجديد الذي يراد أن يكون، وبين هذا وذاك. تشتعل “جبهات الحوثي” بكل الوسائل المتاحة في حجور وغيرها، بالتزامن مع زيارة “هانت” فعسكرياً، نجحت المعركة العسكرية سابقاً “للإمارات” في الجنوب على نحو يثير الدهشة، ولم يبق للحوثيين من أثر في مدن الجنوب، بشكل لافت وخلال أيام معدودة دخلت الامارات بصحبة “شلال” و “عيدروس” نتمنى من الاخوة الجنوبيين اذا كانوا صادقين في إستعادة دولتهم أن يستعيدوها دون أن يوقضوا الأخطبوط الأكبر(بريطانيا) أكبر دولة محتلة عبر التاريخ الإنساني لتعود الى أرضهم من جديد وتلتهم كل شيء.

د.فاطمة احمد رضا

المقالة السابقةالموت بلا موعد! رأفت دمبع عدن
المقالة التاليةحوار الشاعر المسمري و جلال الصلاحي مع عسكري عماني جوار بوابة قصر العلم
شاب يمني مستقل ينتمي لليمن خاصة والوطن العربي عامة ويسعى لتقريب وجهات النظر بين المثقفين اليمنيين باختلاف أطيافهم وتوجهاتهم السياسية، هدفه من شبكة شاشوف نقل الاخبار والمعلومات الى العالم عبر عدة وسائط على الانترنت وجعل شاشوف منصة تستوعب ابرز الكتاب والصحفيين وصناع المحتوى في كل المدن اليمنية إن شاء الله لنشر أخبارا غير متحيزة ودقيقة وتغطية أهم الأحداث بمعلومات مبنية على الخبرة و التحليل المعمق. وتضع شاشوف اهتمامات وحاجات المتابعين وجودة المحتوى في بؤرة اهتماماتها. https://www.facebook.com/shashoff

اترك هنا تعليقك وشاركنا رأيك