أولُ مَنْ فُرِش له رداء النبي -من مشايخ وأقيال اليمن الذين هاجروا إلى رسول الله ﷺ هو شيخ مأرب الزعيم القيل أبيض بن حَمَّال بن مرثد بن ذي لحيان المأربي. قال الحسن بن أحمدالهمداني صاحب الإكليل لبعض أحفاد أبيض بن حمال : إن النبي محمداً خيرُ الوَرَى بَسَطَ الرداء لجدكم في المسجد ثَمَّ الْتَقَاهُ مُعَانِقاً ومُسلِماً ومُرحباً : في الرحب أبيض فأقْعُد (۱)
‏قال ابن حجر العسقلاني في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة :
‏أبيض بن حمال بن مرثد بن ذي لحيان .. المأربي السبئي : روى حديثه أبو داود والترمذي والنسائي في السنن الكبرى، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه .. وقال البخاري وابن السكن : له صحبة وأحاديث، ويُعد في أهل اليمن (۲) وقال ابن عبد البر القرطبي في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب :أبيض بن حَمَّال السبئي المأربي من مأرب اليمن (۳).

نسب أبيض بن حَمَّال

كان أبيض بن حَمَّال وأجداده من أقيال اليمن الرؤساء الأذواء منذ عصور سبأ وحمير، فقبل أبيض بن حمّال بستة عشر جيلاً كان من كبار أقيال اليمن ( ذو مأذن : عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة السبئي)، فأنجب ذلك القيل خمسة أبناء تفرعت منهم بيوت عديدة وتولوا القيالة والرئاسة في مناطق واسعة من اليمن وسميت تلك المناطق بأسمائهم وما تزال تحمل تلك الأسماء حتى اليوم، فمنهم القيل حُفَاش بن عوف ذي مأذن – باسمه سميت ناحية حفاش – والقيل ملحان بن عوف – باسمه سميت ملحان – والناحيتان حفاش وملحان بلواء المحويت.

ومنهم القيل حراز بن الغوث بن سعد بن عوف – باسمه سميت ناحية حراز – والقيل الأخروج بن الغوث – باسمه سميت ناحية الأخروج وهي الحيمة حالياً – والقيل رحبة بن الغوث – باسمه سميت ناحية الرحبة – والقيل سيان بن الغوث – باسمه سميت سيّان – والقيل سنحان بن الغوث بن سعد بن عوف، باسمه سميت ناحية سنحان (4) وتلك النواحي : سنحان والرحبة والحيمة وحراز من نواحي لواء صنعاء. ومنهم القيل سحول بن سوادة بن عمرو بن سعد بن عوف ـ باسمه سمي السحول بلواء إب . والقيل جَبًا بن السحول – باسمه سميت جَبًا بمخلاف المعافر في لواء تعز، وكانت جبا مقر رئاسة بني الكرندي سلاطين المعافر.

بينما أقام في مأرب من تلك البيوت البيت الذي فيه تعاقبت مشيخة وقيالة مأرب جيلاً بعد جيل حتى انتهت إلى أبيض بن حمّال في الجيل السادس عشر إذ أنه : أبيض بن حمال بن مرثد بن ذي لحيان – بضم اللام – بن عامر بن ذي العبير بن هعان بن شرحبيل بن معدان بن مالك بن أسام بن زيد بن كهلان بن عوف بن عمرو بن سعد بن القيل عوف ـ ذي مأذن بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة ، وكان أبيض بن حَمَّال هو شيخ مأرب عند ظهور دين الإسلام الحنيف . – السبئي (5) وكان أبيض بن حمال في موكب رسول الله قال ابن سمرة الجعدي في كتاب (طبقات فقهاء اليمن) باب (تسمية المهاجرين من اليمن إلى رسول الله ﷺ) : وهاجر الأبيض بن حمال، جد بني الكرندي من أمهم وقيل من ابوهم . . » (6) .

وجاء في هامش الطبقات أنه : ( في الأنباء ص ۸ : وهاجر إلى رسول الله ﷺ أبيض من حمال )فمصطلح ( هَاجَر ) يشير إلى أن مسير ووفادة أبيض بن حمال إلى رسول الله ﷺ بالمدينة المنورة كان سنة ٧ هجرية، وذلك قبل فتح مكة؛ لأنه لا يقال (هاجر) إلا للذي وقد وهاجر قبل فتح مكة، إذ أنه «قال رسول الله ﷺ: لا هجرة بعد الفتح وإنما هو الجهاد والنية حديث صحيح. أخرجه البخاري والبغوي وابن منده (7) ومما يعزز هجرة أبيض بن حمّال أن الهمداني ذكر أنه أول من فرش له النبي ﷺ رداءه حيث قال : .. مانالها إلا جرير بجيلة بعد ابن حمال الرئيس الأسيد وقد كانت وفادة وهجرة جرير بن عبد الله البجلي في أواخر سنة 7هـ، وفرش له النبي ﷺ رداءه فكون ذلك بعد ابن حمّال، يتيح إدراك أن أبيض بن حمال وفد وهاجر من مأرب إلى رسول الله ﷺ بالمدينة المنورة .فلما وصل إلى المدينة توجه أبيض بن حمّال إلى المسجد النبوي فالتقاه رسول الله ﷺ بالترحيب وفرش له رداءه ليقعد عليه تكريماً له وتشريفاً.

فكان أبيض بن حمال أول ستة فرش رسول الله الله لكل منهم رداءه، وقد جمع
‏الهمداني نبأ وفادة أبيض بن حمّال وصحبته والذين فرش لهم رسول الله ﷺ رداءه، في الأبيات التي قالها الهمداني لبعض أحفاده، وهي الأبيات التالية :
‏إن الـنـبـي مــحــمــداً خير الورى
‏ بسط الرداء لـجـدكـم فـي الـمـسـجـد
‏ثم التقاه معانقاً ومسلماً
‏ ومرحباً : في الرحب أبيض فأقعد
‏حتى إذا قعد ابن حمال إلى
‏ خير البرية نبعة من محتد
‏قال الـنـبـي لـصـحـبـه أصفوا كما
‏ أصفيت أبيض كُل رأس ســيــد
‏وأقاله في الــمــلــح بـعـد حـبــائــه
‏ لما استقال بـطـيـب نـفـس فـي النـد
‏فأعاضه منه بأفضل دعوة
‏ صعدت إلى ربي ولما تردد
‏ وحباه عند رحيله بإدارة
‏ و بخير زاد من أبر مزود
‏ وكساه ثوباً ليس يبلى فخره
‏ عن عقبه والعقب أحرى المُسند
‏ما نالها إلا جرير بجيلة
‏ بعد ابن حمال الرئيس السيد
‏والقيل أبرهة الشريف ووائل
‏ رأس الحضارم ذو الـفـعـال الأوحد (9)
‏أيضاً وعبد الجد نال مناله
‏ أكرم بعبد الـجـد مـن مـتـعـجـنـد (10)
‏والحارث بن كلال سيد حمير
‏ وإذا يُطاف لسابع لم يوجد (11)

ومن أنباء أبيض بن حمّال لما وفد إلى رسول الله الله بالمدينة المنورة، ذكر
‏ابن حجر العسقلاني : « أن أبيض بن حمال كان بوجهه حزازة وهي القوباء فالتقمت ‏أنفه، فمسح النبي الله على وجهه فلم يمس ذلك اليوم وفيه أثر » . ومكث أبيض بن حمال فترة بالمدينة المنورة وصحب رسول الله ﷺ، وفي ذلك قال العسقلاني : «قال البخاري وابن السكن : له صحبة وأحاديث » . وعاد أبيض بن حمال إلى منطقة مأرب في اليمن، ربما بعد فتح مكة، في رمضان هـ ، ثم وفد مرة ثانية إلى رسول الله الله في السنة التاسعة للهجرة، فقد جاء في كتاب ( الأنباء ) باب ( وفود اليمن سنة تسع » أنه : « وفد أبيض بن حمال المأربي السبئي اليماني واستقطع النبي الله الملح الذي في مأرب ، فأقطعه إياه ثم استعاده منه » (12) .

نبأ إقطاع أبيض بن حمّال الملح الذي في مأرب واستعادته أقطع رسول الله ﷺ أبيض بن حمال الملح الذي في مأرب وهو ملح منطقة صافر بمأرب، ويبدو أن أبيض بن حمّال وعشيرته كانوا يبيعون من ذلك الملح، فسأل أبيض بن حمّال رسول الله الله أن يقطعه ذلك الملح فأقطعه إياه، تقديراً لدوره في إنه أول من أسلم بمنطقة مأرب وساهم في نشر الإسلام فيها، ثم استقاله فتنازل أبيض بن حمال عن ذلك الملح لأنه مال عد وبمثابة الملكية العامة، وفي ذلك قال العسقلاني : روى أبو داود والترمذي والنسائي في السنن الكبرى وابن ماجه وابن حبان في صحيحه حديث أبيض بن حمّال إنه استقطع النبي ﷺ لما وفد عليه الملح الذي في مأرب فأقطعه إياه ثم استعاده منه )(12)
‏وقال القرطبي في ترجمة أبيض بن حمّال بكتاب الاستيعاب : روى عن رسول الله ﷺ ما يحمى من الأراك . وروي عنه أنه أقطعه الملح الذي بمأرب إذ سأله ذلك، فلما أعطاه إياه قال له رجل عنده : يا رسول الله إنما أقطعته الماء العد. فقال النبي ﷺ : فلا إذن (13) .

وذكر ابن سمرة في طبقات فقهاء اليمن النبأ الكامل عن ذلك فقال : أقطع رسول الله ﷺ أبيض بن حمال ملح مأرب. فقال الأقرع بن حابس : يا رسول الله إني وردته في الجاهلية، وإنه مثل الماء العذب، من ورده أخذه (14).
‏فاستقال النبي ﷺ من الأبيض بن حمال ، فقال : قد أقلتك يا رسول الله، على أن تجعله مني صدقة ، فقال : هو منك صدقة، وهو مثل الماء العذب (14)
‏ثم سأل الأبيض النبي ﷺ عن حمى الأراك. فقال النبي ﷺ: لا حمى في الأراك .

۳) قال ابن سمرة – وهو مذهب القاضي أبي القاسم الصيمري (15)من أصحابنا : أن الكلأ لا يُملك ) (16) وذكر الهمداني في الإكليل نبأ الملح فقال : أقطع رسول الله ﷺ أبيض بن حمّال جبل الملح من سهل مأرب، ثم قيل له : يا رسول الله أقطعته الماء العد، ولا ملح لأهل اليمن غيره، فاستقاله فيه، فأقاله، وأعاضه منه » .

فكان ذلك الجبل الملحي – في صافر – بمأرب، مثل الماء والكلأ لا يمتلكه أحد وإنما هو ملكية عامة لجميع الناس وقال الهمداني في أبياته عن أبيض بن حَمَّال : ‏وأقاله في الــمــلــح بـعـد حـبـائـه لما استقال بـطـيـب نـفـس فـي النـد
‏فأعاضه منه بأفضل دعوة صعدت إلى ربي ولما تردد

مراجعة أبيض بن حَمَّال في الصدقة على أهل مأرب
‏واستعمل رسول الله ﷺ أبيض بن حمال على قبض الصدقة – وهي الزكاة من أهالي منطقة مأرب، فراجع أبيض بن حمّال رسول الله ﷺ طالباً إعفاء أهل مأرب من الصدقة. وفي ذلك جاء في هامش الإكليل عن طبقات الصحابة لابن سعد، أنه :أخرج أبو داود صاحب السنن : أن الأبيض بن حمال كلم رسول الله ﷺ في الصدقة حين وفد إليه، فقال رسول الله ﷺ : يا أخا سبأ لا بد من الصدقة . فقال أبيض بن حمّال : إنما زرعنا القطن يا رسول الله، وقد تبددت سبأ، ولم يبق منهم إلا القليل بمأرب .فصالحه رسول الله ، على سبعين حلة من قيمة وفايز المعافر » . .

قال العسقلاني : وروى الطبراني : إن أبيض بن حمّال وفد على أبي بكر الصديق . فأقره أبو بكر على ما صالح عليه النبي الله من الصدقة ، ثم صار ذلك إلى الصدقة». أي بموجب أحكام الصدقة والزكاة كسائر بقية مناطق وأهل اليمن .

نبأ إدارة الماء التي وهبها النبي ﷺ الأبيض بن حَمَّال ‏قال الهمداني في الإكليل : ‏والسبئيون يروون أن النبي الله زوده ودفع إليه إدارة فيها ماء. وكان
‏أبيض بن حَمَّال يزيد عليها من كل منهل مقدار ما يشرب، ضنَّة ببركة سُقيا
‏رسول الله ، وليصل إلى مأرب ومعه منها شيء. فلما صار بالمنبج من أرض الجوف مالت الإدارة وانفسخ ما فيها ـ أي إنسفك ماؤها – فَنَبَج ، ثُمَّ غَيّل المنبج، وسُمي المنبج؛ لأن كل عين تنبع من موضع تُسمى نبجه ، والموضع منبج( 17 ) .

وفي ذلك قال الهمداني في أبياته عن أبيض بن حمال : وحبـاه عـنـد رحــيــلــه بــإدارة وبخـــيـــر زاد من أبر مُزَوِد ‏وكساه ثوباً ليس يبلى فخره عن عقبه، والعقب أحرى المسند وكان أبيض بن حمّال من الصحابة الذين مكثوا بقية حياتهم في اليمن، ولذلك (قال البخاري وابن السكن : له صحبة وأحاديث، ويُعد من أهل اليمن).والمقصود إنه لم يغادر اليمن في الفتوحات، وقد وفد إلى أبي بكر في خلافته . سنة ١١ – ١٢هـ – فأقره أبو بكر على ما صالح عليه النبي ﷺ من الصدقة عن أهل مأرب، فمكث أبيض بن حمّال في مأرب إلى أن انتقل إلى جوار ربه راضياً مرضياً، وكانت وفاته في خلافة عمر ، رضي الله عنهما، ولكن اسم وذكرى أبيض بن حَمَّال بَقَى خالداً عبر الأزمنة والعصور في مأرب وفي تراجم الصحابة، وكتب التاريخ بأنه أول من فُرِشَ له رداء رسول الله ، فرضي الله عنه وأرضاه .

المصادر
‏(1) الإكليل – للحسن بن أحمد الهمداني – ص ٢٤٠ – ٢٤٢ جـ ٢.
‏(۲) الإصابة في تمييز الصحابة – للعسقلاني – ص ۱۷ جـا.
‏(۳) الاستيعاب في معرفة الأصحاب – للقرطبي – ص ١/١١٤.
‏(4) تفرعت من القيل سنحان بن الغوث عشائر بني سنحان، قال الأكوع في هامش الإكليل : ( وسنحان هذه دخلت في ذي جُرة وذهبت بالاسم وتغلبت على ذي جرة وهي سنحان التي في جنوب صنعاء) – ص ٢٤٦ جـ ٢ – وأقول : ومن أعلام بني القيل سنحان في عصرنا العميد المناضل عبد الله شلامش والأستاذ علي أحمد الضبوي وزعيم اليمن رئيس الجمهورية اليمنية الرئيس المشير على عبد الله صالح الذي أعاد بناء سد مأرب، وأعاد تحقيق وحدة اليمن، فقامت بزعامته – في ۲۲ مايو ۱۹۹۰م – الجمهورية اليمنية . وقد استوفينا تاريخه
‏المجيد في كتاب معالم عهود رؤساء الجمهورية في اليمن . (وجاء الذي سبق في كتاب يمانيون في موكب الرسول محمد حسين الفرح )
‏(5) الإكليل – للحسن بن أحمد الهمداني – ص ٢٤٠ – ٢٤٢ جـ ٢.
‏(6) طبقات فقهاء اليمن – لابن سمرة الجعدي – ص ١٢
‏(7) الإصابة في تمييز الصحابة ص ١٨٥ جـ٣.
‏(8) تقدم تفصيل ذلك في المبحث الخاص بالزعيم الصحابي الكبير جرير بن عبد الله البجلي خير ذي يمن .
‏(9) القيل أبرهة : هو أبرهة بن الصباح بن شرحبيل الحميري صاحب قصر موكل في رداع . ووائل رأس الحضارم : وائل بن حجر الحضرمي جد ابن خلدون.
‏(10) عبد الجد الحكمي : رئيس قبيلة حكم المذحجية .
‏(11) الحارث بن كلال : هو الملك الحارث بن عبد كلال ذو رعين .
‏(12) الأنباء – ص ۲۳ – والإصابة – ص ۱۷ جـا – والاستيعاب – ص ١/١١٤.
‏(13) الأنباء – ص ۲۳ – والإصابة – ص ۱۷ جـا – والاستيعاب – ص ١/١١٤.
‏(14) الماء العذب : الماء العد، وكذا في كتاب الأموال، وفسره بأنه : الماء الدائم الذي لا ينقطع .
‏(15) هو القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين الصيمري، من علماء الشافعية، قال عنه
‏الإمام الذهبي : كان موجوداً سنة ٤٠٥ هجرية .
‏ (16) طبقات فقهاء اليمن – لابن سمرة الجعدي – ص ١٢.
‏(17) الإكليل – للحسن الهمداني – ص ٢٤٢ جـ ٢.
‏• يمانيون في موكب الرسول محمد حسين الفرح المجلد الثاني

‏ابو صالح العوذلي 2024

اترك هنا تعليقك وشاركنا رأيك