إعلان


تقع أرض الصومال، أو صوماليلاند، في شمال الصومال، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية تطل على خليج عدن. رغم سعيها للاستقلال لم تحظَ بالاعتراف الدولي. تطور الإقليم سياسياً بعد انهيار السلطة التنفيذية الصومالية نتيجة الحرب الأهلية، وصرح استقلاله في 1991. تتمتع أرض الصومال بالاستقرار والاستقرار بفضل تماسك قبائلها، مما ساعدها في تحقيق تنمية. وتعتبر موقعها الاستراتيجي محط اهتمام القوى الدولية. تشير دراسات أمريكية إلى أهمية الاعتراف بأرض الصومال لضمان المصالح الأمريكية في الخليج. ومع ذلك، يثير هذا الاعتراف قضايا سياسية معقدة، خاصةً في ظل التوترات الإقليمية.

أرض الصومال (إقليم صوماليلاند) تقع في شمال جمهورية الصومال، وتتمتع بموقع استراتيجي يطل على خليج عدن وباب المندب. مع تزايد الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة – التي أصبحت منطقة صراع دولي حول قضايا الاستقرار والطاقة والتجارة العالمية، خاصة مع تصاعد خطر الحوثيين في خليج عدن – ارتفع الاهتمام بالإقليم الطامح للاستقلال عن الصومال، على الرغم من عدم اعتراف أي دولة به حتى الآن.

إعلان

يهتم هذا المقال بتطور الأحداث السياسية في أرض الصومال ويُوضح أسباب انفصال الإقليم عن الدولة الأم الصومال، بالإضافة إلى أهميته الاستراتيجية. كما يفسر الأسباب التي تجعل إدارة القائد الأمريكي دونالد ترامب تسعى للاعتراف به.

نهاية حلم الصومال الكبير

القوى الاستعمارية الغربية قسمت الصومال إلى عدة أجزاء خلال مؤتمر برلين، حيث كانت إيطاليا تسيطر على الصومال الجنوبي وعاصمته مقديشو، بينما كانت بريطانيا تحتل الصومال الشمالي وعاصمته هرجيسا، في حين استعمرت فرنسا منطقة جيبوتي.

لاحقًا، استولت إثيوبيا على منطقة الأوغادين بينما تمادت كينيا شمالًا في الأقاليم الصومالية. بهذا الشكل، تم تقسيم الشعب الصومالي إلى خمسة كيانات مختلفة تخدم مصلحة القوى الاستعمارية.

هذا التقسيم أدى إلى ولادة حلم قومي بتوحيد الشعوب الصومالية في دولة واحدة تمتد عبر الشريط الساحلي للبحر الأحمر حتى خليج عدن. وقد تبلورت فكرة الصومال الكبير خلال مقاومة الوطنيين الصوماليين للاستعمار، وأصبحت محورية في حركات التحرر للنضال الصومالي. كما اتفقت القوى الوطنية على الحاجة لإنهاء الاستعمار وإعادة الاندماج لتكوين الصومال الكبير.

في عام 1960، حصل الصومال الشمالي على استقلاله كدولة مستقلة عاصمتها هرجيسا، وتم الاعتراف باستقلاله من عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. أما الصومال الجنوبي فقد نال استقلاله في نفس السنة من إيطاليا كجمهورية الصومال وعاصمتها مقديشو. وأنه بحسب فكرة الصومال الكبير، اتفق زعماء الصومال الجنوبي والشمالي على الوحدة لتشكيل دولة واحدة تُسمى جمهورية الصومال وعاصمتها مقديشو. كما كان من المتوقع انضمام جيبوتي إليها بعد استقلالها من الاستعمار الفرنسي. وتأكيدًا لهذا المفهوم، وُضعت خمس نجمات في علم الدولة الرسمي للدلالة على الأقاليم الصومالية الخمسة المتأثرة بالاستعمار.

إلا أن حلم الوحدة وتأسيس الصومال الكبير تراجع بعد استقلال جيبوتي ورفضها الانضمام إلى الصومال، وفشلت السلطة التنفيذية الصومالية في ضم المناطق الصومالية في إثيوبيا وشمال كينيا. وعزت سياسات القائد سياد بري في الداخل إلى الاضطراب الذي أدخل البلاد في حالة فوضى تامة، انتهت بحرب أهلية أطاحت بحكومة سياد بري واستمرت لأكثر من عشرين عامًا، مما أدى إلى انهيار الدولة.

وبالرغم من اتساع نطاق الحرب، تمكن زعماء صوماليلاند من السيطرة على الاستقرار في الإقليم الشمالي بسرعة، وأنشأوا حكومة محلية برئاسة محمد إبراهيم عقال، مما أدى إلى تحقيق قدر من التنمية. وفي ظل الحرب الأهلية ونزول فكرة الصومال الكبير، قرر زعماء صوماليلاند العودة إلى ما قبل الوحدة، وصرحوا استقلالهم عن جمهورية الصومال في عام 1991، مُعلنين عن تأسيس جمهورية صوماليلاند – دولة مستقلة. وعلى الرغم من فوضى المنطقة، حافظت هذه الدولة الناشئة على الاستقرار والاستقرار لكنها لم تحصل على اعتراف دولي حتى الآن.

ميزة الجغرافيا والديمغرافيا

بهذا، لعبت الجغرافيا والديمغرافيا دورًا كبيرًا في دفع فكرة استقلال إقليم أرض الصومال. وبفضل هذه العوامل، يبدو أن الاعتراف الدولي بهذه الجمهورية أصبح قريبًا. استطاع الإقليم مقاومة آثار الحرب الأهلية الصومالية بسبب التركيبة السكانية، حيث ينتمي معظم السكان إلى قبيلة إسحاق، والتي ساعدت على تماسك الدولة. على العكس من ذلك، تعاني جمهورية الصومال من الحرب المستمرة نتيجة التناحر القبلي.

هذا التماسك الديموغرافي ساهم في تحقيق الاستقرار والسلام داخل أراضيهم، وأيضًا في تطوير نظام ديمقراطي يضمن انتقال السلطة بسلاسة.

علاوة على ذلك، يعتبر الموقع الجغرافي عنصرًا حاسمًا في جذب الأنظار الدولية والإقليمية إلى هذا الإقليم غير المعترف به. إذ يقع إقليم أرض الصومال في موقع استراتيجي على خليج عدن وباب المندب، وهو مدخل البحر الأحمر، ويعد ممرًا دوليًا حيويًا حيث تمر عبره 12% من التجارة العالمية و40% من التبادل التجاري بين أوروبا وآسيا.

أصبحت هذه المنطقة ساحة صراع دولي كبير، يتجلى في تواجد العديد من الأساطيل العسكرية الغربية والشرقية التي تمر عبر هذا الممر لمكافحة القرصنة، كما أنها تعكف على مواجهة التهديدات الاستقرارية التي تؤثر على التجارة العالمية العابرة عبر البحر الأحمر وقناة السويس. ويظهر ذلك بما يفعله الحوثيون من تهديد مباشر للأساطيل الكبرى رغم تباين موازين القوى.

رغم عدم اعتراف المواطنون الدولي بالإقليم، إلا أن العديد من الدول قد بدأت التعامل معه من منطلق الواقع، خاصة في مجالات التجارة والتنمية الاقتصادية، لاسيما في قطاع الصيد البحري. وقد كانت إثيوبيا من أوائل الدول التي قامت بتقنين التعاملات مع أرض الصومال، حيث أنشأت مكتبًا تجاريًا في العاصمة هرجيسا ليكون بمثابة سفارة. كما تمثل موانئ أرض الصومال معبرًا لبعض السفن التجارية التي تجلب البضائع والمنتجات دون أي اعتراض.

في يناير/ كانون الثاني من السنة الماضي، تجدد المواجهة حول إقليم أرض الصومال بشكل كبير بعد إعلان إثيوبيا عن اتفاقية مع حكومة أرض الصومال لاستئجار أراضي في ميناء بربرة، لتستخدمها كميناء مستقل تحت إشراف البحرية الإثيوبية لمدة نصف قرن. ويأتي ذلك ضمن خطة إثيوبيا للحصول على ميناء يتبع لها مباشرة على شاطئ البحر الأحمر.

أدى هذا القرار إلى ردود فعل قوية من العديد من الدول، وخاصة من الصومال ومصر، وأدى إلى حركة دبلوماسية واسعة أدت إلى تحالفات جديدة، مما زاد من حدة المواجهة الإقليمي والدولي حول البحر الأحمر وخليج عدن.

ولكن أحد أهم تداعيات القرار الإثيوبي هو ظهور تيار في عدة دول يدعا بالاعتراف بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة، على الرغم من العقبات القانونية لهذا الاعتراف. ويرى أن الولايات المتحدة تدعم هذا الاتجاه بشكل ملحوظ.

لماذا الاعتراف الأحادي الأميركي؟

المواجهة الدولي المتزايد حول البحر الأحمر وخليج عدن دفع المراكز البحثية الأمريكية إلى استكشاف سبل تعزيز الوجود والنفوذ الأمريكي في هذا الممر المائي الحيوي. وقد تم طرح العديد من الآراء التي تأنذر من أن تمركز أي قوة دولية معادية لأمريكا على شواطئ الإقليم الاستراتيجي قد يهدد المصالح الأمريكية في باب المندب والخليج العربي.

تعتبر الدراسة التي أعدتها جنداي فريزر، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية السابقة للشؤون الأفريقية، من بين الأهم التي تتناول العلاقة بين الولايات المتحدة وصوماليلاند. تدعو هذه الدراسة الولايات المتحدة إلى الاعتراف أحاديًا باستقلال الإقليم كدولة مستقلة عن الصومال.

استندت الدراسة إلى مواقف دبلوماسية سابقة للولايات المتحدة، مشيرة إلى الاعتراف أحاديًا بكوسوفو في عام 2008 رغم عدم وجود إجماع دولي. كما نوّهت الدراسة أن الأسباب التي قُدمت للاعتراف بكوسوفو تستند تمامًا إلى وضع إقليم أرض الصومال، وتتضمن: المصلحة الأمريكية، وجود حكومة تسيطر على النطاق الجغرافي، وانخفاض احتمالية العودة إلى الوضع السابق، وإمكانية وجود نظام ديمقراطي في الدولة الجديدة.

لفتت الدراسة إلى وجود حكومة مستقرة تتولى الحفاظ على الاستقرار والنطاق الجغرافي، وتطبق نظامًا ديمقراطيًا متميزًا مقارنة مع الدول المجاورة. بعد أكثر من ثلاثين عامًا على انفصال الإقليم، لا توجد أي احتمالية للعودة إلى الوضع القديم.

ركزت الدراسة أيضًا على المصالح الكبيرة التي تستطيع الولايات المتحدة تحقيقها من خلال اعترافها الأحادي بأرض الصومال، خاصة فيما يتعلق بتعزيز نفوذها في خليج عدن وباب المندب، والحفاظ على أمن البحر الأحمر، ومواجهة تهديد الحوثيين، بالإضافة إلى التعامل مع التهديدات الجيوستراتيجية في المنطقة ذات الأهمية الماليةية والسياسية الكبيرة للولايات المتحدة.

قدمت الدراسة حلولًا للردود الإقليمية والدولية المحتملة، مشيرة إلى ضرورة تقديم حوافز مادية للصومال للتقليل من معارضتها، والتشجيع على قبول الاتحاد الأفريقي للدولة الجديدة، كما تم في حالة الجمهورية الصحراوية.

تحديات إستراتيجية

الدراسة التي أعدتها جنداي فريزر تمثل رؤى تيار واسع من أقطاب التيار الأفريقاني في إدارة القائد ترامب، بما في ذلك بيتر فام وبروس قيلي، وعضو الكونغرس الجمهوري سكوت بيري، الذي اقترح مشروع قانون يدعو السلطة التنفيذية الأمريكية للاعتراف الأحادي بهذا الإقليم. وبالتالي، يبدو أن موضوع الاعتراف الأحادي هو مسألة وقت فقط إلى أن تحصل الإدارة الأمريكية المقبلة على مدعاها من حكومة الإقليم.

من العوامل التي قد تدفع أمريكا للتعجيل بالاعتراف الأحادي هو قرار السلطة التنفيذية البريطانية بتسليم أرخبيل جزر شاغوس إلى موريشيوس، مما قد يؤثر على فعالية قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي. كما أن تعزيز الوجود الأمريكي في هذا الممر المائي الهام يضمن لأمريكا تأمين طرق تجارية بديلة مواجهة لمبادرة الحزام والطريق الصينية. في الحالتين، سيشكل الإقليم أهمية استراتيجية تجارية وعسكرية لأمريكا وحلفائها، تبرر الاعتراف الأحادي.

مع ذلك، فإن تنفيذ الاعتراف الأحادي قد يؤدي إلى تفاقم النزاع الدولي حول البحر الأحمر، مما يجعل هذه المنطقة نقطة جذب للصراع بين القوى المتنافسة. كما قد يؤدي ذلك إلى تصعيد المقاومة الوطنية في الصومال ضد التدخل الخارجي غير المرغوب.

إذا أخذنا في الاعتبار اتجاهات الإدارة الأمريكية الجديدة، التي ترغب في ضم كندا وغرينلاند وقناة بنما، وتهجير سكان غزة، فإن ذلك يعتبر نهاية للعالم القديم القائم على مبدأ السيادة وقدسية النطاق الجغرافي، وبروز عالم جديد يتسم بفوضى القانون. في مثل هذا العالم، لن يبقى مكان للضعفاء، مما يجعل المجال الدولي مكانًا غير آمن.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا