افتُتح في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، نصب تذكاري لتوماس سانكارا، القائد الثوري الذي اغتيل في 1987. يجسد النصب، الذي يعكس احتفالية وذكاء جماعي، النضال ضد الاستعمار. حضر الافتتاح رئيس الوزراء جان إيمانويل ويدراوغو، الذي نوّه على إرث سانكارا في الحرية والعدالة الاجتماعية. هذا المشروع يتماشى مع توجهات الحاكم العسكري إبراهيم تراوري، الذي استولى على الحكم في 2022 وحاول دعم استقلال البلاد. سانكارا، الذي قاد إصلاحات اجتماعية واقتصادية، لا يزال رمزًا للحرية والتضحية في نفوس المواطنين، بينما تواصل السلطة التنفيذية التحقيقات في ملابسات اغتياله.
22/5/2025
في خطوة تبدو كتكريم لبطل لكنها تحمل في طياتها صراعا مع الاستعمار وتاريخه، شهدت العاصمة بوركينا فاسو، واغادوغو، يوم الأحد الماضي، افتتاح نصب تذكاري (تمثال) لتوماس سانكارا، القائد الثوري الذي حكم البلاد من 1983 إلى 1989، ولا تزال ظروف اغتياله غامضة، حيث أنهت تجربته التحريرية الملهمة في أفريقيا.
تم تصميم النصب بشكل عين مع درجات متناقصة تمثل توماس سانكارا (1949-1987) ومساعديه الاثني عشر الذين اغتيلوا معه، وقد تم افتتاحه بحضور ممثلين عن عدة دول أفريقية.
وخلال حفل الافتتاح، صرح جان إيمانويل ويدراوغو، رئيس وزراء بوركينا فاسو، أن هذا النصب هو “أكثر من مجرد مبنى؛ بل هو موقع يمثل الوعي الجماعي لأسرة بوركينا فاسو وللمناضلين من أجل الحرية، ولكل من يقدر السلام والعدالة الاجتماعية، وللتضحيات التي قدمها القائد توماس سانكارا ومساعدوه”.
اللوحة التذكارية للنصب تحمل كلمة لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، النقيب إبراهيم تراوري، تقول: “الثورة التي تركها لنا توماس سانكارا هي الروح والفعل.. نحن عازمون على الإبقاء على الشعلة متقدة لتضيء مسيرتنا نحو السعادة.. لن ننحني، الوطن أو الموت، سننتصر”.
يُعتبر هذا النصب جزءًا من منتزه كبير يضم مطعماً ومكتبة إعلامية وورش عمل أخرى، في إطار مشروع يكرّم إرث توماس سانكارا من خلال التثقيف والتوعية، وتوفير بيئة ملائمة لاستذكار مبادئ الزعيم الراحل في الحرية والعدالة الاجتماعية.

يأتي هذا النصب تتويجاً لعمل “اللجنة الدولية لإحياء ذكرى توماس سانكارا”، التي تشكّلت في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2016، بهدف كشف الحقائق حول اغتياله ورفاقه، والحفاظ على إرثه السياسي والفكري، وإحياء ذكراه في نفوس مواطنيه الذين يعتبرونه “أب الثورة” في بوركينا فاسو.
ملهم القائد الجديد
تعكس هذه المبادرة توجهات الحاكم العسكري الحالي لبوركينا فاسو، إبراهيم تراوري (37 عامًا)، الذي استولى على السلطة عبر انقلاب عسكري في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2022، ويحاول تقديم نفسه كمنقذ للبلاد من الاستعمار الجديد.
من أهم القرارات التي اتخذها القائد تراوري إعلان فك الارتباط مع فرنسا، الدولة الاستعمارية السابقة، والدخول في تحالف مع روسيا، بالإضافة إلى اعتماد سياسات اقتصادية جديدة مثل تأميم مناجم الذهب.
يبدو أن القائد تراوري يحمل إعجابًا بأفكار سانكارا وتجاربه المتعلقة بالاستقلالية والحرية، وكذلك السياسات السنةة المتعلقة بالسيادة الوطنية والمالية.
كما يظهر هذا الإعجاب في قرار تراوري بنقل رفات سانكارا إلى النصب التذكاري الذي تم تدشينه رسميًا، بدلاً من المدفن السابق البسيط.

وقد أشاد القائد تراوري السنة الماضي بالقائد سانكارا في الذكرى السابعة والثلاثين لاغتياله، واصفًا إياه بأنه “رجل رؤية عظيم ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ أمتنا من خلال نزاهته ووطنيته”.
الزعيم الحاضر في الوجدان
لا يزال اسم توماس سانكارا حاضرًا بقوة في ضمير أبناء بلده الذي كان يُعرف بــ “فولتا العليا” قبل أن يغيره سانكارا إلى “بوركينا فاسو”، بمعنى “أرض الأنقياء” بلغة البلاد، بالإضافة إلى تغيير العلم والنشيد الوطني.
خلال فترة حكمه، قاد سانكارا حربًا ضد الطبقات التقليدية الراقية، ونفذ حملة ضد الفساد ونهب الثروات السنةة، وسعى لخفض الإنفاق السنة في المجالات غير الضرورية.
كما أطلق برامج صحية واجتماعية وتعليمية واسعة، وبدأ مشروعًا لمكافحة التصحر الذي سمح بزراعة 10 ملايين شجرة، ووزع الأراضي على السكان المحتاجين.
على الصعيد الدولي، اكتسبت بوركينا فاسو تحت قيادة سانكارا زخمًا وحضورًا واسعًا في الساحات السنةة، بفضل دعمه لقضايا الشعوب المظلومة والوحدة الأفريقية وتصفية الاستعمار.
طوال حياته، ظل مدافعًا عن العالم الثالث، منتقدًا ما أسماه “الاستقلال الشكلي” الذي فرضته دول “العالم الآخر” لضمان الاستلاب الفكري والثقافي والماليةي والسياسي في مستعمراتها.
انتقد سانكارا بشدة فرنسا وطبيعة علاقتها بمستعمراتها السابقة التي تعتمد على نهج الاستغلال المستمر.
مع تدهور العلاقات مع فرنسا والنظم الموالية لها، حرص سانكارا على تدعيم العلاقات مع دول المعسكر الاشتراكي مثل كوبا وأنغولا ونيكاراغوا.
البحث عن قاتل سانكارا
في عام 1987، بدأت تظهر علامات انقلاب تحت قيادة رفيق دربه بليز كومباوري، حيث اندلعت احتجاجات واضطرابات واسعة استمرت عدة أشهر، وبلغت ذروتها في 15 أكتوبر من السنة نفسه، حيث تم اغتيال سانكارا و12 من مساعديه بالرصاص في واغادوغو أثناء اجتماع رسمي، مع تكتم السلطات عن ظروف مقتله.
وتشير أصابع الاتهام في تلك الجريمة إلى بليز كومباوري، وبخلفه فرنسا عبر شبكات نفوذها.
كان أول قرار اتخذته كومباوري هو حرق جثة سانكارا، وتجريم كل من ينطق باسمه أو يحمل صورته في جميع أنحاء بوركينا فاسو.
بعد اغتيال سانكارا، حكم كومباوري البلاد بقبضة حديدية لمدة 27 عامًا، حتى تنحى يوم 31 أكتوبر 2014، وهرب بعد مظاهرات غاضبة احتجاجًا على محاولاته لتعديل الدستور للترشح لولاية ثالثة.
وقد تعهدت أول حكومة تشكّلت بعد سقوط نظام كومباوري بإعادة فتح ملف سانكارا وبحث قبره لإجراء فحوص الحمض النووي، بسبب الشكوك التي تحوم حول هويته.
في أولى خطوات البحث عن حقيقة اغتيال سانكارا، سعت السلطة التنفيذية الانتقالية لاستقدام القائد المخلوع كومباوري الذي فرّ إلى كوت ديفوار، على الرغم من تدهور حالته الصحية.
بعد سلسلة من المساعي لمحاكمة المتورطين، أدان القضاء في أبريل 2021 كلا من كومباوري وضباطه المقربين بالسجن المؤبد بتهمة التقصير في اغتيال سانكارا.
تواصل اللجنة الدولية لإحياء ذكرى توماس سانكارا جهودها لكشف الحقيقة، وتدعا برفع السرية الدفاعية الخاصة بملف سانكارا ورفاقه من قبل فرنسا.
نفت باريس رسميًا تورطها في اغتيال سانكارا، ووعد القائد الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في عام 2017 برفع السرية عن التفاصيل المتعلقة بالحادثة، إلا أن الوثائق الأرشيفية التي أرسلتها باريس للقضاء في بوركينا فاسو لم تتضمن معلومات جديدة.