بعد 5 سنوات من “بريكست”، يسعى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى إعادة تشكيل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، مشددًا على أهمية الاتفاقات التجارية الجديدة لتحسين المالية. اللقاء في لندن يهدف لحل قضايا معقدة مثل الصيد والمعايير الغذائية، مع تحذيرات من المعارضة بأن التنازلات قد تهدد استقلالية القرار البريطاني. رغم صعوبات المفاوضات، أُبرمت اتفاقيات مع الهند والولايات المتحدة، بينما يحاول ستارمر تعزيز فرص عمل جديدة للبريطانيين. تظهر استطلاعات الرأي رغبة كبيرة بين المواطنين لتحسين العلاقات التجارية مع أوروبا، مع تزايد الضغوط السياسية والاجتماعية حول الهجرة.
لندن- يبدو أن البريطانيون وجيرانهم في أوروبا قد أدركوا الأثر الكبير الذي خلفه قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويبدو أنهم يستعدون لوضع نهاية لمرحلة “بريكست” عبر التوصل إلى اتفاق جديد يعيد الأمور إلى نصابها بعد سنوات من الانفصال الصعب.
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر سيجتمع مع القادة الأوروبيين في لندن لأول مرة منذ توقيع اتفاق الطلاق مع الاتحاد الأوروبي قبل خمس سنوات، بهدف معالجة القضايا العالقة وإعادة توحيد الصفوف مع الشركاء الأوروبيين.
أوضح ستارمر أنه قريب من إبرام صفقة مع الاتحاد الأوروبي من شأنها تعزيز المالية البريطاني، مؤكدًا أن حكومته تعهدت بإعادة بناء العلاقات مع الكتلة الأوروبية للخروج من أزمة “البريكست”.

عقيدة البريكست
غير أن البريطانيين والأوروبيين يجدون أنفسهم في مجادلات حساسة سياسية عند الاجتماع، حيث يشاركون في مباحثات معقدة حول تفاصيل الصفقة، التي تعتمد على اتفاق التعاون الدفاعي، بينما يتطلعون للحصول على تنازلات مشتركة بشأن الصيد والرقابة على المنتجات الغذائية والزراعية، بالإضافة إلى تنقل الفئة الناشئة بين البلدين.
رغم تأكيد ستارمر على أهمية النهج البراغماتي في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، يأنذر خصومه من “خيانة عقيدة البريكست” وتعرض استقلال القرار البريطاني للخطر.
زعيمة حزب المحافظين (المعارض) كيمي بادونيك هددت بالانسحاب من أي اتفاق يتجاوز النطاق الجغرافي المرسومة للبريكست إذا عادت حزبها للحكم، متهمة ستارمر بتقديم تنازلات أكثر من المطلوب.
يذكر أن البريطانيين صوتوا في يونيو 2016 لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 51%، وقد خاض المفاوضون في بروكسل ولندن مفاوضات صعبة على مدى 3 سنوات قبل التوصل إلى اتفاق الانفصال في 2020.
محرك الشراكة
حشد ستارمر الجهود لـ”تحالف الراغبين” بعد وصول القائد الأميركي دونالد ترامب وتلميحاته بالتخلي عن الحلف الدفاعي مع الأوروبيين، مما حفز الأوروبيين لتوسيع شراكة الدفاع مع بريطانيا لإعادة بناء النظام الحاكم الدفاعي الأوروبي.
سيتيح الاتفاق الدفاعي الجديد الفرص للشركات البريطانية للمشاركة في مشاريع التصنيع الحربي وللحصول على قروض أوروبية لصالح الصناعات الدفاعية البريطانية، في ظل التوجه الأوروبي لإعادة التسليح وتعزيز القدرات الدفاعية المستقلة.
يشرح ديفيت هينيغ، مدير برنامج السياسات التجارية البريطانية، أن دعم بريطانيا لتحالف عسكري مع الأوروبيين يعد إشارة إيجابية لتعزيز التفاهم التجاري، حيث ستبدأ هذه العملية خلال القمة الأوروبية البريطانية في لندن، لكن النتائج قد تأخذ بعض الوقت لتبرز بوضوح.
يعتقد الباحث البريطاني أن تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي يمثل أكبر مكسب اقتصادي للحكومة الحالية على الرغم من أن المكاسب الفورية قد تكون ضعيفة وطول مدة التفاوض.

مفاوضات تجارية شاقة
لكن التفاهم حول الدفاع قد يكون أصعب في مجالات أخرى، إذ إن السلطة التنفيذية البريطانية ترفض أي اتفاقيات تجارية تتجاوز النطاق الجغرافي المرسومة لبريكست، مثل العودة إلى القطاع التجاري الأوروبية المشتركة، لكنها تعمل على تخفيف الرقابة المعقدة على تصدير المنتجات الغذائية والنباتية إلى أوروبا.
من جهة أخرى، يصر الاتحاد الأوروبي على أن تخضع هذه المنتجات للمعايير الصحية المطلوبة، ويشترط لتسهيل الصادرات قبول بريطانيا بالرقابة من المحكمة الأوروبية على بنود الاتفاق.
يستخدم المفاوضون الأوروبيون، وخصوصًا الفرنسيون، رفع الحواجز التجارية كوسيلة للمقايضة مقابل إبرام اتفاق صيد جديد يضمن حقوق الصيادين الأوروبيين في المياه البريطانية بعد انتهاء الاتفاق الحالي السنة المقبل.
تشير صحيفة إندبندنت البريطانية إلى أن هذه الشروط قد تعرقل تنفيذ الاتفاقيات الأخرى التي أبرمتها بريطانيا مع دول مثل الولايات المتحدة والهند.
خلال الإسبوعين الماضيين، تمكنت حكومة حزب العمال من إبرام اتفاق تجارة حرة مع الهند بعد مفاوضات طويلة استمرت حوالي 3 سنوات، بينما تسعى لتحقيق صفقة تجارية مع إدارة ترامب لتقليل الرسوم الجمركية.
يقول ستيف وولكوك، أستاذ التجارة الدولية، إن بريطانيا لها فرصة أفضل في التفاوض بشأن اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، لكن المهمة ستكون أصعب مع الاتحاد الأوروبي نظرًا للحساسيات السياسية والتفاصيل التقنية والقانونية المعقدة.
خيارات حزب العمال
صرح رئيس الوزراء كير ستارمر بفخر أن حكومته قريبة من إتمام صفقات تجارية كبيرة مع ثلاثة من أكبر الأسواق العالمية خلال ثلاثة أسابيع فقط، بعد إبرام اتفاق مع الهند والولايات المتحدة، واستعدادها لتوقيع صفقة مع الاتحاد الأوروبي.
كما يلمح ستارمر إلى عدم تفضيله أي شريك دولي على الآخر، حيث يسعى لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة للاقتصاد البريطاني الذي يعاني من تأثيرات سلبية على مر السنوات.
يضيف الخبير وولكوك أن الحرب التجارية التي أطلقها ترامب أدت إلى تعزيز جهود الأوروبيين والبريطانيين للاتفاق على صفقة تجارية قادرة على تجاوز الفوضى التي تسببت بها الإستراتيجية التجارية الحالية.
يظل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لبريطانيا، حيث تشكل صادراتها نحو 41% من إجمالي الصادرات البريطانية، بينما تتجاوز وارداتها من دول الاتحاد 51%.
يعمل رئيس الوزراء على مخاطبة الناخبين بلغة تجعل من الاتفاقيات التي يسعى لإبرامها مكسبًا انتخابيًا، محاولًا إقناع البريطانيين بجدواها وكيف يمكن أن تعود عليهم بالنفع وتحسن مستوى معيشتهم.
تجبر المخاوف من تأثير سياسات الهجرة المتشددة تحت إدارة حزب العمال المفاوضين البريطانيين على الامتناع عن إبرام اتفاق لتسهيل حركة الفئة الناشئة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
يحاول حزب العمال، من خلال تبني سياسات هجرة صارمة، مواجهة ارتفاع شعبية حزب الإصلاح اليميني المتطرف، بعد أن تصدر نتائج الاستحقاق الديمقراطي المحلية الأخيرة، حيث يسعى زعيم الحزب نايجل فاراج لتولي رئاسة السلطة التنفيذية.
على الرغم من مرور سنوات على قرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لا يزال البريطانيون يتبادلون اللوم بشأن اتخاذ القرار، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن 72% من البريطانيين يؤيدون علاقات تجارية متطورة مع الاتحاد الأوروبي، وأن 31% منهم يفضلون العودة إلى القطاع التجاري الأوروبية المشتركة.