إعلان


خلال المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية، ظهرت فكرة جريئة تقترح أن تساعد الولايات المتحدة في بناء البرنامج النووي الإيراني بدلاً من احتوائه. الكاتبة فينا علي خان تناولت الدعوة التي قدمها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، مشيراً إلى أن توافقاً جديداً قد يفتح أمام الشركات الأميركية فرصة اقتصادية بقيمة تريليون دولار. يعيد عراقجي تأطير البرنامج كأصل اقتصادي، مما يجذب اهتمام ترامب الذي يحب الصفقات الكبيرة. ومع ذلك، تواجه إيران تحديات داخلية وضغوطاً دولية تعوق إمكانية التعاون، بما في ذلك التصعيد في العقوبات والمعارضة من الكونغرس الأميركي.

برزت فكرة جريئة خلال المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران: ماذا لو لم تقتصر الجهود الأميركية على احتواء البرنامج النووي الإيراني، بل ساعدت في تطويره أيضًا؟

آخر تحديثات الأخبار تيليجرام

إعلان

وذكرت الكاتبة فينا علي خان -في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية- أن هذه الفكرة تلامس غريزة القائد الأميركي دونالد ترامب في عقد الصفقات، والتي ظهرت جليًا خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط.

وفي مقال رأي كتبه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في صحيفة واشنطن بوست في أبريل/نيسان الماضي، لفت إلى أن اتفاق نووي جديد قد يفتح المجال أمام الشركات الأميركية للاستفادة مما يعتبره فرصة اقتصادية بقيمة “تريليون دولار” في دولة تمتلك واحدة من أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم.

كما نوّه عراقجي في نص خطاب كان قد أعده لإلقائه في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (قبل أن تُلغى الفعالية) خطط إيران لإنشاء ما لا يقل عن 19 مفاعلًا نوويًا جديدًا، وأبدى فكرة التنمية الاقتصادية الأميركي، مشيرًا إلى أن القطاع التجاري الإيرانية يمكن أن تساهم في “إحياء الصناعة النووية المتعثرة في الولايات المتحدة”.

لم يكن هذا العرض مجرد دلالة دبلوماسية، بل كان نداءً محسوبًا يتماشى مع أسلوب ترامب المفضل في التفاوض، والذي يعتمد على المعاملات والمخاطر العالية.

قدم العرض فرصة للولايات المتحدة لخلق وظائف وآليات تحقق صارمة مقابل تخفيف العقوبات وإتاحة الوصول إلى التقنية الإيرانية، في محاولة من إيران لتحويل المواجهة المستمر لعقود إلى تعاون اقتصادي ثنائي.

2SIA 1745399185
عراقجي لفت إلى أن اتفاقًا نوويًا جديدًا قد يفتح المجال أمام الشركات الأميركية للاستفادة من “فرصة اقتصادية بتريليون دولار” (رويترز)

أصل اقتصادي

ولفتت الكاتبة إلى أن الرسالة الأساسية التي أراد عراقجي إيصالها إلى ترامب كانت استراتيجية، حيث أعاد صياغة البرنامج النووي الإيراني ليس باعتباره تهديدًا أمنيًا، بل كأصل اقتصادي، إذ أن ترامب يستجيب للأرقام الكبيرة والصفقات الضخمة، والهدف هو أنه إذا وُعِد بوظائف للأميركيين واتفاق ينشئ إرثًا تاريخيًا، فقد يكون أكثر استعدادًا للموافقة على الصفقة.

ومع ذلك، فإن هذا الاقتراح -وفقًا للكاتبة- ليس جديدًا تمامًا، فقد تم تناول مناقشات مماثلة خلال مفاوضات الاتفاق النووي في عام 2015 (المعروفة بخطة العمل الشاملة المشتركة) الذي انسحب منه ترامب في عام 2018.

من خلال التلميح مرة أخرى بفرصة اقتصادية متعلقة بالتنمية الاقتصادية في قطاعها النووي، تختبر طهران قدرة الإدارة الأميركية على تحمل المخاطر السياسية في وقت يسعى فيه ترامب لإعادة صياغة قواعد الدبلوماسية، على أمل أن تنظر المحادثات النووية بطريقة مختلفة عن أسلافه من خلال المكاسب المتبادلة.

من منظور تاريخي، ليست هذه الفكرة بعيدة تمامًا، فالصناعة النووية الإيرانية نشأت بدعم أميركي، حيث ساعدت الولايات المتحدة في عام 1957 طهران في إطلاق أول برنامج نووي لها تحت مظلة برنامج القائد دوايت آيزنهاور “الذرة من أجل السلام” -وهي مبادرة في سياق الحرب الباردة تهدف لتعزيز الاستخدام السلمي للطاقة النووية في الدول الحليفة-.

بعد عقد، أنشأت واشنطن مفاعلًا بحثيًا بقدرة 5 ميغاوات في حرم جامعة طهران لا يزال قيد التشغيل حتى اليوم، كما زودت إيران بيوارانيوم عالي التخصيب لتشغيله.

2 3 1713514731
خبراء في منشأة نطنز النووية جنوبي طهران (رويترز)

تخوف روسيا والصين

جزئيًا، تُعزى دوافع إيران الحالية نحو التعاون الماليةي مع الغرب إلى إحباطها من قلة المكاسب التي حققتها من “التوجه شرقًا”، حيث كانت طهران تأمل في تقوية علاقاتها الوثيقة مع الصين وروسيا لدعم قدرتها على مواجهة العقوبات الأميركية، وتطوير ما يُعرف بـ “اقتصاد المقاومة” القائم على الاعتماد الذاتي.

غير أن هذه الرؤية لم تتحقق كما كان مأمولًا، إذ تستمر العقوبات في الضغط على التجارة وتجعل المستثمرين مترددين وتعيق مشاريع الشراكة.

تعتبر روسيا الشريك النووي الأكثر موثوقية لإيران، حيث توفر شركة “روس آتوم” الوقود والدعم الفني لمحطة بوشهر، وتعمل على بناء وحدتين إضافيتين تحت إشراف دولي، ولكن الشركة الروسية تتوخى الأنذر في توسيع التعاون النووي لتجنب العقوبات الأميركية الثانوية التي قد تهدد مشاريعها العالمية.

ولفتت الكاتبة إلى أن الصين قد خفضت تعاونها النووي مع إيران -خاصة في مجالات التخصيب وإعادة المعالجة- نتيجة الضغوط الأميركية، مما دفع شركات مثل المؤسسة الوطنية النووية الصينية إلى التردد في التوسع.

حسب تعبير عباس عراقجي، فإن هدف إيران لا يقتصر على جذب استثمارات ضخمة في الحال، بل يشمل أيضًا رفع العقوبات واكتساب المعرفة والاندماج مجددًا في المالية العالمي.

يعتقد صناع القرار الإيرانيون أن دخول الشركات الأميركية إلى القطاع التجاري النووية الإيرانية سيشجع الأوروبيين والآسيويين على اللحاق بها.

انتقادات أميركية

مع ذلك، تواجه هذه الرؤية انتقادات داخلية من المتشددين وبعض الشخصيات الوسطية الذين يرون في الانفتاح على الغرب خيارًا ساذجًا في ظل العقوبات المستمرة، الفساد، وغياب بيئة تنظيمية مستقرة.

يرى بعض المسؤولين الإيرانيين أن فترة ترامب توفر فرصة نادرة يمكن استغلالها، خصوصًا مع وجود كبير مفاوضيه ستيف ويتكوف، الذي يفتقر إلى خبرة سابقيه.

يعتقد عباس عراقجي أن عروضًا بعقود بمليارات الدولارات يمكن أن تغري الفريق الأميركي.

خلصت الكاتبة إلى أن طهران تعتبر برنامجها النووي اليوم أداة ردع حيوية في ظل تراجع “محور المقاومة”، بينما يعارض الجمهوريون -بمن فيهم ترامب- استمرار تخصيب اليورانيوم.

ويعتقد محللون مثل ريتشارد نيفيو أن إيران تستغل قلة خبرة الفريق الأميركي وتغريه بصفقة “جذابة” يمكن أن تجذب ترامب رغم المخاطر المحتملة.

من جانبها، لم تحدد إيران التنازلات الممكنة بشأن أجهزة الطرد المركزي في أي اتفاق نووي، ومن غير المرجح أن تسمح بدخول خبراء أميركيين إلى منشآت حساسة مثل منشأة نطنز النووية بسبب مخاوف من التجسس، كما ترفض تفكيك بنيتها التحتية للتخصيب، حيث تحتفظ بعدد كافٍ من أجهزة الطرد المركزي لإنتاج مواد انشطارية عسكرية.

تعتمد طهران في طرحها على خلق زخم سياسي من خلال التعاون التجاري لمنع انسحاب واشنطن من الاتفاق.

وفقًا لنيفيو، فإن إيران مستعدة لشراكة مالية، لكنها ترفض شراكة تقنية تتيح دخول الأميركيين إلى منشآتها النووية.

أضافت الكاتبة أن الجانب الأميركي يواجه عقبات ضخمة أمام أي محاولة للتعاون الماليةي، أبرزها عزل النظام الحاكم المصرفي الإيراني نتيجة إدراجه في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي، إضافة إلى سوء الإدارة والفساد والعقوبات المتراكمة، مما يجعل الشركات الأجنبية تواجه مخاطر قانونية وسمعة وعقوبات أميركية مستمرة.

كما يواجه البيت الأبيض معارضة قوية من الكونغرس الجمهوري الذي يرفض شرعية التخصيب النووي الإيراني، ويدين فكرة دعم منشآت مثل نطنز بأموال أميركية، مما قد يقضي على أي اقتراح في مهده.

في المقابل، هناك اقتراح أكثر توازنًا قدمه دبلوماسيون إيرانيون لإنشاء تحالف إقليمي لتخصيب اليورانيوم، يشمل السعودية ودول خليجية أخرى، لكن الرياض تُفضل تطوير برنامجها النووي بدعم أميركي مباشر.

يشير الخبير الماليةي إسفنديار باتمانغليج إلى أن البنية التحتية الإيرانية قد تؤهلها للمساهمة في سلسلة إمداد نووية خليجية مستقبلية تُغذي المفاعلات في المنطقة، بما في ذلك السعودية، لكن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية مشتركة.

تدرك طهران ضعف فرص دخول الشركات الأميركية إلى برنامجها النووي، لكنها تأمل أن يعيد مجرد طرح الفكرة تحريك الحوار ويجذب انتباه ترامب عبر المصالح الماليةية.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا