التقى وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي بنظيريه الصيني وانغ يي والباكستاني إسحاق دار في بكين، لمناقشة تعزيز العلاقات ومحاربة التطرف. صرح وزير الخارجية الصيني عن رغبة أفغانستان وباكستان في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية. تأتي هذه اللقاءات في ظل توتر العلاقات الأفغانية-الباكستانية، حيث تسعى الصين للعب دور الوسيط، معتبرة استقرار النطاق الجغرافي الأفغانية-الباكستانية مهمًا لأمنها القومي. تتجه الأنظار إلى الصين كمحاولة لتعزيز التعاون الماليةي واستئناف الحوار الإقليمي، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، بما في ذلك عدم الاعتراف الدولي بحكومة دعاان.
اجتمع وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي بنظيريه الصيني وانغ يي والباكستاني إسحاق دار في العاصمة الصينية بكين، حيث تم مناقشة سبل تعزيز العلاقات الثلاثية ومكافحة التطرف. وصرح الوزير الصيني أن أفغانستان وباكستان عبرتا عن رغبتهما في تعزيز مستوى العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء قريبًا.
ووفقًا لبيان الخارجية الأفغانية، ستعقد الجولة السادسة من المباحثات بين كابل وبكين وإسلام آباد في العاصمة الأفغانية لمناقشة آخر التطورات في المنطقة.
في إطار من التوتر، تسعى الصين للعب دور الوسيط بهدوء بين كابل وإسلام آباد، حيث تعتبر استقرار النطاق الجغرافي الأفغانية-الباكستانية أمرًا حيويًا لأمنها القومي، خاصةً في إقليم شينجيانغ المتاخم لأفغانستان.
قال عبد الحي قانت، عضو الوفد الأفغاني المرافق للوزير في زيارته إلى الصين، للجزيرة نت، إن هذه تعد الزيارة الرسمية الأولى للوزير أمير خان متقي إلى الصين، حيث ناقش مع الجانب الصيني العلاقات الماليةية والسياسية.
ولفت إلى أن الزيارة كانت فرصة لتبادل الآراء حول التطورات الأخيرة، وشملت اجتماعًا ثلاثيًا غير رسمي بين أفغانستان والصين وباكستان، حيث ناقش الوزراء تقييم قرارات الجولة الخامسة المنعقدة في إسلام آباد. وبعد التوتر المستمر في العلاقات بين كابل وإسلام آباد، ترى الصين فرصة لتلعب دور الوسيط بين الجيران.

خيار دبلوماسي
منذ سيطرة حركة دعاان على السلطة في أغسطس 2021، ساد جو من الترقب في الجوار الإقليمي، خصوصًا في باكستان التي دعمَت الحركة تاريخيًا. ومع ذلك، بدأت العلاقات تشهد توترًا متزايدًا بسبب اتهامات بين الطرفين بعدم ضبط النطاق الجغرافي وتوفير ملاذات لجماعات مسلحة.
تزايدت الضغوط على كابل بعد تصاعد هجمات حركة دعاان باكستان ضد أهداف الاستقرار الباكستاني، مما دفع إسلام آباد لتوجيه ضربات جوية على الأراضي الأفغانية، وهو ما نددت به حكومة كابل، واعتبرته انتهاكًا للسيادة، وسط التوتر المتصاعد بعد طرد السلطات الباكستانية لأكثر من 80 ألف لاجئ أفغاني واتهام السلطة التنفيذية الأفغانية بعدم السيطرة على دعاان باكستان.
قال مصدر من الخارجية الأفغانية للجزيرة نت: “بعدما رأت السلطات الباكستانية أن المحادثات المباشرة مع السلطة التنفيذية الأفغانية لم تحقق نتائج ملموسة، لجأت إلى الوساطة الصينية كخيار دبلوماسي لتخفيف الأزمة، نظرًا لأن الصين تحافظ على علاقات جيدة مع الجميع.”

البحث عن حليف
حملت زيارة وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي إلى الصين دلالات سياسية وأمنية هامة، حيث نوّهت بكين دعمها لجهود أفغانستان في تحقيق الاستقرار، وشجعت على تعزيز الحوار الإقليمي بين باكستان والدول المجاورة.
وفقًا لمصادر دبلوماسية، تناول الجانبان أيضًا التعاون الماليةي، واحتمالات مشاركة الشركات الصينية في مشاريع إعادة الإعمار في أفغانستان. وهذا ما تطمح إليه كابل لتعويض العزلة الدولية المتزايدة، وتقديم دعاان كطرف قادر على التواصل مع القوى الكبرى، وهي رسالة ضمنية أيضًا للغرب.
من جهة أخرى، تشير المصادر إلى أن زيارة متقي إلى الصين تأتي في وقت حساس، حيث يبحث الجميع عن تحالفات جديدة.
قال زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار للجزيرة نت: “عندما وافقت الصين وباكستان على زيادة انخراط أفغانستان في الممر الماليةي الصيني الباكستاني، لم أستغرب تصريح وزير الخارجية الأميركي بشأن دراسة إدراج اسم حركة دعاان في قائمة الحركات التطرفية. هذا يدل على قلق كبير من الهند وإيران من التقارب الأفغاني الصيني والباكستاني، في وقت يسعى فيه الجميع لإيجاد حليف يدعمهم.”

بين الوساطة والمصالح
يعتقد المراقبون أن الدور الصيني يتجاوز مجرد الوساطة بين دعاان وباكستان، ويتعلق بتوجه أوسع لبكين لملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. تستفيد بكين من موقفها المحايد تاريخياً في الملف الأفغاني وعلاقاتها المستقرة مع الأطراف المختلفة لتعزيز مكانتها كوسيط مقبول.
ومع ذلك، تواجه الصين تحديات كبيرة، من أبرزها عدم اعتراف المواطنون الدولي رسميًا بحكومة دعاان، وعدم وضوح مستقبل العلاقات بين كابل وإسلام آباد وسط استمرار الهجمات وغياب آلية أمنية مشتركة بين البلدين.
قال المتحدث باسم السلطة التنفيذية الأفغانية ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت: “علاقاتنا مع الصين قد تحسنت كثيرًا، وهناك ثقة متبادلة بين الجانبين في معالجة القضايا الصغيرة، ولدينا خطة طموحة لجذب التنمية الاقتصادية، ونتوقع منها استئناف إصدار التأشيرات لرجال الأعمال الأفغان، وتعزيز العلاقات بين البلدين ضرورة، حيث تعد الصين الدولة الوحيدة غير المتدخلة في الشأن الأفغاني، وقد بادرت بالاعتراف بالسلطة التنفيذية الحالية.”
احتواء الأزمة
مع تزايد الحاجة لاحتواء الأزمة بين أفغانستان وباكستان، تبدو الوساطة الصينية خيارًا واقعياً رغم التعقيدات. تسعى بكين لتعزيز موقفها في المعادلة الإقليمية المعقدة، مما قد يؤثر على توازن القوى في جنوب آسيا خلال الفترة المقبلة.
عادت الصين لتكون طرفًا فاعلًا للتوسط بين دعاان وباكستان في قضايا تتعلق بحركة دعاان الباكستانية، رغم عدم إحرازها تقدم ملموس حتى الآن.
قال الباحث السياسي وحيد الله كريمي للجزيرة نت، إن الصين تستطيع أن تلعب دور الوساطة بين كابل وإسلام آباد، لكنها تفتقر إلى أدوات الضغط الفعالة على حركة دعاان. ورجّح أن نجاح الوساطة يعتمد على الالتزام السياسي الجاد من الجانبين، بينما تنظر كابل إلى إسلام آباد بشك.
يرى نفس الباحث أن طلب الوساطة الصينية يهدف إلى تقويض دور الهند في أفغانستان، وتعتقد دعاان أن هذه الخطوة تكتيك وليست تغييرًا جذريًا في المواقف تجاه أفغانستان.
تقوم الصين بجهود مكثفة لجمع دعاان وباكستان وملء الفراغ بينهما. وبالنظر إلى موقع الصين في المنطقة، تشكل الوساطة بين دعاان وباكستان اختبارًا كبيرًا لها.
هذا يعني، حسب رأي الباحث، أن نجاح الصين في هذه الوساطة سيعزز مكانتها، والفشل سيؤدي إلى تراجع مصداقيتها في الأوساط الدبلوماسية. دولة تتعاون مع أميركا يجب أن تكون قادرة أيضًا على إدارة قضايا بسيطة مثل قضية دعاان الباكستانية.