إعلان


تظهر دراسة في ألمانيا أن نحو 34% من المستهلكين يتجنبون المنتجات الأمريكية بسبب سياسات الإدارة الأمريكية، وهو اتجاه يعكس مقاومة شعبية أوسع ضد العلامات التجارية الأمريكية. يواجه الاقتصاد الألماني تحديات مثل الركود، مع توقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2% عام 2025 نتيجة السياسات الحمائية الأمريكية، مما يؤثر سلباً على الاستثمارات. الشركات الأمريكية الكبرى مثل “ستاربكس” و”ماكدونالدز” تعاني من تراجع المبيعات في الأسواق العربية والأوروبية. كما يتأثر الاقتصاد بتضخم المواد الغذائية، مما يزيد من الأعباء على الأسر، وسط مستقبل غامض يتطلب استجابات سياسية واقتصادية فعالة.

مقالات | شاشوف
أحمد الحمادي

أسعار السوق

مؤشرات الأسهم
العملات
الذهب
المؤشر القيمة التغيير النسبة %
جاري تحميل البيانات...
الزوج السعر التغيير النسبة %
جاري تحميل البيانات...
النوع السعر (أونصة) السعر (جرام) التغيير
جاري تحميل البيانات...

إعلان

لم يعد المستهلك مجرد رقم في معادلات السوق، بل أصبح فاعلاً مؤثراً يساهم بقراراته الشرائية في تشكيل ملامح الاقتصادات ويعبر عن مواقف سياسية واضحة. وفي تجلي حديث لهذا الدور المتزايد، أظهرت دراسة استقصائية في ألمانيا أن واحداً من كل ثلاثة مستهلكين ألمان بدأ يتجنب المنتجات والخدمات الأمريكية، نتيجة للسياسات التي اتبعتها الإدارة الأمريكية برئاسة ‘دونالد ترامب’.

على الرغم من أن هذا الاتجاه له مبرراته الخاصة في السياق الألماني، إلا أنه يعكس ظاهرة أوسع من التوجه الشعبي نحو التحفظ على العلامات التجارية الأمريكية في العديد من دول العالم، حيث تختلف دوافعها ولكن تتشابه في تأثيرها الاقتصادي المحتمل.

أظهر الاستطلاع، الذي قام به معهد ‘إنوفاكت’ المرموق بتكليف من بوابة ‘فيريفوكس’ للمقارنات، أن 34.3% من الألمان الذين شملهم الاستطلاع قد قلصوا بالفعل من إقبالهم على السلع والخدمات الأمريكية، في حين عبر 17% آخرون عن نيتهم في اتباع هذا الاتجاه في المستقبل القريب.

المسح، الذي تم عبر الإنترنت بين 30 أبريل وأوائل مايو 2025، شمل عينة من 1015 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 18 و79 عاماً، وأظهر قلقاً خاصاً حول الهواتف الذكية الأمريكية، حيث أقر ثلث المستطلعين بمراجعة سلوكهم الشرائي تجاهها.

كما امتد هذا التحفظ ليشمل أجهزة الكمبيوتر ومنصات التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل ‘إنستغرام’ و’إكس’، حيث أبدى نحو 30% من المستطلعين عدم رغبتهم في استخدام منتجاتها، في حين أن التخلي عن تطبيق ‘واتساب’ لا يزال خياراً صعباً، إذ لم يبد سوى 17% استعدادهم لذلك.

هذه المشاعر تمتد خارج حدود ألمانيا لتجد صداها في حملات مقاطعة واسعة تستهدف البضائع الأمريكية في العديد من الدول العربية والإسلامية ومناطق أخرى حول العالم.

لقد اكتسبت هذه الحملات، التي بدأت منذ أواخر 2023 واستمرت باهتمام كبير خلال عامي 2024 و2025، زخماً كاستجابة مباشرة للدعم الأمريكي المستمر لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة. تشير متابعات ‘المرصد الاقتصادي شاشوف’ إلى أن شركات أمريكية كبرى بدأت تشعر بوطأة هذه المقاطعة.

تأثير المقاطعة العالمية وتحديات الاقتصاد الألماني

تعتبر شركات مثل ‘ستاربكس’ و’ماكدونالدز’ و’كوكاكولا’ و’بيبسي كو’ و’بابا جونز’، بالإضافة إلى علامات تجارية في مجالات الملابس والتكنولوجيا، من أبرز الأمثلة على الشركات التي واجهت دعاوى مقاطعة منظمة.

أظهرت أحدث البيانات والإحصائيات حتى الربع الأول من 2025، وفق تقارير أرباح الشركات وتحليلات السوق، تراجعاً ملحوظاً في مبيعات وأرباح هذه الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبعض الدول الآسيوية والأوروبية.

على سبيل المثال، اعترفت إدارة ‘ستاربكس’ بتأثر أعمالها في المنطقة، بينما أشارت تقارير غير رسمية إلى أن ‘ماكدونالدز’ شهدت انخفاضاً في الاقبال في عدة أسواق رئيسية نتيجة الحملات. ورغم صعوبة تحديد حجم الخسائر بدقة، إلا أن المؤشرات تشير إلى أن التأثير السلبي أصبح ملموساً على هذه العلامات التجارية العملاقة.

في سياق متصل، تأتي هذه التحركات الشعبية في وقت يواجه فيه الاقتصاد الألماني، بوصفه أحد أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، ضغوطاً متزايدة جراء النزاع الجمركي المتصاعد.

وقد قدم معهد ‘آي دبليو’ الألماني المرموق للبحوث الاقتصادية توقعاته القاتمة، حيث يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بنسبة 0.2% خلال عام 2025.

وعزا المعهد هذا التراجع المتوقع إلى مجموعة من العوامل، أبرزها حالة عدم اليقين التي تسود الاقتصاد العالمي، وتراجع الاستثمارات، وارتفاع تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى تردد المستهلكين الألمان في القيام بعمليات شراء كبيرة في ظل هذه الظروف.

ملخصاً، ذكر المعهد أن ‘ألمانيا ستبقى في حالة ركود’، مشدداً على أن السياسات التجارية الأمريكية وما تفرضه من رسوم جمركية تمثل حالياً الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي.

من المتوقع أن تؤدي هذه السياسات الحمائية إلى تقليل النمو العالمي بنسبة تصل إلى 1%، وهذا النمو كان بإمكانه أن يتحقق لولا هذه الإجراءات. هذا الوضع المقلق يجبر الشركات الألمانية على تجميد خططها الاستثمارية، خصوصاً في مجالات المعدات الثقيلة والآلات والمركبات الجديدة، مما يؤدي إلى تعقيد المشهد الاقتصادي.

امتداد الأزمة للقطاعات الحيوية ومؤشرات التضخم

لم تتجنب القطاعات الحيوية في ألمانيا تداعيات هذه الأزمة المركبة، حيث من المتوقع أن يواصل قطاع الصناعة، وهو عصب الاقتصاد الألماني، تحقيق خسائر بعد انخفاض بنسبة 3% في عام 2024، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة وزيادة الأجور وكثرة اللوائح التنظيمية.

أما قطاع البناء، الذي يعد مؤشراً هاماً على صحة الاقتصاد، فقد سجل أيضاً خسائر بنسبة 3.7% العام الماضي، ويبدو أنه يتجه نحو مزيد من الانكماش في عام 2025، بسبب ارتفاع التكاليف وقواعد التخطيط المعقدة التي تعيق نموه.

أما على صعيد مؤشرات التضخم، فقد أظهرت بيانات حديثة من مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني (ديستاتيس) أن مؤشر أسعار المستهلكين قد ارتفع بنسبة 2.1% على أساس سنوي في شهر أبريل الماضي، مقارنة بـ2.2% في مارس، مسجلاً أدنى مستوى له خلال ستة أشهر.

يعود هذا الانخفاض الطفيف بشكل رئيسي إلى تراجع أسعار الطاقة بنسبة ملحوظة بلغت 5.4% مقارنة بشهر أبريل من العام الماضي. ومع ذلك، واصلت أسعار المواد الغذائية مسارها التصاعدي، حيث زادت بنسبة 2.8%، مما يضيف عبئاً إضافياً على كاهل الأسر الألمانية.

مستقبل غامض وتحديات متعددة

تظهر هذه المعطيات المعقدة أن الاقتصاد الألماني، وكذا الاقتصاد العالمي، يقف على مفترق طرق مليء بالتحديات. فمن جهة، تسلط السياسات الحمائية الأمريكية الضوء على الضغوط على الصادرات وتثير ردود فعل استهلاكية غاضبة، كما يتضح من حملات المقاطعة المتزايدة. ومن جهة أخرى، يعاني الاقتصاد الألماني من ركود داخلي يمتد من قطاع الصناعة إلى سوق العمل، تغذيه تضخم متفاوت في مكوناته وتكاليف إنتاج متزايدة.

يبقى مستقبل الاقتصاد العالمي، والاقتصاد الألماني كحالة دراسية، مرهوناً بالقدرة على تقديم استجابات سياسية واقتصادية عاجلة وفعالة لهذه التحديات.

في الوقت نفسه، تتزايد القناعة لدى قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي بأن التبعية الاقتصادية لمنتجات وخدمات دول معينة، خصوصاً تلك التي تتبع سياسات تُعتبر مثيرة للجدل أو داعمة لممارسات غير عادلة، قد تحمل تكلفة باهظة ليست فقط على المستوى الاقتصادي، بل أيضاً على صعيد القيم والمبادئ.


تم نسخ الرابط

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا