زار سيريل رامافوزا، رئيس جنوب أفريقيا، البيت الأبيض رغم تحذيرات مستشاريه، في مسعى لتقليل التوترات مع الولايات المتحدة. لكن ترامب فاجأه بعرض مقاطع فيديو تتهم بلاده بالإبادة الجماعية ضد المزارعين البيض، مما أظهر صعوبة تغيير آراء ترامب حول جنوب أفريقيا. كما تعرضت حكومة رامافوزا لانتقادات من دعاة اليمين في أميركا، بما في ذلك إيلون ماسك، الذي دعا إلى استقبال اللاجئين البيض. من ناحية أخرى، زادت جنوب أفريقيا من نشاطها القانوني ضد إسرائيل، متهمة إياها بارتكاب انتهاكات، ما يعكس الخلافات الماليةية والسياسية العميقة بين البلدين.
واشنطن- بالرغم من تحذيرات عدد من مستشاريه بعدم زيارة القائد الأميركي دونالد ترامب، وصل سيريل رامافوزا، رئيس جنوب أفريقيا، إلى البيت الأبيض سعياً لتقليل الهوة بين بلاده والولايات المتحدة.
ومع ذلك، نصب ترامب كميناً للرئيس الزائر، وفاجأه بعرض مقاطع فيديو بشأن ما وصفه زيفاً بـ”الإبادة الجماعية” ضد المزارعين البيض، لكن القائد الجنوب أفريقي تمكّن من الحفاظ على هدوئه.
نوّهت الحادثة آراء ترامب المشوّهة عن جنوب أفريقيا، ومدى صعوبة تغيير تلك الآراء، خصوصًا وأن القوى المحركة لها تتمتع بنفوذ كبير عليه، في وقت يبدو فيه أن ترامب لا يهتم بقضايا القارة الأفريقية عموماً، بما في ذلك جنوب أفريقيا.
وقد استبقت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، المركز البحثي اليميني في واشنطن، الزيارة بتحديد 5 جوانب كان ينبغي على ترامب التحدث عنها مع رامافوزا، مشيرة إلى العلاقات الوثيقة لجنوب أفريقيا مع روسيا والصين وإيران، كما ادعت عن وجود روابط قوية مع حركة حماس وحزب الله.
ومع ذلك، كان هذا التوجه يهدف لأن يحفز ترامب للضغط على جنوب أفريقيا بسبب موقفها الصارم أمام محكمة العدل الدولية أمام الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة بدعم أميركي كامل.
في الوقت نفسه، لعب إيلون ماسك، الجنوبي الأفريقي الأصل، دورًا هامًا يتماشى مع الجناح اليميني المتعصب والمنتمي لتيار “أميركا أولاً”، والذي يؤمن بتفوق العرق الأبيض.
من منظور مادي، لعب “لوبي المعادن النادرة” ومصالح واشنطن في مواجهتها للهيمنة الصينية دورًا في الضغط على رئيس جنوب أفريقيا، في محاولة لزيادة الحصة الأميركية في معادن جنوب أفريقيا النادرة.
إسرائيل أولا
في عهد رامافوزا، زادت حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من جهوده القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. وزعم اللوبي اليهودي أن “جنوب أفريقيا وضعت نفسها محامية لحركة حماس على الساحة الدولية”.
وقد أطلقت بريتوريا هجوماً قانونياً ضد ممارسات إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2023، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. ووصف وزير الخارجية السابق توني بلينكن هذه الاتهامات بأنها “سخيفة” وأن المحكمة ليست مؤهلة للنظر فيها.
على الرغم من ذلك، أصدرت المحكمة مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. ورغم أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة، فإن 125 دولة أصبحت ملزمة قانوناً باعتقال نتنياهو إذا وطئت قدمه أراضيها، مما يجعله منبوذاً في معظم أنحاء العالم.
وصف ترامب جنوب أفريقيا بأنها تتخذ “مواقف ضد الولايات المتحدة وحلفائها”. وفي أوائل فبراير/شباط، صرح وزير الخارجية ماركو روبيو أنه لن يحضر قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، مدعياً أن جنوب أفريقيا تستخدم المنتدى لتعزيز التنوع والإنصاف والشمول وجهود تغير المناخ، وهي سياسات تعارضها إدارة ترامب.
ولم تتراجع جنوب أفريقيا، بل نوّه رامافوزا دعمه ل”مساءلة إسرائيل عن جرائم الحرب”.

ماسك و”الأفريكانيز”
جاءت الزيارة في وقت تدهورت فيه العلاقات بين واشنطن وبريتوريا إلى أدنى مستوى منذ انتهاء نظام الفصل العنصري عام 1994. وزعم ترامب أن “أحداث مروعة تحدث” في جنوب أفريقيا، وتحدث عن تقارير تتعلق بـ”الإبادة الجماعية للبيض”، داعياً البيض هناك إلى التقدم بطلب لجوء في الولايات المتحدة.
ومن الجدير بالذكر أن طائرة حكومية أميركية وصلت تحمل حوالي 59 مواطناً جنوب أفريقياً من البيض الذين طلبوا اللجوء في الولايات المتحدة.
وعزز صديق ترامب المقرب الملياردير إيلون ماسك هذا الموقف، ما ينعكس في رؤيته اليمينية التي ترى أن البيض يواجهون تهديداً وجودياً، سواء في الولايات المتحدة بسبب الهجرة، أو في بلدانهم الأم مثل جنوب أفريقيا نتيجة السياسات التي تدعم العدالة الاجتماعية.
ركز الإعلام اليميني في الولايات المتحدة على سردية أن حكومة جنوب أفريقيا “تقوم بمصادرة الأراضي من البيض بناءً على لون بشرتهم”، ووجدت دعماً لهذه الفرضية من قبل إيلون ماسك.
ومن المثير للإعجاب أن إدارة ترامب ألغت اعتماد سفير جنوب أفريقيا السابق إبراهيم رسول بعد وصولها للحكم في يناير/كانون الثاني، نتيجة مزاعمه بأن حركة “ماغا” (MAGA) الداعمة لترامب “عنصرية” وتعزز التوجهات التي تعكس التراجع في أعداد الأغلبية البيضاء بسبب الهجرة.
يقول منتقدو ترامب إن سياساته الخارجية المتعلقة بالهجرة، بما في ذلك قبول اللاجئين “الأفريكانيز” (الأفارقة البيض)، ليست سوى استمرار لأجندته المناهضة للسود في الولايات المتحدة.
أما رامافوزا، فيرفض مزاعم ترامب ومستشاره ماسك بشأن مصادرة أراضي “الأفريكانيز” أو معاملتهم بشكل غير عادل، مشيراً إلى أن بلاده “هي الوحيدة في القارة التي استقر فيها المستعمرون ولم نطردهم أبداً”.
المعادن النادرة
من ناحية أخرى، جاء قرار ترامب في وقت سابق من هذا السنة بقطع المساعدات عن جنوب أفريقيا صادماً لمشاركة بلاده في مشروع يتعلق بالأتربة والمعادن النادرة في منطقة فالابوروا، شمال شرق جنوب أفريقيا، الذي يعتبره عدد من المعلقين حاسماً لمصالح الولايات المتحدة في مجال إنتاج الإلكترونيات والسيارات والأسلحة.
تحتكر الصين إلى حد بعيد توريد وتكرير بعض المعادن الحيوية، خاصة الأتربة النادرة، وهي مجموعة من 17 معدنًا تُستخدم في بناء منتجات تدعم المالية الحديث.
ويعتقد الخبراء أن مشروع جنوب أفريقيا يساعد في التغلب على تحديات تطوير مصادر المعادن التي لا تسيطر عليها الصين.
من المتوقع استخراج 4 أتربة نادرة رئيسية من الموقع، وفقاً لتقارير من شركة “قوس قزح للمعادن النادرة” (Rainbow Rare Earths) التي تدير المشروع.
وفي تقرير لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، تشير الخبيرة غراسيلين باسكاران إلى أن منطقة “فالابوروا” تمثل مركزًا إستراتيجياً للمصالح الأميركية. ولأهميتها، قام وفد من موظفي الكونغرس الأميركي بزيارة مختبرات الشركة في جنوب أفريقيا خلال مارس/آذار الماضي.
يشير تقييم أجرته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن هذه المنطقة يمكن أن تنتج أكثر من 10 آلاف طن من أكاسيد الأرض غير المغناطيسية سنوياً. وتسيطر الصين على 70% من الإنتاج العالمي لهذه المواد النادرة والقيّمة.
تظهر النزاعات بين إدارة ترامب وجنوب أفريقيا تهديداً لمصالح واشنطن الماليةية، في وقت تشير فيه التحليلات إلى رغبة ترامب في منح جنوب أفريقيا مزيدًا من حقوق التنقيب واستخراج المعادن النادرة للشركات الأميركية.
في النهاية، فإن قرار ترامب بالحضور أو عدم الحضور في قمة مجموعة العشرين المزمع عقدها في جنوب أفريقيا فيما بعد هذا السنة يعد اختبارًا حقيقياً لمستوى وخطورة الخلافات بين الدولتين.