تظهر الولايات المتحدة قلقًا مستمرًا بشأن صعود الصين، مشيرةً إليها كتهديد عسكري واقتصادي. خطة “صنع في الصين 2025” تهدف لتعزيز مكانة الصين في الصناعات التكنولوجية، حيث حققت 86% من أهدافها. رغم القلق الأميركي، تُظهر الصين تحديات داخلية، مثل الفساد العسكري، وانعدام التحالفات القوية مقارنةً بالولايات المتحدة. بينما تحاول بكين تعزيز دورها العالمي، تصرح أنظمتها الجديدة تعارض الهيمنة الغربية أكثر مما تقدم بدائل فعّالة. في النهاية، يبدو أن الصين قد تصبح قوة عظمى محترمة، لكنها ليست مستعدة لإزاحة الدور القيادي للولايات المتحدة بشكل كامل.
إن الوجود المستمر للصين في الخطاب السياسي الرسمي الأميركي يأتي مصحوبًا بالقلق والنقد، حيث تُقدم كـ “قوة صاعدة” تمثل تهديدًا عسكريًا واقتصاديًا. هذا التركيز على الصورة السلبية للصين في الخطابات الشعبوية الأميركية، والتي احتوت على مناشدات عاطفية ومبالغات حول مخاطر التنافس الأميركي الصيني، كان له تأثير في تكوين قناعة بأن هناك صراعًا للهيمنة العالمية بين قوتين رئيسيتين: واشنطن وبكين، بينما تظل بقية القوى الكبرى كمشاهدين في ملعب انتظار، مع توقعات بأن تكون النتيجة النهائية في صالح الصين في مباراة “من جانب واحد”!
قبل عشر سنوات، أطلقت الصين ما أسمته بـ “صنع في الصين 2025″، وهو برنامج يهدف لدفع الصين للريادة في عدة مجالات صناعية متطورة، مثل الطيران والفضاء، السيارات الكهربائية، الروبوتات، والاتصالات.
لم تقم بكين بنشر تقييم رسمي لهذا البرنامج، ويظل الأمر غير واضح إذا كان ذلك احترازًا من استفزاز واشنطن “المتوترة”، أم نتيجة للسرية المفترضة. لكن دراسة أجرتها صحيفة واشنطن بوست السنة الماضي أظهرت أن 86% من أهداف البرنامج قد تم تحقيقها.
في جلسة استماع بالكونغرس الأميركي حول “صنع في الصين 2025” في فبراير/ شباط الماضي، أعرب الخبراء الأميركيون عن قلقهم من التقدم السريع الذي أحرزته الصين في مجال التصنيع المتقدم، مأنذرين من أن أميركا تخاطر “بفقدان الثورة الصناعية القادمة”، في ظل تقارير تفيد بأن الصين تستعد لعالم ما بعد الولايات المتحدة.
يتفق بعض السياسيين وصناع القرار في واشنطن على أن أحد أهداف الحلم الصيني هو إزاحة النظام الحاكم الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، مما يعزز من زعامة واشنطن وقوتها العالمية.
على مدى عقود، كانت الصين قد وضعت في مقدمة آمالها خططًا تهدف لتقويض النفوذ الأميركي في النظام الحاكم الدولي، ويُجمع الباحثون الصينيون على أن التنافس الاستراتيجي الأميركي هو منهجي ودائم، ويحدد معالم عصر جديد.
يصفه يان ييلونغ، الأستاذ في جامعة تسينغهوا، بأنه “ليس مجرد خلاف بين دولتين ذات سيادة”، بل هو “صراع هيكلي بين التجديد الكبير للأمة الصينية والهيمنة الأميركية”.
ويشعر الفاعلون السياسيون في بكين أن الصين، بفضل سياسات القائد الأميركي دونالد ترامب، أصبحت أقرب من أي وقت مضى لتحقيق ما تصبو إليه في هذا السياق.
إذا كانت الإستراتيجية الخارجية لترامب تعود بنا إلى إمبريالية القرن التاسع عشر، فقد ساهم في تفكيك نظام عالمي كانت الصين تعده الأداة الأكثر فعالية للقوة الأميركية.
لكن السؤال الذي غالبًا ما يغيب وسط صخب الأدبيات السياسية التي تحتفل بصعود الصين، هو ما إذا كانت الصين قادرة فعليًا على تلبية شروط القيادة العالمية، وما إذا كانت أميركا في ظل ترامب لا تزال تتفوق على جميع بدائلها المحتملة، بما في ذلك الصين، في ممارسة الهيمنة على العالم.
غالبًا ما يُستشهد بخطاب شي جين بينغ عام 2017 أمام المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي كدليل على نية بكين تغيير دور أميركا في العالم، حيث يتصور شي أن الصين يمكن أن تكون “قائدة عالمية”.
ومع ذلك، لا تستطيع الصين فرض قوتها العسكرية عالميًا، فهي ترتبط بتحالف عسكري رسمي واحد فقط مع كوريا الشمالية، مقارنةً بـ 51 حليفًا لأميركا في الأميركتين وأوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، مما يحد من نطاق أنشطتها العسكرية.
تفتقر بكين أيضًا إلى شبكة قواعد عالمية ضرورية لبسط نفوذها، وبالرغم من تقارير الاستخبارات الأميركية عن إنشاء الصين قواعد في ثماني دول، فإن ذلك لا يقارن بأكثر من 750 قاعدة عسكرية تابعة لواشنطن في 80 دولة.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الصين تحديات داخلية مثل الفساد العسكري، حيث تم إقالة أكثر من اثني عشر ضابطًا عسكريًا رفيع المستوى من مناصبهم في النصف الثاني من عام 2023 بسبب تهم فساد، مما أثر على تقدم جيش التحرير الشعبي نحو أهداف التحديث المعلنة لعام 2027.
أيضًا، إن تكلفة القيادة العالمية على الطريقة الأميركية، التي تقدر بتريليونات الدولارات، تعتبر باهظة. تاريخيًا، أدى التوسع المفرط إلى سقوط دول وإمبراطوريات، والصين الحالية تُعتبر أقل وزنًا وقيمة.
خلال ولاية ترامب الأولى، حاولت بكين استغلال انعزالية الولايات المتحدة، مُصوّرةً نفسها كمدافع عن العولمة، وهي تسعى الآن للقيام بذلك مرة أخرى.
وفي هذا السياق، صرح وانغ يي، المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية الصينية، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، بأن الصين “تُوفّر أكبر قدر من اليقين في هذا العالم المُضطرب”.
من حيث الخطاب فقط، يبدو أن الصين تُعدّ طرفًا عالميًا أكثر مسؤولية من الولايات المتحدة، إلا أن نهجها في القيادة العالمية ما زال انتقائيًا؛ فالمبادرات التي تقودها، والتي غالبًا ما تكون بيانات معارضة، لا تزال تفتقر لتقديم بدائل موثوقة للمؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة.
على سبيل المثال، تُسوّق مبادرة الحزام والطريق كمجموعة فضفاضة من الاتفاقيات الثنائية، وليس كإطار للحوكمة العالمية، بينما تُعرف المبادرات الصينية، كمبادرة الاستقرار العالمي، بمعارضتها للهياكل الغربية بدلًا من تقديم شيء جديد جوهريًا.
بينما أُنشأت بكين ووسعت العديد من المؤسسات الدولية، مثل مجموعة البريكس وبنك التنمية الاقتصادية في البنية التحتية في آسيا، فإن هذه المؤسسات مفتوحة أمام أعضاء جدد قد يُضعفون من نفوذ الصين.
نظرًا لمدى محدودية نطاقاتها، فإن المؤسسات التي أنشأتها الصين لا تستطيع استبدال نظام الأمم المتحدة، الذي تعترف بكين بأنه الممثل القائدي للنظام الدولي، وفقًا لجايير مارديل في مجلة السنةل الصيني.
وإذا كان تباين المدخلات يؤدي إلى تباين المخرجات، فإن انخفاض إنتاجية الصين، والأزمة الديمغرافية المتفاقمة، ومحدودية الموارد الطبيعية تجعل من الصعب على بكين الادعاء بأنها ستكون مركز القوة العظمى بحلول عام 2050.
وبعيدًا عن أقوال الصين، فإن تصرفات جمهورية الصين الشعبية تظهر أنها غير راغبة أو قادرة على إزاحة الدور العالمي للولايات المتحدة.
في أحسن الأحوال، تتبنى رؤية لنظام متعدد الأقطاب تستفيد فيه الصين من مجال نفوذ في شرق آسيا، وتعتبر القوة العظمى الأكثر احترامًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.