الاقتصاد العالمي | شاشوف
تواجه إسرائيل منعطفاً اقتصادياً هو الأخطر منذ عقود، وسط تحذيرات متصاعدة من إمكانية الانزلاق نحو أزمة حادة قد تصل إلى حد الانهيار، ما لم يتم إجراء تغيير جذري وعاجل في السياسات الاقتصادية المتبعة.
وتأتي هذه التحذيرات في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإسرائيلي من تداعيات كارثية للحرب المستمرة على قطاع غزة، والعمليات العسكرية اليمنية المتواصلة التي تعطل الملاحة وتهدد أهدافاً حيوية، وفشل الموازنة العامة للدولة لعام 2025، التي تم إقرارها مؤخراً، في تقديم أي رؤية أو حلول حقيقية لمواجهة هذه التحديات الوجودية.
ينتقد خبراء اقتصاديون بشدة الميزانية التي أقرتها الحكومة والكنيست مؤخراً، معتبرين أنها تتجاهل بشكل شبه كامل الحاجة الماسة ليس فقط لإعادة تأهيل الاقتصاد المتضرر من الحرب، بل لإعادة تشغيل منظومته التجارية والاقتصادية بأكملها وتحفيز نمو متسارع لتعويض الخسائر.
ويشيرون إلى أن الميزانية تفتقر إلى أي رؤية اقتصادية طويلة الأمد، وتخلو من محركات نمو جديدة قادرة على دفع الاقتصاد نحو آفاق مختلفة. والأخطر من ذلك، غياب أي رغبة أو محاولة جدية للتعامل مع المشاكل الهيكلية الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد الإسرائيلي حتى قبل الحرب، خاصة في قطاعات حيوية كالصحة، والتعليم، والنقل، والتكنولوجيا المتقدمة.
ويُضاف إلى ذلك الأعباء الجديدة الناجمة عن الكوارث الطبيعية، كالحرائق الضخمة الأخيرة في مناطق اللطرون والقدس، والتي كشفت عن عدم الاستعداد لمواجهة تداعيات الأزمات المناخية المتفاقمة، وستتطلب إنفاق عشرات الملايين من الشواكل الإضافية من ميزانية مستنزفة أصلاً.
تداعيات حرب غزة والعمليات اليمنية تخنق الاقتصاد
تأتي هذه الانتقادات للميزانية في وقت يرزح فيه الاقتصاد الإسرائيلي تحت وطأة التكاليف الباهظة للحرب المستمرة على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، إضافة إلى التداعيات المتزايدة للعمليات العسكرية التي تشنها قوات صنعاء (الحوثيون) من اليمن.
وتشير تقارير المرصد الاقتصادي شاشوف وبيانات اقتصادية إسرائيلية إلى أن حجم الأضرار التي تتمثل في تكاليف الحرب المباشرة تواصل الارتفاع بشكل هائل، خصوصاً في الإنفاق الدفاعي لتغطية تكاليف التعبئة الواسعة لقوات الاحتياط، واستهلاك الذخائر، وتشغيل منظومات الدفاع الجوي مثل القبة الحديدية، وتمويل العمليات الهجومية، بالإضافة إلى تكاليف إجلاء عشرات الآلاف من المستوطنين من مناطق الشمال المحاذية للبنان والجنوب المحاذي لغزة وتعويضهم.
إلى جانب ذلك أدت الهجمات اليمنية المستمرة في البحر الأحمر إلى تعطيل شبه كامل لحركة الملاحة من وإلى ميناء إيلات، ورفعت تكاليف الشحن والتأمين البحري بشكل كبير على الواردات والصادرات الإسرائيلية التي اضطرت لاستخدام طرق أطول وأكثر تكلفة. كما أن الهجوم الصاروخي الأخير الذي استهدف محيط مطار بن غوريون الدولي أدى إلى تعليق مؤقت لرحلات شركات طيران عالمية كبرى وزاد من المخاوف الأمنية والاقتصادية.
نقص العمالة كان صداعاً آخر للسلطات الإسرائيلية حيث تسبب الاستدعاء الواسع النطاق لجنود الاحتياط في نقص حاد بالعاملين في قطاعات عديدة، أهمها قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يعتمد على الكفاءات الشابة، وقطاع البناء الذي تأثر أيضاً بوقف دخول العمال الفلسطينيين.
ويعاني قطاع التكنولوجيا الفائقة، الذي يُعتبر قاطرة النمو الرئيسية للاقتصاد الإسرائيلي، من ضغوط متعددة تشمل صعوبة الحصول على تمويل جديد في ظل حالة عدم اليقين، وتأثر الإنتاجية بسبب غياب الموظفين في الخدمة الاحتياطية، وتراجع محتمل في الاستثمارات الأجنبية. وقد أشارت تحليلات سابقة للمرصد الاقتصادي شاشوف إلى أن استمرار حالة عدم الاستقرار يضر بسمعة إسرائيل كـ”أمة الشركات الناشئة”.
أما قطاع السياحة، فقد تعرض لضربة قاصمة منذ بدء الحرب، مع إلغاء شبه تام لرحلات السياحة الوافدة. وقد تفاقم الوضع بعد الهجوم الأخير على محيط مطار بن غوريون الذي دفع شركات طيران كبرى مثل مجموعة لوفتهانزا الألمانية إلى تعليق رحلاتها، مما يهدد بتعميق عزلة إسرائيل الجوية ويضرب بقوة قطاع الفنادق والخدمات المرتبطة به.
انعكست هذه الأجواء القاتمة على ثقة المستثمرين والمستهلكين. وشهدت بورصة تل أبيب (TASE) تقلبات حادة، متأثرة بالتطورات الأمنية والمخاوف الاقتصادية والتحذيرات أو التخفيضات الفعلية في التصنيف الائتماني لإسرائيل من قبل وكالات دولية مثل موديز.
وتظهر بيانات اقتصادية رصدها شاشوف تراجعاً في مؤشرات ثقة المستهلك والإنفاق الخاص، في ظل حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الحرب وتداعياتها الاقتصادية.
في مواجهة هذا المشهد القاتم، يرى محللون اقتصاديون ونقاد للسياسات الحكومية الحالية أن تجنب الانزلاق نحو ركود عميق أو أزمة هيكلية يتطلب تغييراً جذرياً وفورياً في الأولويات الاقتصادية، وهو ما فشلت الميزانية الأخيرة في تقديمه.