رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر واجه انتقادات بسبب وصفه المملكة المتحدة بأنها “جزيرة من الغرباء” في سياق تضييق الهجرة. جاء ذلك تزامنًا مع إصدار ورقة بيضاء للهجرة تقضي بحظر توظيف الأجانب في قطاع الرعاية، مما يهدد بنقص حاد في العمال. العديد من نواب حزب العمال يعتبرون التصريحات مرتبطة باليمين المتطرف. منظمات الرعاية أنذرت من أن هذه القيود قد تؤدي إلى انهيار خدمات حيوية. في ظل العجز عن تعيين السنةلين، وزيادة معدلات الشواغر، تتزايد المخاوف حول تأثير ذلك على المواطنون والرعاية الطبية السنةة، وسط مدعا بمراجعة السياسات.
لندن– بينما تشتعل النقاشات الداخلية، تعرض رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لانتقادات شديدة بسبب تصريحه حول الهجرة، حيث اعتبر المملكة المتحدة “جزيرة من الغرباء” في حال عدم سن قيود جديدة على المهاجرين.
على الرغم من محاولات وزيرة الداخلية إيفيت كوبر للدفاع عن موقفه، فقد أعرب العديد من نواب حزب العمال وناشطين من المواطنون المدني عن قلقهم من أن تصريحاته تتقارب مع خطاب اليمين المتطرف.
جاءت تعليقات ستارمر بالتزامن مع نشر الورقة البيضاء للهجرة، التي تضمنت حظر توظيف العمال من الخارج في قطاع الرعاية، وزيادة متطلبات اللغة، وتضييق شروط الإقامة والجنسية. هذا الأمر أثار مخاوف واسعة بشأن تأثيره على المهاجرين والقطاعات الحيوية المعتمدة عليهم.
“ضربة ساحقة”
تشير التقديرات إلى أن آلاف العمال الأجانب الذين يشغلون حاليًا بنية الرعاية الصحية والاجتماعية قد يُمنعوا من البقاء، مما يهدد بهذا القطاع الحيوي في وقت حرج، خاصة مع مغادرة حوالي 70 ألف عامل محلي للقطاع في السنتين الماضيتين.
وصفت “كير إنغلاند”، إحدى أبرز المنظمات الممثلة لمقدمي خدمات الرعاية في بريطانيا، قرار السلطة التنفيذية بإلغاء تأشيرات الرعاية الاجتماعية بأنه “ضربة ساحقة”، لما له من عواقب مباشرة على استقدام الكوادر الأجنبية التي يعتمد عليها النظام الحاكم بشكل كبير.
أوضح سايمون بوتري، كبير الباحثين في مؤسسة “كينغز فاند” المعنية بالرعاية الطبية السنةة، للجزيرة نت: “بعد جائحة كوفيد-19، شهد قطاع رعاية البالغين ارتفاعًا كبيرًا في الشواغر، وكان من الصعب جدًا على مقدمي الرعاية العثور على موظفين لتلبية الاحتياجات، مما دفع السلطة التنفيذية إلى تسهيل توظيف العمال الأجانب”.
وأضاف أن “هذا التيسير خفّض نسبة الشواغر من 7.3% قبل الجائحة إلى 6.8% حاليًا”. ومع ذلك، يؤكد بوتري أن “النسبة لا تزال أعلى من بقية القطاعات الماليةية، مما يعني أن مقدمي الرعاية يواجهون صعوبة في تلبية احتياجات الناس”.
لقد تعهدت السلطة التنفيذية مؤخرًا برفع أجور السنةلين في الرعاية عبر ما أسمته “اتفاق الأجر العادل”، ولكن بوتري يأنذر من أن “لا أحد يعلم متى سيطبق هذا الاتفاق، أو من سيشمله، أو مقدار الزيادة”.
نوّه بوتري أن الرعاية لا تقتصر على كبار السن، بل تشمل جميع من تجاوزوا 18 عامًا، بما في ذلك أولئك الذين يعانون من إعاقات جسدية بسبب السكتات الدماغية أو الأمراض المزمنة، وكذلك الفئة الناشئة ذوي الإعاقات الذهنية.
أما من تجاوزوا 65 عامًا، فيعانون عادة من أمراض مزمنة مثل التهاب المفاصل أو الزهايمر. ورغم أن خدمات الرعاية لا يُنظر إليها على أنها “منقذة للحياة” بالمعنى الطبي، لكنها تلعب دورًا حيويًا في تحسين نوعية الحياة.

السلطة التنفيذية تخاطر
من جانبها، أفادت كريستينا ماكيني، الأمينة السنةة لنقابة “يونيسون” (UNISON)، وهي أكبر نقابة عمالية في المملكة المتحدة وتمثل أكثر من 1.3 مليون عضو معظمهم من السنةلين في القطاع السنة، أنه “كان النظام الحاكم الصحي والرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة لينهار منذ زمن بعيد لولا آلاف السنةلين القادمين من الخارج”.
وأضافت في تصرح للجزيرة نت، أن العمال المهاجرين في قطاعات الرعاية الطبية والرعاية “يشعرون بالقلق مما قد يعترضهم من عواقب، وتحتاج السلطة التنفيذية إلى طمأنتهم بأنهم سيتمكنون من البقاء واستمرارهم في القيام بأعمالهم الأساسية”.
لفتت ماكيني إلى أن ما وصفته بلغة خطاب “عدائية” تجاه المهاجرين، بما في ذلك حظر استقدام أسرهم واستغلالهم من قبل أرباب عمل غير نزيهين، وهي عوامل تسببت في تراجع الطلب على تأشيرات السنة الماضي.
وذكرت أن الأجور التي يحصل عليها السنةلون في الرعاية بالكاد تفوق الحد الأدنى القانوني، مما يصعب على أصحاب العمل توظيف العدد الكافي لتقديم رعاية “جديرة بالاحترام”.
أوضحت أنثوني بارنز، الممثل الإعلامي لنقابة “يونيسون”، للجزيرة نت أن النقابة تمثل أكثر من 160 ألف عامل في مجال الرعاية الاجتماعية، ويديرون محادثات منتظمة مع المسؤولين الحكوميين لتحسين أوضاع العمال في القطاع والسعي نحو اتفاقات أفضل تعزز جودة الرعاية وتحمي حقوق السنةلين.
خطاب كراهية
انتقدت منظمة “كير فور كاليه”، المعنية بحقوق المهاجرين، تصريحات رئيس السلطة التنفيذية البريطانية حول الهجرة، واعتبرتها “خطاب كراهية مقنّع”، يسعى لاستقطاب الناخبين من أقصى اليمين.
وقالت المنظمة في بيان لها: “لقد وُعِدنا بالتغيير، لكن ما حصلنا عليه لم يكن سوى نسخة من نايجل فاراج بزي مختلف”، في إشارة إلى السياسي البريطاني المعروف بخطابه الشعبوي المعادي للمهاجرين، الذي يُعتبر أحد أبرز رموز اليمين المتطرف في المملكة المتحدة.
دعت المنظمة المواطنين للتواصل مع ستارمر برسائل احتجاج، ومدعاتهم بالاعتذار عن وصفه لبريطانيا بـ “جزيرة من الغرباء”، مؤكدة أن هذه اللغة تُظهر “رهابًا من الأجانب” وت undermine قيم التعددية والانفتاح التي بُنيت عليها الدولة البريطانية الحديثة.
أظهر استطلاع من الموقع الحكومي “يوغوف” أن 53% من المشاركين أيّدوا مضمون خطاب ستارمر، بينما عارضه 27%.
في ظل هذه الظروف المعقدة من العجز الدائم في التوظيف، والقيود الصارمة على الهجرة، وعدم وضوح رؤية لتحسين الأجور، أنذر الخبراء من احتمال تفكك ما تبقى من استقرار في قطاع الرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة.
الخطر لا يقتصر على تأخير الخدمة أو فقدان الرفاهية، بل يمتد ليزيد من عزل الفئات الضعيفة، وحرمانها من أبسط مقومات الحياة الكريمة، كما أن التأثير لا يتوقف عند الرعاية الاجتماعية فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى دفع النظام الحاكم الصحي بأكمله نحو حافة الانهيار.