الاقتصاد العربي | شاشوف
يتوجه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى الرياض يوم غدٍ الإثنين، في زيارة دولية محاطة بترقب كبير، حيث يُنتظر أن تشهد مباحثات مكثفة تهدف إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية والأمنية بين البلدين.
وفيما يُفرش السجاد الأحمر وتُجهز الاحتفالات الفخمة، تحمل الزيارة في طياتها هدفاً اقتصادياً ضخماً يتمثل في سعي الإدارة الأمريكية لتأمين ما يزيد عن تريليون دولار من الأموال الخليجية كاستثمارات في الشركات الأمريكية، إلا أن هذا الطموح المالي الهائل يأتي في وقت تبدو فيه آفاق تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية – وهو هدف لطالما سعى إليه ترامب – بعيدة المنال بسبب حرب الإبادة ضد غزة.
تأتي هذه الزيارة، وهي ثاني زيارة خارجية لترامب منذ إعادة انتخابه بعد حضوره جنازة البابا في روما، في سياق جيوسياسي معقد. فبينما يركز ترامب على تأمين استثمارات ضخمة، تُشير المصادر إلى أن الهدف الأمريكي يتجاوز مجرد الأرقام المالية، إذ تسعى واشنطن لإعادة تأكيد نفوذها في منطقة الخليج ومواجهة التوسع الصيني المتنامي، خاصة في قلب نظام البترودولار.
وقد أعلن ترامب صراحة أن هدفه هو تأمين استثمار بقيمة تريليون دولار في الشركات الأمريكية، بناءً على التزام أولي بقيمة 600 مليار دولار كان قد تعهد به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في وقت سابق.
وتُجيد المملكة، أكبر مُصدّر للنفط في العالم، هذا النوع من الدبلوماسية الاقتصادية، حيث تسعى لإبهار الضيف وتقديم فرص استثمارية مغرية، ربما بهدف الحصول على تنازلات أمريكية بشأن تداعيات حرب غزة أو ملفات إقليمية أخرى.
طموحات التطبيع تصطدم بواقع غزة
كانت اتفاقيات إبراهام، التي توسط فيها ترامب خلال ولايته الأولى وشهدت اعتراف دول عربية بإسرائيل، بمثابة حجر الزاوية في سياسته الشرق أوسطية.
وفي هذا السياق، أعرب مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، مؤخراً عن تفاؤله بقرب تحقيق تقدم في توسيع هذه الاتفاقيات، قائلاً إنه يتوقع “قريباً جداً الإعلان عن بعض أو الكثير من القرارات”.
ولكن، بحسب مصدرين خليجيين مقربين من الدوائر الرسمية ومسؤول أمريكي لرويترز، فإن الحرب الإسرائيلية المدمرة في غزة، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 58 ألف شخص ونزوح 1.9 مليون فلسطيني، قد جمدت فعلياً أي تقدم محتمل نحو تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
وتضغط الإدارة الأمريكية بهدوء خلف الكواليس على إسرائيل للموافقة على وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وهو شرط أساسي تضعه السعودية لاستئناف أي محادثات تطبيع، فمعارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف دائم للحرب أو إقامة دولة فلسطينية تجعل التقدم في هذا الملف شبه مستحيل في الوقت الراهن.
وقد أصبحت قضية إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل “سامة” بشكل خاص بالنسبة للمملكة، منذ بدء الحرب، لدرجة أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
تركيز على الاقتصاد والأمن وتجاوز عقبة التطبيع
نتيجة لهذه التعقيدات، تم فصل ملف التطبيع، الذي كان محورياً في المحادثات الثنائية خلال ولاية ترامب الأولى، فعلياً عن الشؤون الاقتصادية والأمنية الأخرى بين واشنطن والرياض، وفقاً لعدة مصادر مطلعة.
ويرى “دينيس روس”، المفاوض الأمريكي السابق، أن ولي العهد السعودي يحتاج إلى إنهاء حرب غزة وإيجاد مسار موثوق به نحو إقامة دولة فلسطينية “قبل أن يعود إلى التعامل مع قضية التطبيع”.
وبالتالي، ستركز مباحثات ترامب في الرياض بشكل كبير على الشراكة الاقتصادية والقضايا الإقليمية الأخرى. وأكد مسؤولون من الجانبين أن الاستثمارات المربحة، مثل صفقات الأسلحة الكبرى، والمشاريع الضخمة، والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، تحتل صدارة جدول الأعمال.
“روبرت موجيلنيكي”، الباحث المقيم الأول في معهد دول الخليج العربية، يقول إن “إدارة ترامب تريد أن تكون هذه الرحلة حدثاً مهماً، وهذا يعني الكثير من الإعلانات المبهرة عن الصفقات والتعاونات التي يمكن تسويقها على أنها مفيدة لأمريكا”.
إحياء الاتفاقيات الدفاعية ومواجهة النفوذ الصيني
تأتي الزيارة أيضاً في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية السعودية ديناميكيات جديدة، بما في ذلك إحياء المحادثات حول اتفاقية دفاع مشترك، والتي توقفت سابقاً، ولكنها عادت الآن في شكل “ضمانات أمنية مخففة” لتجاوز معارضة الكونجرس المحتملة.
كما تتواصل المناقشات حول اتفاق نووي مدني بين البلدين، وإن كان من المتوقع أن تستغرق وقتاً لتحديد الشروط النهائية.
وإضافة إلى الأهداف الاقتصادية، تحمل زيارة ترامب أبعاداً جيوسياسية مهمة، حيث تسعى الولايات المتحدة لإعادة تأكيد نفوذها في منطقة الخليج التي شهدت توسعاً صينياً مطرداً.
فمنذ إطلاق “رؤية 2030″، أصبحت الصين جزءاً لا يتجزأ من خطط التنمية السعودية، وهيمنت على قطاعات متنوعة تمتد من الطاقة والبنية التحتية إلى الطاقة المتجددة.
وتخطط السعودية وحلفاؤها في الخليج لحث ترامب على تخفيف القواعد التنظيمية الأمريكية التي أعاقت الاستثمار الأجنبي، خاصة في القطاعات التي تعتبرها واشنطن جزءاً من “البنية التحتية الوطنية الحيوية”، وذلك في وقت تسعى فيه الصين بقوة لاستقطاب رأس المال الخليجي.
وفي خضم هذه المناورات الدبلوماسية والاقتصادية، يبقى ملف غزة حاضراً بقوة، حيث أشار مصدران خليجيان إلى أن ترامب، الذي يشعر بالإحباط من تأثير أزمة غزة على جهود التطبيع، قد يستغل زيارته للكشف عن إطار عمل أمريكي لإنهاء الحرب المستمرة منذ 18 شهراً، وهو ما قد يشمل ترتيبات أمنية جديدة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، وربما يفتح الباب مجدداً أمام محادثات التطبيع في المستقبل.
تم نسخ الرابط
(function(d, s, id){
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id;
js.src = ‘//connect.facebook.net/ar/sdk.js#xfbml=1&version=v3.2’;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(document, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));
رابط المصدر