إعلان


في خطوة تعكس القلق العالمي من تزايد الديون، خفضت وكالة ‘موديز’ تصنيف الولايات المتحدة الائتماني من ‘AAA’ إلى ‘Aa1’، ما يسلط الضوء على التحديات المالية التي تواجهها واشنطن ودول أخرى. يعتمد التصنيف الائتماني على تحليل الوضع المالي والاقتصادي، ويؤثر بشكل مباشر على تكلفة الاقتراض وجذب الاستثمارات. مع إحجام الدول الكبرى عن الإنفاق، تتزايد المخاوف المتعلقة بالاستدامة المالية، حيث تشهد الدول الكبرى مثل بريطانيا واليابان أعباء ديون مرتفعة. تقلصت قائمة الدول الحاصلة على تصنيف ‘AAA’ إلى 11 دولة، مما يبرز التقلص في الثقة العالمية.

الاقتصاد العالمي | شاشوف

إعلان

في تطور يعبر عن تصاعد القلق العالمي حيال المديونية المتزايدة للاقتصادات الكبرى، طالبت الولايات المتحدة الأمريكية، كأكبر اقتصاد عالمي، نادي النخبة الائتمانية “AAA”، بعد أن قامت وكالة “موديز”، آخر وكالات التصنيف الكبرى التي كانت تمنح واشنطن هذا التقييم الرفيع، بخفض تصنيفها درجة واحدة.

هذا الحدث لا يمثل مجرد تغيير تقنية في دفاتر وكالات التصنيف، بل يحمل دلالات رمزية وعملية عميقة، ويسلط الضوء على التحديات المالية المتزايدة التي تواجه ليس فقط الولايات المتحدة، بل العديد من دول العالم.

أعلنت “موديز” يوم الجمعة الماضي عن قرارها بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من “AAA” إلى “Aa1″، مُرجعةً ذلك لارتفاع حجم الدين العام وتكاليف خدمته. يأتي هذا القرار ليؤكد المخاوف المتزايدة في الأسواق المالية العالمية بشأن استدامة المسارات المالية للعديد من الدول التي كانت تُعتبر ملاذات آمنة للمستثمرين.

أهمية التصنيفات الائتمانية وأضواء على “حراس الثقة” العالميين

لفهم أعمق لتداعيات مثل هذا التخفيض، يجب إدراك الدور المحوري الذي تلعبه التصنيفات الائتمانية في الاقتصاد العالمي. ببساطة، يُعتبر التصنيف الائتماني بمثابة شهادة جدارة ائتمانية تصدرها وكالات متخصصة ومستقلة، تُوضح للمستثمرين المحتملين درجة المخاطر المرتبطة بشراء ديون جهة معينة، سواء كانت دولة أو شركة. وتعتمد هذه الوكالات على تحليل دقيق للوضع المالي والاقتصادي للمُصدر، وتقييم قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية المستقبلية.

تهيمن على هذا القطاع ثلاث وكالات رئيسية تُعرف غالبًا بـ ‘الثلاث الكبار’، وهي: “ستاندرد آند بورز جلوبال” (S&P Global Ratings)، و”موديز إنفستورز سيرفيس” (Moody’s Investors Service)، و”فيتش ريتينغز” (Fitch Ratings).

تتمتع تقييمات هذه الوكالات بتأثير واسع النطاق، حيث يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على تكلفة الاقتراض للدول. الدول ذات التصنيف المرتفع تستطيع الاقتراض بأسعار فائدة أقل، بينما تواجه الدول ذات التصنيف المنخفض تكاليف اقتراض أعلى لتعويض المستثمرين عن المخاطر المتزايدة.

كما تؤثر التقييمات الائتمانية على توجه تدفقات الاستثمار العالمية، إذ يعتبر التصنيف الائتماني القوي عامل جذب للاستثمارات الأجنبية، بينما قد يؤدي تراجعه إلى عزوف المستثمرين أو هروب رؤوس الأموال، فضلاً عن التأثير على قيمة العملة الوطنية، وكذلك اعتبار التصنيف الائتماني مؤشراً على الاستقرار الاقتصادي والإدارة المالية للحكومات، حيث يعكس ثقة الأسواق في السياسات المتبعة.

تمتد آثارها لتشمل تصنيفات الشركات في الدولة المعنية، وقد تجد الشركات صعوبة في الحصول على تصنيف أعلى من تصنيف دولتها السيادي، مما يثير تخفيض تصنيف اقتصاد كبير مثل الولايات المتحدة تساؤلات حول مسارها المالي وقد يضغط على عوائد سنداتها طويلة الأجل، رغم أن المحللين لا يتوقعون حدوث موجة بيع حادة للأصول الأمريكية على المدى القصير.

ومع ذلك، تكتسب هذه الخطوة أهمية إضافية في ظل القلق القائم بالفعل بشأن السياسة التجارية الأمريكية ومستقبل الدولار كعملة احتياطيات عالمية.

تقلص قائمة “النجوم الثلاثية”: من بقي في القمة؟

يشهد نادي الدول الحاصلة على التصنيف الائتماني الأعلى “AAA” تراجعًا مستمرًا في السنوات الماضية. بعد خروج الولايات المتحدة من هذه القائمة، لم يتبقَ سوى 11 دولة تحتفظ بهذا التقييم من وكالات التصنيف الثلاث الكبرى، وذلك انخفاضًا من أكثر من 15 دولة قبل الأزمة المالية العالمية في 2007-2008.

والمفارقة أن اقتصادات هذه الدول الإحدى عشر تمثل معًا أكثر بقليل من 10% فقط من إجمالي الناتج العالمي، ومن أبرز الاقتصادات الأوروبية التي لا تزال تحمل تصنيف “AAA” نجد ألمانيا وسويسرا وهولندا.

أما خارج القارة العجوز، فتضم القائمة كلاً من كندا وسنغافورة وأستراليا. ومع هذا التطور، أصبح تصنيف الدين الأمريكي، الذي يمثل أكبر اقتصاد عالمي، في مرتبة أدنى من دين إمارة ليختنشتاين الصغيرة، التي تتمتع بتصنيف “AAA” ولا يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي سبعة مليارات دولار، وفقًا لبيانات البنك الدولي.

رغم ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بثاني أعلى تصنيف ائتماني وهو “AA” (أو ما يعادله) لدى جميع الوكالات الكبرى، وكانت “موديز” آخر وكالة تقوم بتخفيض تصنيف الولايات المتحدة، وهذه هي المرة الوحيدة التي قامت فيها بذلك منذ عام 1949.

وسبقتها وكالة “ستاندرد آند بورز” في عام 2011، في خطوة تاريخية كانت الأولى من نوعها منذ أن منحت الولايات المتحدة تصنيف “AAA” في عام 1941، ثم لحقت بها وكالة “فيتش” في عام 2023، مما يكتمل بهذا صورة التراجع في التقييم الائتماني لأكبر مصدر للديون السيادية في العالم.

جبل الديون العالمي: لماذا تتراجع تصنيفات الكبار؟

لا يقتصر شبح تخفيض التصنيف على الولايات المتحدة وحدها، بل يمتد ليشمل العديد من الاقتصادات الكبرى الأخرى. تُعزى هذه التراجعات بشكل أساسي إلى الزيادة المستمرة في حجم الدين الحكومي، والمخاوف المتزايدة من عدم كفاية الجهود المبذولة لمعالجة المشكلات المالية الهيكلية طويلة الأجل.

فعلى سبيل المثال، لم تشهد الولايات المتحدة عامًا واحدًا منذ 2001 إلا وتجاوز إنفاقها الحكومي إيراداتها، مما أدى إلى عجز مزمن في الميزانية السنوية وتراكم ديون يبلغ حاليًا حوالي 36 تريليون دولار.

وقد أنفقت واشنطن 881 مليار دولار على مدفوعات الفوائد فقط في السنة المالية المنقضية، ما يزيد بثلاثة أضعاف عن المبلغ الذي أُنفِق في عام 2017، بل إن تكاليف الاقتراض تجاوزت الإنفاق الدفاعي للبلاد.

تتفاقم أعباء الديون على الاقتصادات الكبرى الأخرى جراء عوامل ديموغرافية مثل ارتفاع متوسط أعمار السكان، بالإضافة إلى التكاليف المتزايدة لمواجهة تغير المناخ وتلبية الاحتياجات الدفاعية المتزايدة. على سبيل المثال، تقترب نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا من 100%، بينما تتجاوز هذه النسبة في اليابان 250%، مما يضع هذه الاقتصادات تحت ضغط مالي هائل ويدفع وكالات التصنيف إلى إعادة تقييم مخاطرها الائتمانية بشكل متواصل.


تم نسخ الرابط

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا