جزيرة سقطرى، المعروفة بتنوعها البيولوجي الفريد، تواجه تهديدات خطيرة بسبب تغير المناخ والرعي الجائر. تضم الجزيرة 825 نوعًا من النباتات، بما في ذلك شجرة دم التنين، التي تُعتبر أساسية لنظامها البيئي. العواصف المتزايدة والماعز الغازي تدمر الغابات، مما يعيق نمو الأشجار. تستقطب سقطرى حوالي 5000 سائح سنويًا، لكن السياحة المحلية تعتمد على استدامة هذه الأشجار. جهود الحفظ تواجه تحديات بسبب الأوضاع السياسية والماليةية في اليمن. يأنذر العلماء من أن اختفاء هذه الأشجار سيؤدي إلى انهيار النظام الحاكم البيئي المحلي.
20/5/2025–|آخر تحديث: 13:23 (توقيت مكة)
تُعتبر جزيرة سقطرى غالباً بمثابة نظير لجزر غالاباغوس في الإكوادور، إذ تحلق في عزلة رائعة تبعد نحو 240 كيلومتراً عن الساحل الأفريقي، وقد أهّلها تنوعها البيولوجي، الذي يضم 825 نوعاً من النباتات، للانضمام إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو، حيث أن أكثر من ثلث هذه الأنواع لا يوجد في أي مكان آخر في العالم.
توحي أشجار الزجاجة، التي تبرز جذوعها المنتفخة من خلال الصخور، بمظهر يشبه المنحوتات، بينما تبرز أغصان شجرة دم التنين الملتوية نحو السماء كأنها جزء من خيال جغرافي، ويبدو شكلها الغريب أشبه بروايات دكتور سوس أكثر من كونه جزءاً من غابة طبيعية.
تشتهر هذه الأشجار بمظلاتها على شكل فطر ونسغها الأحمر، الذي يتدفق من خشبها. ورغم أنها كانت في السابق كثيرة العدد، أحدثت الأعاصير المتزايدة ورعي الماعز الغير المحلي والاضطرابات المستمرة في اليمن ضرراً بليغاً عليها وعلى البيئة الفريدة التي تنتمي إليها.
تستقبل الجزيرة حوالي 5 آلاف سائح سنوياً، وينجذب الكثيرون لجمال غابات دم التنين، ويرتبط اسم هذه الشجرة، التي قد تصل إلى ارتفاع 6 أمتار، بالدم بسبب النسغ الأحمر الداكن الذي ينزف من جذعها عند القطع، ولقد كانت هذه المادة تعتبر ذات قيمة كبيرة في الماضي.
يُشترط على الزوار استخدام مرشدين محليين والإقامة في مخيمات تديرها عائلات سقطرى لضمان توزيع عائدات السياحة في المواطنون المحلي، وإذا اختفت تلك الأشجار الرائعة، فإن الصناعة التي تعيل العديد من سكان الجزيرة ستختفي أيضاً.

تحفة نباتية وبيئية
تُعتبر شجرة دم التنين أكثر من مجرد تحفة نباتية؛ فهي عنصر أساسي في النظام الحاكم البيئي لجزيرة سقطرى. حيث تلتقط فروعها المتشابكة مع الأوراق الشبيهة بالمظلات الضباب والأمطار، وتنقلها إلى التربة، مما يساعد النباتات المجاورة على الازدهار في المناخ الجاف.
صرح عالم الأحياء البلجيكي كاي فان دام، المتخصص في حفظ البيئة والذي عمل في سقطرى منذ عام 1999، قائلاً: “عندما تفقد الأشجار، تفقد كل شيء، بما في ذلك التربة والمياه والنظام الحاكم البيئي بالكامل”.
وعبر علماء مثل فان دام عن قلقهم من أن هذه الأشجار قد تختفي خلال عدد قليل من القرون، ومعها كثير من الأنواع الأخرى إذا لم يتم التدخل، وقد أدت سنوات من تغير المناخ والرعي الجائر وحصاد سائلها الأحمر إلى تقليص أعداد هذه الشجرة المدهشة.
أضاف فان دام: “لقد نجحنا كبشر في تدمير مساحات شاسعة من الطبيعة في معظم جزر العالم.. سقطرى هي المكان الذي يمكننا فيه القيام بشيء حقيقي. لكن إذا لم نتخذ إجراءات، فإن المسؤولية تقع على عاتقنا”.
تتواجد أكبر بقايا غابة دم التنين على هضبة فيرمين الوعرة في سقطرى، حيث تتوزع آلاف المظلات الواسعة فوق جذوع رقيقة، وتجوب طيور الزرزور السقطري بين التيجان الكثيفة بينما تحلق النسور المصرية في وجه هبات الرياح العاتية. وفي الأسفل، تتنقل الماعز بين الشجيرات الصخرية.

رمز تحت التهديد
أظهرت دراسة أجريت في عام 2017 ونُشرت في مجلة “نيتشر”، أن وتيرة الأعاصير الشديدة قد ازدادت بشكل ملحوظ في جميع أنحاء بحر العرب خلال العقود الأخيرة، مما أدى إلى تأثيرات سلبية على أشجار دم التنين في سقطرى.
في عام 2015، تعرضت الجزيرة لعاصفة مدمرة غير مسبوقة، أسفرت عن اقتلاع آلاف الأشجار التي يعود تاريخ بعضها إلى قرون، وقد صمدت أمام عواصف سابقة عديدة. واستمر الدمار في عام 2018 مع إعصار آخر.
لكن الأعاصير ليست التهديد الوحيد؛ فعلى عكس أشجار الصنوبر أو البلوط التي تنمو بسرعة تتراوح بين 60 و90 سنتيمتراً سنوياً، تنمو أشجار دم التنين بمعدل بطيء يصل إلى 2 إلى 3 سنتيمترات فقط سنوياً. وبحلول وقت نضوجها، تكون الكثير منها قد تعرضت لخطر غير مرئي هو رعي الماعز.
تستهلك الماعز التي تسرح بحرية الشتلات قبل أن تتمكن من النمو خارج المنحدرات الوعرة، ولا تستطيع أشجار دم التنين الصغيرة البقاء إلا في المشاتل المحمية فقط.
أوضح آلان فورست، عالم التنوع البيولوجي في مركز زراعة نباتات الشرق الأوسط التابع للحديقة النباتية الملكية في إدنبرة بإسكتلندا، قائلاً: “معظم الغابات التي تم مسحها هي غابات ناضجة، لذلك لا توجد أشجار صغيرة أو شتلات. لذا لدينا أشجار قديمة تتساقط وتموت، ولكن لا يحدث تجديد كبير”.
أضاف فورست: “بداخل هذه المشاتل والأحواض، يكون نمو النباتات وعمرها أفضل بكثير. وبالتالي ستكون أكثر قدرة على التكيف مع تغييرات المناخ”. لكن جهود الحفظ هذه تُعقَّد بالحروب والأوضاع المتوترة في اليمن، كما يتضح من واقع الحال في هذه الجزيرة الساحرة.

قال عبد الرحمن الإرياني، مستشار في شركة “غلف ستيت أناليتيكس”، وهي شركة لاستشارات المخاطر مقرها واشنطن: “يركز صانعو السياسات على استقرار البلاد وضمان استمرار الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. أما معالجة قضايا المناخ، فهي تعتبر ترفاً”.
مع قلة الدعم وغياب المؤسسات، تُبقى جهود الحفظ في أغلبها لأبناء سقطرى. لكن الموارد المحلية شحيحة، كما يقول سامي مبارك، مرشد سياحي بيئي في الجزيرة.
يشير مبارك كوبي، المسؤول السياحي في سقطرى، إلى أعمدة سياج مشتل عائلته المائلة والتي تم ربطها بأسلاك رقيقة، مبينًا أنها لن تصمد طويلاً أمام الرياح والأمطار. وقال إن تمويل مشاتل أكثر متانة مزودة بأعمدة سياج إسمنتية سيكون له تأثير كبير على هذا الكنز الذي لا يمكن التفريط فيه.