تتناول المقالة تجربة السفر عبر “منصات تبادل الضيافة” مثل “كاوتش سيرفينغ”، التي توفر إقامة مجانية وتفاعلاً مع السكان المحليين، مما يعزز التجارب الثقافية. بدأت هذه المنصات في الغرب وتوسعت عالميًا، وهناك منصات مثل “مرحبا بك” و”جذور الثقة”. تركز المقالة على فوائد مثل تقليل التكاليف والانغماس في الثقافة، لكن تأنذر من المخاطر مثل انعدام الأمان والانتهاكات المحتملة. تتضمن نصائح لتحسين الأمان، مثل اختيار مضيفين موثوقين وقراءة التقييمات. في النهاية، تعتمد تجربة المستخدم على وعيه والإجراءات المتخذة للحفاظ على سلامته أثناء السفر.
هل استيقظت يومًا على أريكة شخص غريب تمامًا في منزل بمدينة وصلت لها مؤخرًا؟ وهل قضيت وقتًا ممتعًا مع أشخاص لم تراهم من قبل في مكان جديد تقضي فيه عطلتك؟ وهل جربت أن تكون شجاعًا ومنفتحًا وفضولياً تجاه زوار مدينتك، وتعرض عليهم اصطحابهم في جولة محلية لاستكشاف المعالم أو تجربة مطعم محلي؟
في هذا المقال، سنأخذك في رحلة لاستكشاف “منصات تبادل الضيافة وخدمات السفر المحلية”، وكيف يمكنك من خلالها الاستمتاع بتجربة سفر ممتعة ومفيدة، مع تجنب المخاطر المحتملة المتعلقة بهذه المنصات.
ما هي هذه المنصات؟
تُعتبر “منصات تبادل الضيافة” أو “HospEx” أحد أشكال الخدمات التشاركية المستندة إلى الشبكات الاجتماعية، حيث توفر أماكن إقامة وخدمات سياحية مجانية للمسافرين دون أي تكلفة. يقوم هذا النموذج على الثقة والتفاعل بين الأفراد، حيث يتمكن الزوار من الإقامة مع السكان المحليين في المدينة التي يسافرون إليها، مما يتيح لهم تجربة تبادل ثقافي مع الغرباء.

ظهرت هذه الخدمات كبديل للتجارب السياحية التجارية في العقدين الماضيين في الغرب، مما أتاح للمسافرين حول العالم التنقل بطريقة منخفضة التكلفة وأكثر إنسانية واحتكاكًا بالسكان المحليين، وقد بدأ التعامل مع هذه المنصات مؤخرًا في المنطقة العربية.
تطورت هذه المنصات لتشمل مجتمعات رقمية تعمل على مبادئ الاستضافة، حيث يتبادل الأعضاء الخبرات ويتعرفون على ثقافات جديدة، ويكونون علاقات ودية عبر العالم، مما يجعلها أكثر من مجرد بدائل للفنادق، بل شكلاً من أشكال التواصل عابرة للحدود.
منصة “كاوتش سيرفينغ”
مصطلح “كاوتش سيرفينغ” (Couchsurfing) يعني الانتقال بين منازل مختلفة والإقامة ببساطة في أي مكان متوفر مثل الأريكة. تأسست هذه المنصة كمنظمة غير ربحية في سان فرانسيسكو عام 2003، وأصبحت واحدة من أبرز منصات تبادل الضيافة على مستوى العالم.

تقدم المنصة تجربة سفر فريدة، مما يتيح لك طلب إقامة قصيرة مجانية عند مضيفين محليين في أي بلد، مما يمنحك فرصة لاكتشاف الأماكن من وجهة نظر السكان، وبطريقة أكثر ألفة، وخاصة للمسافرين المنفردين، بالإضافة إلى إمكانية استضافة مسافرين وتبادل الثقافات وبناء صداقات عالمية.
إلى جانب الإقامة، تمنحك “كاوتش سيرفينغ” فرصة للتعرف على مدينتك عبر الانضمام إلى المواطنون المحلي، حيث تُنظم فعاليات مثل لقاءات تبادل اللغات، دروس الرقص، ونشاطات استكشاف المدينة، مما يمنحك فرصًا لتكوين صداقات جديدة وتوسيع دائرتك الاجتماعية، بالإضافة إلى التعرف على الثقافة المحلية بشكل أعمق.

على الرغم من اعتماد المنصة على مبدأ الضيافة المجانية، فقد تم اعتماد نموذج اشتراك مدفوع في بعض البلدان منذ مايو/أيار 2020، مع التأكيد على أن المضيفين لا يمكنهم فرض أي مقابل على إقامة ضيوفهم، ولكن يمكن تقديم ردا لمضيفك، مثل هدية بسيطة أو إعداد وجبة لأجلهم، أو حتى تعليمهم كلمات من لغتك الأم، تقديرًا لوقتهم وقبولهم لطلبك.
منصات ضيافة أخرى
بجانب “كاوتش سيرفينغ”، هناك العديد من المنصات التي تربط المسافرين بالسكان المحليين من أجل الإقامة أو التجارب الثقافية أو تنظيم الجولات. وتجدر الإشارة أن معظم هذه المنصات نشأت في الغرب نتيجة انتشار ثقافة التنقل، خصوصًا في دول الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، والولايات المتحدة. ومن أبرز هذه المنصات:
“مرحبا بك”
منصة مرحبا بك “BeWelcome” هي منصة ضيافة غير ربحية يديرها متطوعون، تأسست في فبراير/شباط 2007 في فرنسا، وتعتبر الأكبر عالميًا، حيث تضم أكثر من 254 ألف عضو من 222 دولة. تعتمد المنصة على مبدأ الضيافة المجانية دون أي رسوم تسجيل أو اشتراك، حيث يقدم المضيفون أماكن إقامة متنوعة للمسافرين بلا أي مقابل.

“جذور الثقة”
“جذور الثقة” (Trustroots) هي منصة غير ربحية، تم تسجيلها في برلين عام 2014، ويبلغ عدد أعضائها حاليًا 120 ألفًا، كما يمكن الاشتراك بها عبر موقعها دون أي رسوم.

تتمثل مهمة المنصة في تشجيع الثقة وروح المغامرة، والتواصل بين الثقافات، حيث توفر منصة تجمع الأشخاص ذوي الاهتمامات المشتركة عبر دوائر أو مجموعات متخصصة في أنشطة متنوعة مثل ركوب الدراجات، والتسلق، بالإضافة إلى محبي الطبخ وهواة التصوير، وحتى مجموعة للنباتيين، بهدف تبادل الخبرات عبر المنتديات والمدونات الخاصة بالمنصة.
“استضيفي أختا”
ظهرت منصة “استضيفي أختا” (Host A Sister) عام 2019 كمجموعة على “فيسبوك”، أسستها مسافرة منفردة لتوفير بيئة آمنة للمسافرات ومساعدتهن في استضافة بعضهن حول العالم بلا مقابل.
كبرت المجموعة سريعًا لتضم أكثر من 703 ألف عضوة من مختلف البلدان، بفضل المبادرات التي أطلقتها لتعزيز ثقة النساء وتمكينهن من التعرف على ثقافات جديدة.
توفر المنصة العديد من الخدمات الموجهة للنساء لتعزيز الأمان والدعم المتبادل أثناء السفر، ومن أبرز هذه الخدمات ميزة الاستضافة، حيث تقوم العضوات بتقديم مساحات إقامة داخل منازلهن لاستقبال المسافرات.

كيف نختار مضيفًا بشكل صحيح؟
للعثور على مضيف موثوق، إليك بعض النصائح:
- تحقق من الملف الشخصي: اختر مضيفين لديهم ملفات مكتملة وصور واضحة وقصص شخصية، فكلما كان الملف أكثر تفصيلاً كلما زادت الثقة.
- اقرأ التقييمات والتعليقات: يُفضل قراءة التعليقات بعناية، مما يعكس مدى موثوقية المضيف وتعامله، اختر مضيفين بمراجعات إيجابية كثيرة.
- التواصل المسبق بفاعلية: ناقش توقعاتك مع المضيف وتنوّه من التفاصيل المهمة، وتعرف عليه أكثر.
- حافظ على المحادثات داخل المنصة: من المهم إبقاء جميع الرسائل ضمن المنصات الرسمية وتجنب الانتقال إلى تطبيقات خارجية لجعل معلوماتك آمنة وأفضل لتوثيق المحادثات، مع ضرورة عدم الكشف عن معلومات شخصية مبكرًا.
- وضع خطط بديلة: أخبر شخصًا موثوقًا بمكان إقامتك وضع خطة بديلة في حال حدوث أي شيء غير مألوف.
تجربة المنصات: بين المغامرة والمخاطر
في السنوات الأخيرة، اكتسبت منصات تبادل الضيافة مثل “كاوتش سيرفينغ” شهرة واسعة بين الفئة الناشئة والمغامرين، لما توفره من بدائل غير تقليدية للإقامة وتجارب أكثر إنسانية.

هذه المنصات لا توفر فقط الإقامة المجانية، بل تمنح المسافرين فرصة فريدة للتفاعل مع الثقافة المحلية والتعرف على أشخاص مختلفين ومشاركة القصص. ولكن، قد تأتي هذه المزايا مع مخاطر وتحديات لا بد من أخذها بعين الاعتبار، خاصة من الناحية الاستقرارية، خصوصًا بالنسبة للسيدات المسافرات بمفردهن.
ومن أبرز المخاطر المحتملة:
- الاختلافات بين التوقعات والواقع: قد يفاجأ الشخص عند الوصول إلى مكان الإقامة بظروف غير متوافقة مع ما وُصف، سواء من ناحية النظافة أو الراحة أو التصرفات.
- غياب الشعور بالأمان: في بعض الأحيان، قد يشعر الضيف أو المضيف بعدم الارتياح أثناء اللقاء المباشر.
- انتهاك الخصوصية: البقاء في منزل شخص غريب قد يقلص من خصوصيتك.
- دوافع خفية: بعض الأشخاص يستغلون المنصات لأغراض بعيدة عن الضيافة أو التبادل الثقافي، كالحاجة إلى التواصل الحميم أو لأغراض غير معتادة.
- استغلال النساء: يجب على النساء اللواتي يسافرن بمفردهن توخي الأنذر من طلبات الاستضافة من الرجال، حيث قد يتعرضن لمحاولات تحرش.
- المضايقات والسلوك العدواني: قد تتراوح المواقف من الانسحاب الفوري إلى حالات تتعلق بالعدوان الجسدي أو اللفظي.
ماذا عن التجارب الشخصية؟
تشير العديد من الشهادات إلى أن معظم تجارب استخدام منصات الضيافة إيجابية ومثرية، لكنها قد تحتوي أحيانًا على لحظات من القلق. تشير واحدة من المستخدمين إلى أن معظم المضيفين كانوا رجالًا، مما يؤدي إلى ضرورة أن تتعلم النساء قول “لا” بوضوح وثقة.
فالتالي، كمسافرة بمفردك، يجب عليك التعلم كيف تضع حدودك بطريقة واضحة لحمايتك. تعتبر هذه المهارة ضرورة ليس فقط للحماية، بل درسا مهمًا في الحياة يساعدك على فهم حدودك الشخصية.

أحد المسافرين يشير إلى تجربته قائلًا: “رغم أنني مررت بعشرات التجارب الإيجابية مع مضيفين عبر المنصات، واجهت أيضًا بعض التجارب السلبية، ولكنها غالبًا ما كانت مقلقة فقط وليست خطرة. ومدرك تمامًا أن كوني رجلًا جعلني أشعر بالأمان أكثر.”
أما تجربة أخرى لفتاة تسافر، تؤكد بعد استخدام منصات الضيافة مع عدة مضيفين حول العالم، أن أفضل وسيلة للتقليل من المخاطر هي:
– يُفضل السفر مع رفيق موثوق، فوجود شخص آخر يجعلك تشعر بالأمان.

– البحث عن مضيفين لديهم حسابات موثقة، ويفضل اختيار من لديهم تقييمات إيجابية، من الأفضل قراءة ما لا يقل عن خمس مراجعات.
– توضيح النطاق الجغرافي الشخصية بشكل جلي قبل وأثناء الإقامة لتفادي أي سوء تفاهم.
– إبلاغ شخص مقرب بتفاصيل إقامتك، مثل التاريخ والمدينة واسم المضيف، ليكونوا على تواصل معك إذا دعت الحاجة.
هل هذه المنصات آمنة؟
لا توجد إجابة قاطعة، إذ تؤكد معظم التجارب أن مستوى الأمان نسبي ويعتمد على صدق الأعضاء وتفاعلهم مع مجتمع متنوع الثقافات. على الرغم من أن اتباع الاحتياطات قد يقلل المخاطر، إلا أن الاعتماد الأكبر يعود على وعي المستخدم، وحدسه، وقراءته الجيدة للملفات الشخصية والتقييمات.

تظل المنصات مجتمعات مفتوحة تضم ملايين المستخدمين، مما يعني أن المخاطر لا يمكن إلغاؤها تماماً، ولكن يمكن إدارتها بأنذر. هنا تأتي القاعدة الذهبية: المنصات توفر وسيطًا يمكن استخدامه بشكل إيجابي أو سلبي، لكن سلامة التجربة تقع على عاتق المستخدم ذاته.