بعد إطاحة بشار الأسد في ديسمبر 2024، بدأت سوريا مرحلة انتقالية تهدف إلى تفكيك رموز نظامه وبناء هوية وطنية جديدة. تقوم السلطات بإزالة صور الأسد وعائلته من المؤسسات السنةة، مع تغيير أسماء الشوارع والساحات إلى دلالات وطنية. رغم هذه التغييرات، لا تزال العملة السورية تحتوي على صورهم، وتناقش السلطة التنفيذية إصدار عملة جديدة. كذلك، تم تعديل أسماء المساجد والمراكز الدينية. الباحث فيصل سليم يرى أن هذه التغييرات ليست رمزية، بل تمثل خطوات نحو بناء سوريا ديمقراطية جديدة، في ظل جهود لتحديث الوثائق الرسمية بما يتوافق مع الهوية الوطنية.
مراسلو الجزيرة نت
دمشق- بعد سقوط بشار الأسد في ديسمبر 2024، بدأت سوريا مرحلة انتقالية هامة تضمنت تفكيك رموز نظامه السابق، بما في ذلك أسرته ومؤسسات حزب البعث. ووفقًا لمسؤولين في السلطة التنفيذية السورية الجديدة، فإن هذا المسار يسعى لبناء هوية وطنية جديدة تعزز العدالة الانتقالية وتفتح المجال لإعادة الإعمار السياسي والاجتماعي.
بدأت السلطات السورية الجديدة بالتعاون مع فرق تطوعية بإزالة صور وتماثيل القائد المخلوع بشار ووالده حافظ الأسد من المؤسسات السنةة، مثل المدارس والمستشفيات والمباني الحكومية، وشمل ذلك أيضًا إزالة الشعارات واللافتات التي كانت تمجد حزب البعث.
دلالات وطنية
يذكر إبراهيم زيدان، مسؤول فريق تطوعي مختص بإزالة رموز النظام الحاكم السابق من المحلات والجدران في عدة محافظات سورية، أن السلطات قامت أيضًا بتغيير أسماء الشوارع والساحات التي كانت تُسمى باسم عائلة الأسد أو رموز حزب البعث، وحلت محلها أسماء تعبر عن الوطنية والتراث السوري، مثل “ساحة الثورة” و”شارع شهداء الحرية”. كما تم وضع عبارات لأشخاص سوريين معارضين مثل الفنانة الراحلة مي سكاف، “هي الثورة ثورتي لموت”.

كما تم تغيير -يضيف زيدان للجزيرة نت- اسم “جامعة البعث” في مدينة حمص إلى “جامعة حمص”، و”جامعة تشرين” في اللاذقية إلى “جامعة اللاذقية”، و”مكتبة الأسد” في دمشق إلى “مكتبة دمشق”.
وشملت التغييرات أيضًا تغيير اسم “جسر القائد” المعروف في العاصمة دمشق إلى “جسر الحرية”، وأطلق على ملتقى طرقي في مدينة حماة اسم “دوار شاهين”، نسبة للطائرة المُسيَّرة التي لعبت دوراً مهماً في معركة رد العدوان وأسفرت عن سقوط الأسد.
معضلة العملة
من ناحية أخرى، لا تزال العملة السورية المتداولة تحمل صور بشار الأسد (فئة 2000 ليرة) وحافظ الأسد (فئة 1000 ليرة)، ولم يتم سحب أي إصدار رسمي من التداول حتى الآن، رغم المدعا المدنية المتكررة بإزالتها.
تبحث السلطة التنفيذية المؤقتة في إمكانية إصدار عملة جديدة بتصميم عصري يعبر عن الهوية الوطنية السورية، قد تشمل إمكانية حذف الأصفار وإزالة صور عائلة الأسد بالكامل.
يقول الخبير الماليةي أسامة العبد الله للجزيرة نت، إن سحب العملة وتغيير رموز آل الأسد من الأوراق النقدية يحتاج إلى وقت طويل، لأن الدولة لا تزال في طور التشكيل. وهو لفت إلى وجود اتفاق مع روسيا لطباعة العملة، ولا يمكن التخلي عن هذا الاتفاق إلا بعد انتهائه والتعاقد مع دول أخرى لطباعة عملة جديدة بتصميم جديد.
وأضاف أن مصرف سوريا المركزي نشر بيانًا توضيحيًا بشأن الأنباء المتعلقة بطباعة الليرة السورية في دول جديدة بدلاً من روسيا، ونوّه أنه لم يُتخذ أي قرار بهذا الشأن.
ونوّه أن إنهاء طباعة العملة الوطنية في روسيا غير ممكن في الوقت الحالي، وأن العملية مستمرة مع الشركة الروسية المتعاقد معها، وذلك ضمن “خطط المصرف لتأمين احتياجات القطاع التجاري من العملة الوطنية”، حيث تتم الطباعة وفق “المعايير الموثوقة ووفق اتفاقيات رسمية تضمن جودة الطباعة وسلامة الإجراءات المتبعة” مشيرًا إلى أن الموضوع يتطلب تقييمات دقيقة تشمل الجوانب الماليةية والفنية.

إعادة البناء
في إطار مماثل، قامت العديد من مراكز المحافظات الحكومية بإزالة أسماء عائلة الأسد من المساجد والمراكز الدينية ومراكز تحفيظ القرآن، التي كانت تحمل أسماء مثل “جامع باسل الأسد”، واستُبدلت بأسماء رمزية مثل “جامع الأمل” أو “جامع النور”، بالإضافة إلى “معاهد الأسد لتحفيظ القرآن”.
ويشير الباحث السياسي فيصل سليم إلى أن إزالة آثار نظام الأسد وحزب البعث ليست مجرد خطوة رمزية، بل تعتبر جزءاً من إعادة بناء سوريا الحديثة على أسس ديمقراطية، كما تعكس الاتجاه الشعبي تجاه تجاوز مرحلة الاستبداد وفتح صفحة جديدة من التعددية والانفتاح الوطني.
وأضاف للجزيرة نت، أن العمل متواصل أيضًا لتعديل البطاقة الشخصية وجواز السفر الحكومي، الذي لا يزال يحمل علم النظام الحاكم السابق ذو النجمتين، مبينًا أن هذا الأمر لن يتم إلا بعد إجراء إحصاء سكاني قد يستغرق عدة سنوات، وبعدها سيتم إصدار جوازات سفر وبطاقات شخصية جديدة لكل السوريين تحمل تصميمًا يُعبر عن هوية الدولة الجديدة.