كتب الطيب صالح في “موسم الهجرة إلى الشمال” عن تأثير الحرب على الكلمة والإنسان، حيث واجه الكتاب السوداني تحديات جديدة إثر النزاع المستمر منذ أبريل 2023. العديد من الكتّاب لجأوا للنشر خارج البلاد، ما ساهم في زيادة تواجدهم في معارض الكتب الدولية. رغم استمرار الحرب، شاركت خمس دور نشر سودانية في معرض الدوحة الدولي للكتاب، متجاوزة التحديات. العديد من الأعمال الأدبية تناولت الحرب، مثل روايتي “ما مضى من غرام” و”همس بصدري لو تسمعون”. يتحدث الخبراء عن مستقبل الكتاب الورقي في ظل تصاعد الكتاب الرقمي والسمعي، بينما تسعى دور النشر للحفاظ على حضورها في الساحة الأدبية.
عبّر الأديب السوداني الطيب صالح من خلال شخصية مصطفى سعيد، بطل رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”، عن أن “البواخر أول مرة عبرت النيل محملة بالمدافع لا بالخبز”. فالحروب تزرع المدافع وتغلق الأبواب على الكلمة، مزيحة الأفكار والأحلام عن المشهد. بينما ينحاز الكتاب للسلام والعلم، فمن دون الكتاب، من يفتح أبواب المعرفة والخيال؟
تعد مشاركة الأعمال السودانية في معارض الكتب العربية تقليدًا قديمًا يهدف أساسًا إلى تعزيز انتشار الكتاب السوداني خارج النطاق الجغرافي الوطنية.
لكن بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023، أصبح الأمر يتجاوز مجرد البحث عن الانتشار، حيث وجد معظم الكتّاب والقراء أنفسهم خارج السودان، مما دفع الكثير من الكتّاب إلى النشر في دور نشر غير سودانية بسبب ضرورة الهروب من الحروب.
ورغم دخول الحرب عامها الثالث، شاركت خمس دور نشر سودانية في الدورة الحالية من معرض الدوحة الدولي للكتاب، مقدمة مجموعة متنوعة من الإصدارات في مجالات الفكر والإستراتيجية والأدب والتاريخ.

أدب الحرب
في جنبات المعرض، التقى المراسل مع القاص والناقد منهل حكر الدور، حيث تحدث عن الإنتاج السوداني خلال سنوات النزاع قائلاً: “لا يمكن للحرب أن توقف المعرفة، ورغم أن القراء المشردين قد يفوت عليهم الوصول إلى الإصدارات، فإن وجود العديد من دور النشر السودانية خارج البلاد بسبب الحرب قد عزز من حضورها في المعارض الدولية ومنح الأدب السوداني فرصًا أكبر للانتشار بالرغم من الظروف الصعبة في الداخل”.
وواصل حكر الدور قائلاً: “نعم، ظهرت العديد من الأعمال التي اعتمدت الحرب كمحور رئيس، مثل رواية ‘ما مضى من غرام’ للحسن بكري، التي تتناول الإبداع والعمل الثوري، وتقاطعاته مع القضايا الملحة في ظل واقع الحرب. كما يعبر كتاب ‘همس بصدري وقد تسمعون’ للكاتبة الشابة أزهار حافظ عباس، عن الحرب وتبعاتها من قتل وتشريد، ورغبة عميقة في السلام”.

مشاركات رغم أنف الحرب
فيما يتعلق بمشاركة دور النشر السودانية سنويًا في معرض الدوحة للكتاب، نوّه نور الهدى محمد نور الهدى، مالك ومدير دار عزة للنشر، الأمين السنة لاتحاد الناشرين السودانيين، أن “معرض الدوحة يعتبر من أبرز المعارض في العالم العربي، حيث يتميز بالتنظيم والدعم الكبير للناشرين”.
ويضيف نور الهدى: “إصرارنا على المشاركة في المعرض سنويًا يهدف إلى تقليص الفجوة التي نتجت عن انقطاع العلاقة بين الجاليات السودانية في الخارج ومنتج الكتاب السوداني داخل الوطن بسبب الحرب. ومع وجود عدد كبير من السودانيين في الدول العربية، يزداد حرصنا على إيصال الكتاب إليهم”.
“إصرارنا على المشاركة السنوية في المعرض يهدف إلى جسر الفجوة الناتجة عن انقطاع العلاقة بين الجاليات السودانية في الخارج والمنتوج الكتابي السوداني بالداخل بسبب الحرب، ومع وجود عدد كبير من السودانيين في الدول العربية ازدادت حاجة إيصال الكتاب إليهم”
من بين دور النشر غير السودانية التي نشرت أعمال كتّاب سودانيين هذا السنة هو المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الذي نشر للبروفيسور أحمد أبو شوك كتاب “اتفاقيات السلام السودانية 1972-2020″. الكتاب يتناول مسار اتفاقيات السلام في السودان خلال استمرار الحرب التي تعصف بأطراف البلاد.
كما أصدرت دار مياسين الخير في الشارقة 3 كتب للروائي أيمن الخير، بينما نشرت دار بصمة القطرية كتابًا للأطفال للممثل المعروف محمد السني دفع الله، ومجموعة قصصية للكاتب عمر شمس الدين تحت عنوان “مغامرات مخطوط”.

“الارتكازات”.. ضد المواطن والكتاب
على الرغم من أن القوانين الدولية تكفل حرية التنقل، بما في ذلك الحركة البرية والبحرية والجوية، فقد انتشرت نقاط التفتيش العسكرية المعروفة باسم “الارتكازات” بكثافة في مناطق سيطرة القوات المسلحة السوداني وقوات الدعم السريع نتيجة النزاع المستمر. هذه القوات فرضت قيودًا على حركة المدنيين والبضائع، حيث شهدت عمليات تفتيش ونهب واسعة، مما أدى إلى تعطل حركة التجارة إلى ميناء بورتسودان، والذي يعد المعبر الوحيد إلى الخارج، وبالتالي تعذر نقل إنتاج دور النشر من الكتب إلى خارج البلاد.

صعوبات النشر في ظل الحرب
تواجه دور النشر السودانية العديد من التحديات والصعوبات لنقل الكتب من السودان إلى معارض الكتب العربية. وشحن الكتب من الخرطوم أصبح عملاً صعبًا وسط النزاع، لذا انتقلت بعض الدور إلى عواصم بديلة مثل القاهرة والإمارات، واستفادت الناشرون من المعروضات في المعارض الخارجية وبعض الكتب المعادة طباعتها في القاهرة.
يقول خالد عباس يس، مدير التسويق في دار المصورات للطباعة والنشر، للجزيرة نت: “هذا السنة نشارك للمرة السابعة في معرض الدوحة الدولي للكتاب، ورغم التحديات في شحن الكتب وارتفاع تكاليفه، سنظل نشارك سنوياً بوجود جالية سودانية كبيرة”.
ويضيف عباس: “رغم أن مكتبتنا في الخرطوم لم تتضرر، لكن لأسباب تتعلق بالنشر انتقلنا إلى القاهرة لسهولة الطباعة، وبلغت إصداراتنا في معرض الدوحة هذا السنة 50 إصدارًا جديدًا، وهذا يظهر أن هناك كتّاباً جدد وعودة قدامى للكتابة حول الإستراتيجية والحرب، مما يؤكد أن مستقبل الكتاب في السودان واعد”.

مستقبل الكتاب الورقي
في ستينيات القرن الماضي، شهد العالم العربي نشاطًا ثقافيًا حيويًا يرافقه تشجيع رسمي واحتفاء شعبي بالقراءة والكتاب.
“ستتدهور صناعة الكتاب الورقي؛ فالمستقبل سيكون للكتب الإلكترونية والسمعية، وسيندثر الكتاب الورقي مع انتهاء جيل شهد اختراعه.”
بعد مرور قرابة سبعة عقود، يصرح نور الهدى قائلًا: “ستتدهور صناعة الكتاب الورقي، فالمستقبل سيكون بالكامل للكتب الإلكترونية والصوتية، وسيندثر الكتاب الورقي مع انتهاء الجيل الذي عاصر إنتاجه”.
ويستطرد قائلاً: “في ظل زيادة تكاليف النشر والطباعة وقرصنة الكتب، إضافة إلى الحرب الحالية، يبدو مستقبل الكتاب الورقي هزيلًا، فمع تطور تكنولوجيا الطباعة لم يعد الناشر بحاجة لطباعة كميات ضخمة وتخزينها؛ فالتكلفة واحدة سواء تم طباعة نسخة واحدة أو ألف نسخة”.
“في ظل ارتفاع تكلفة النشر والطباعة وقرصنة الكتب، فإن مستقبل الكتاب الورقي ضعيف، فبتطور تكنولوجيا الطباعة أصبح الناشر لا يطبع كميات كبيرة حتى يصاب بسعر جيد، بل التكلفة ثابتة سواء تمت طباعة نسخة واحدة أو ألف نسخة.”
تجدر الإشارة إلى أن الدورة الحالية لمعرض الدوحة الدولي للكتاب هي رقم 34، انطلقت في 8 مايو/أيار، وتعتبر الدورة الأكبر في تاريخه من حيث عدد دور النشر المشاركة من داخل وخارج قطر.
أقيم المعرض تحت شعار “من النقش إلى الكتابة” في مركز الدوحة للمعارض والمؤتمرات، وتم اختيار دولة فلسطين كضيف شرف لهذا السنة.
وقد بلغ عدد دور النشر المشاركة 522 ناشرًا من 42 دولة، بما في ذلك 11 ناشرًا من فلسطين يمثلون مشاركتهم الأولى.
كانت البداية الأولى للمعرض في عام 1972 تحت إشراف دار الكتب القطرية، حيث كان ينظم كل عامين حتى عام 2002، ثم تحول إلى معرض سنوي بعد النجاح في جذب أهم دور النشر في المنطقة العربية.