جنسية بآلاف الدولارات”: هل تستحق الجوازات السريعة ثمنها الباهظ؟
هل سمعت يومًا عن إمكانية الحصول على جنسية وجواز سفر خلال أيام أو أسابيع مقابل بضع آلاف من الدولارات؟ هذا يبدو وكأنه صفقة العمر، ولكن هل هي كذلك فعلاً؟ وما هي الدوافع الحقيقية للدول التي تعرض جنسيتها للبيع بهذه السهولة؟ وهل تحمل هذه الجوازات القيمة التي يعتقدها البعض؟ هذا المقال يستعرض الحقيقة الكاملة وراء ظاهرة “الجنسية مقابل المال”.
لماذا تمنح بعض الدول جنسيتها بسهولة؟
الدول التي تقدم برامج “الجنسية بالاستثمار” أو تبيع جنسيتها بأسعار زهيدة غالبًا ما تشترك في سمات معينة:
- ضعف اقتصادي: تعاني هذه الدول من نقص حاد في الاستثمار الأجنبي، وتفتقر إلى مصادر دخل مستقرة، مما يجعلها تبحث عن بدائل للعملة الصعبة.
- عدم استقرار سياسي: قد تكون هذه الدول تعاني من صراعات داخلية أو عدم استقرار سياسي مزمن، مما يؤثر على جذب الاستثمارات التقليدية.
- عزلة جغرافية: بعضها قد يكون معزولاً جغرافياً أو يفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتطوير قطاعات اقتصادية قوية.
لذلك، تلجأ هذه الدول إلى “بيع الجنسية” كسلعة، تماماً كما تبيع دول أخرى مواردها الطبيعية أو خدماتها، بهدف جلب الأموال اللازمة لدعم ميزانياتها أو مشاريعها التنموية.
أبرز الدول التي تمنح الجنسية مقابل المال أو بسهولة:
- جزر القمر: في العقد الماضي، اشتهرت ببرنامجها الذي كان يقدم الجنسية مقابل 5,000 إلى 7,000 دولار، وقد استُغل هذا البرنامج لتجنيس عديمي الجنسية. ورغم أن البرنامج لم يعد نشطاً رسمياً اليوم، إلا أن تقارير تشير إلى استمرار استغلاله بطرق غير مباشرة.
- هايتي: تُعد جنسيتها من الأضعف عالمياً. يمكن الحصول عليها بسهولة نسبية من خلال الإقامة أو الزواج، أو حتى عبر وسطاء بمبالغ قد لا تتجاوز 10,000 دولار، نظراً لضعف قوانينها وإجراءاتها.
- جمهورية إفريقيا الوسطى: دولة تعاني من حروب أهلية وصراعات مزمنة. تشير تقارير عديدة إلى وجود “سوق سوداء” للحصول على الجنسية مقابل 15,000 إلى 25,000 دولار، غالباً عبر وسطاء أو مسؤولين فاسدين يستغلون الفوضى.
- فانواتو: من أشهر الدول التي كانت تبيع الجنسية بشكل رسمي. كانت تُمنح خلال 30-60 يوماً مقابل تبرع لا يقل عن 130,000 دولار للحكومة، دون الحاجة للإقامة أو زيارة الدولة. وقد دخلت في شراكات عالمية للتسويق. لكن: جواز فانواتو خسر معظم قيمته مؤخراً بسبب مخاوف أمنية أبدتها دول أوروبية وأستراليا، مما أدى إلى سحب امتيازات السفر بدون تأشيرة.
- دومينيكا: دولة كاريبية صغيرة تقدم أحد أرخص برامج المواطنة الاقتصادية. تبدأ الأسعار من 100,000 دولار كتبرع للحكومة، أو 200,000 دولار كاستثمار في العقارات، وتُمنح الجنسية خلال 3 أشهر فقط. كانت تحظى بشعبية كبيرة بين رجال الأعمال، لكن تم تشديد الرقابة عليها مؤخراً من قبل الاتحاد الأوروبي بسبب مخاوف أمنية.
- سانت كيتس ونيفيس، أنتيغوا وبربودا، غرينادا: تقدم هذه الدول الكاريبية برامج مشابهة، بأسعار تتراوح بين 100,000 إلى 250,000 دولار. إلا أن جميعها أصبحت في مرمى نيران دول الاتحاد الأوروبي التي بدأت تتخذ إجراءات صارمة ضد هذه البرامج، معتبرة إياها “مخاطر أمنية”.
هل هذه الجنسيات فعّالة وتستحق الثمن؟
في حين أن أغلب هذه الجوازات قد تسمح بدخول ما بين 50 إلى 140 دولة، إلا أنها تواجه قيوداً ومشاكل جدية:
- لا تسمح بدخول الولايات المتحدة: لا تتيح لحامليها الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية دون تأشيرة.
- لا تسمح بدخول دول الشنغن (أوروبا): في معظم الحالات، يتطلب الدخول إلى دول منطقة الشنغن الأوروبية الحصول على تأشيرة، وقد تم إلغاء الإعفاءات لبعض هذه الجوازات مؤخراً.
- مشاكل في البنوك الدولية: يواجه حاملو هذه الجوازات صعوبات في فتح حسابات مصرفية أو إجراء معاملات في البنوك الدولية بسبب سياسات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
- تدقيق شركات الطيران والمطارات: تتعرض هذه الجوازات لتدقيق وتدقيق إضافي من قبل شركات الطيران ومسؤولي الهجرة في المطارات، مما قد يسبب إزعاجاً وتأخيراً لحاملها.
- الاستخدام في أنشطة غير قانونية: للأسف، تُستخدم بعض هذه الجوازات في أنشطة غير مشروعة، مما يجعل حامليها عرضة للشك والتدقيق المستمر.
هل هي حقاً “صفقة رابحة”؟
في الظاهر، قد تبدو فكرة الحصول على جنسية وجواز سفر سريعاً ومقابل مبلغ معين “صفقة رابحة” تتيح حرية الحركة. لكن الحقيقة أكثر تعقيداً:
- لا وزن دبلوماسي: هذه الدول غالباً ما تفتقر إلى الوزن الدبلوماسي أو النفوذ الدولي الذي يمكن أن يقدم حماية قنصلية فاعلة لحاملي جنسيتها في الأزمات.
- لا فرص اقتصادية فعلية: الحصول على جنسية هذه الدول لا يعني بالضرورة وجود فرص اقتصادية حقيقية أو بيئة جاذبة للاستثمار داخلها.
- احتمال سحب الجنسية: في ظل التغيرات السياسية أو التشريعية، أو بسبب الضغوط الدولية، فإن احتمال سحب الجنسية التي تم الحصول عليها بهذه الطرق وارد جداً، مما يجعل الاستثمار فيها محفوفاً بالمخاطر.
الخلاصة:
برامج “الجنسية مقابل المال” قد تبدو مغرية، خاصة لمن يبحث عن متنفس أو حرية حركة. لكنها ليست دائمًا كما تبدو في الإعلانات.
من المهم دراسة الإيجابيات والسلبيات بعناية، وطلب استشارة قانونية متخصصة قبل اتخاذ هذا القرار المصيري