يعاني النازحون شح مواردهم المالية للحصول على ما يقيهم أمطار الشتاء وبرده
في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة لم يجد تحسين في المرافق التعليمية التي تحولت إلى مراكز إيواء أي فصل دراسي فارغ يحتمي فيه من الضربات العسكرية الإسرائيلية، فقرر نصب خيمة قرب الحدود المصرية.
تجدد النزوح شكل ضغطاً
في الواقع عندما أمرت إسرائيل سكان مدينة غزة وشمال القطاع في الـ13 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بالتوجه نحو الجنوب، نزح أكثر من 1.8 مليون نسمة، توجه جزء منهم إلى محافظة رفح وشغلوا مراكز الإيواء، سواء التابعة للأمم المتحدة أم الحكومية.
وفي موجة النزوح الأخيرة التي بدأت في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، فرت غالبية النازحين إلى محافظة رفح، إذ وجدوا أن مراكز الإيواء تعاني اكتظاظاً شديداً فاضطروا إلى نصب خيام في الأراضي الفارغة بالقرب من حدود مصر.
وتؤكد الأمم المتحدة أن جميع مراكز الإيواء التابعة للأونروا في غزة تعاني اكتظاظاً شديداً، إذ بلغت طاقتها الاستيعابية في رفح أكثر من 500 في المئة مما هو مخطط له، مما يسبب عجزاً في مواصلة تقديم الاستجابة للنداءات الإنسانية.
إيواء على النفقة الشخصية
ولذلك قرر “تحسين” اللجوء في خيمة موقتاً حتى انتهاء الحرب، بحث الرجل كثيراً عن مزودي الخدمات الإنسانية ومستجيبي الطوارئ لمنحه خيمة مجانية ينصبها في أية بقعة على الأرض، لكنه فشل في الحصول على واحدة، وقرر إنشاء مأوى لعائلته على نفقته الشخصية.
بصعوبة وجد تحسين أمتاراً فارغة من الأرض، وعلى الفور أجلس عائلته ووضع أمتعته القليلة عليها ليوحي بأنه حجزها لتدشين خيمة، وأخذ يبحث عن آلية إنشاء المأوى، وقال “بالعادة هناك أشخاص معينون يعملون على بناء الخيام حسب الطلب”.
وسأل الرجل الذي يزيد عمره على 60 سنة، عن تكاليف تدشين خيمة متواضعة تقيه المطر ورياح الشتاء، وأضاف “طلبوا مني 150 دولاراً، هذا رقم كبير، كم تبقى معي من أموال حتى أدفع هذا المبلغ في مقابل إيواء بسيط سأزيله لا بل سأدمره بعد الحرب؟”.
تفاصيل التكاليف
ويتقسم ثمن الخيمة على جوانب عدة، الأول 35 دولاراً أجرة الشخص الذي سيعمل على بناء الإيواء، ونحو 60 دولاراً ثمن ألواح خشبية ستشكل هيكل الخيمة، و10 دولارات تكاليف شراء المسامير وبعض المستلزمات البسيطة الأخرى التي ستساعد في تثبيت الإيواء، و45 دولاراً سعر قطع النايلون أو القماش المشمع الذي سيلف به الخيمة ليحميها من المطر والرياح.
بتمعن استمع تحسين لتفصيل الأسعار، وأصيب بحال ممزوجة من الاندهاش والعصبية، وصرخ “هذا جزاء الصابرين الصامدين، الذين تحملوا مرارة العيش في غزة، حتى الإيواء أصبح مرتفع السعر، لدرجة أننا لا نقوى على تدشينه”. وفكر كثيراً في حل بديل، لكن جميع الأبواب مغلقة أمامه، فلا يوجد له أقارب أو معارف في محافظة رفح، ولا مدرسة إيواء أو أي مكان آخر فارغ يذهب إليه، وقرر بناء الخيمة بنفسه لتوفير 35 دولاراً كان سيدفعها أجرة للشخص الذي يعمل على تدشين الخيام.
بالعادة يعيش النازحون في ثلاثة أماكن، إما في المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، أو عند معارف سواء كانوا أصدقاء أم أقارب، وجزء منهم في خيام منحتهم إياها المؤسسات الدولية ومستجيبي الطوارئ أو نصبوها على نفقتهم الشخصية.
شح الأموال وتضخم الأسعار
واشترى تحسين تكاليف إنشاء الخيمة في مقابل 115 دولاراً، وأخذ يثبت الأخشاب في الأرض، ينصب الهيكل ويطرق المسامير، وبعد ساعات تمكن من تجهيز الإيواء لعائلته. وقال “نحن فقراء في غزة، ونعاني كل شيء سيئ، وهذا حالنا قبل الحرب، فما بالك في فترة الحرب الطويلة، لقد نفدت أموالنا، ولم نعمل ليوم واحد لنحصل النقود وفي المقابل الحياة تغيرت وأصابها التضخم”.
ما حدث مع تحسين مر به جميع النازحين الذين قرروا بناء خيام إيواء على نفقتهم الشخصية، إذ دفع أغلبهم 150 دولاراً، لكن ذلك الأمر أثار غضبهم، وشكل لهم صدمة هو عدم تلبية المؤسسات الإغاثية لنداء الاستغاثة في ظروف مثل حرب غزة.
وفي منطقة دير البلح وسط القطاع، بالقرب من مستشفى الأقصى، قرر “خميس” نصب خيمة، وعندما سمع التكاليف ضرب كفاً على وجهه من الصدمة وقال “500 شيكل، أي 150 دولاراً، هذا كثير، ولا يصدق، لقد خرجت من تحت الأنقاض برفقة ثلاثة من أطفالي، ولا يوجد معي مال كاف”. وأضاف “جئت للمستشفى حتى أحصل على خيمة مجاناً، لكن لم أجد، على هذا الحال سيكلفني الإيواء أكثر من 500 دولار، بعد بناء الخيمة سأحتاج إلى بساط لأفرده على الأرض وأغطية للشتاء وفراش وطعام وشراب، وكل هذا يتطلب المال”.
صعوبة في تلبية النداءات الإنسانية
في الواقع شيدت “أونروا” في بداية الحرب معسكر خيام للنازحين في منطقة المواصي في مدينة خان يونس جنوباً، ولكن بعد تطور العمليات العسكرية وتوغل إسرائيل في تلك المنطقة نزح السكان بفعل الضربات الجوية وتركوا الخيام مكانها.
وصرح المتحدث باسم “أونروا” كاظم أبو خلف أن “النداءات الإنسانية أكبر بكثير من قدرتنا على الاستجابة وعدد النازحين ضخم ومحشور في بقعة صغيرة، هذا يجعلنا نواجه صعوبة في توفير متطلبات الإيواء”، وتابع “تسببت العمليات العسكرية في تشريد أغلب السكان وحاولنا تلبية النداءات، لكن ما يتدفق إلى القطاع ما زال محدوداً ولا يتناسب مع المتطلبات، نبذل جهود أضعاف قدرتنا لتوفير خيام إيواء لأكبر عدد من النازحين”.
وأشار أبو خلف إلى أن “الحل الأمثل يكون في وقف إطلاق النار والاستجابة لنداء الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك لدواع إنسانية، فعملية الاستجابة للنداءات الإنسانية باتت محدودة ونحن غير قادرين على العمل في ظروف الحرب الإسرائيلية”.
المصدر :إندبندنت