إعلان

يترقب المستثمرون والأسواق بكثير من الاهتمام صدور بيانات أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة لشهر أبريل، وسط توقعات بأنها قد تكشف عن تسارع في وتيرة التضخم، مدفوعاً جزئياً ببدء العديد من الشركات في تمرير تكاليف الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضتها إدارة الرئيس “دونالد ترامب” إلى المستهلكين النهائيين، هذه التطورات لا تهدد فقط القوة الشرائية للأمريكيين، بل تلقي بظلال كثيفة على استقرار الاقتصاد العالمي الهش بالفعل.

ومن المتوقع أن يُظهر مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي (الذي يستثني تكاليف الغذاء والطاقة المتقلبة)، والذي يُعتبر مقياساً دقيقاً للضغوط التضخمية، ارتفاعاً بنسبة 0.3% في أبريل، وذلك بعد زيادة طفيفة بلغت 0.1% فقط في مارس، وفقاً لاستطلاع أطلع عليه مرصد شاشوف وأجرته شبكة بلومبيرغ لآراء خبراء اقتصاديين.

إعلان

وفي حين أن التقرير المقرر صدوره يوم الثلاثاء المقبل، 13 مايو، قد يُظهر تأثيراً محدوداً حتى الآن لهذه الرسوم، يتوقع العديد من الاقتصاديين أن يصبح هذا التأثير أكثر وضوحاً بمرور الوقت، مما يذكي المخاوف من موجة تضخمية أوسع نطاقاً.

ويُساعد هذا الوضع في تفسير القلق المتزايد بين المستهلكين الأمريكيين بشأن التضخم بشكل خاص، وبشأن الاقتصاد وسوق العمل بشكل عام. ومن المنتظر أن تعكس بيانات مبيعات التجزئة، المقرر صدورها يوم الخميس، 15 مايو، بعضاً من هذا التوجس؛ فبعد ارتفاع قوي بنسبة 1.5% في نهاية الربع الأول، يتوقع الاقتصاديون تغيراً طفيفاً في مبيعات أبريل، مع تباطؤ الطلب المسبق على السيارات.

وتجد الشركات نفسها في موقف حرج، حيث تُوازن بين محاولة تخفيف أعباء الرسوم الجمركية عبر رفع الأسعار، وبين حماية مبيعاتها من التراجع نتيجة إحجام المستهلكين عن الشراء بسبب “صدمة الأسعار”.

تداعيات عالمية للسياسات الحمائية: رسوم ترامب تهز استقرار التجارة الدولية

تأثير رسوم ترامب الجمركية لا يقتصر على حدود الاقتصاد الأمريكي، بل يمتد ليحدث اضطرابات واسعة في النظام التجاري العالمي. فقد أدت هذه السياسات الحمائية، وما استتبعته من إجراءات انتقامية من قبل الدول الأخرى، إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية التي بُنيت على مدى عقود، مما أجبر الشركات على إعادة تقييم استراتيجياتها المتعلقة بمصادر التوريد والاستثمار، وهو ما ينجم عنه غالباً ارتفاع في التكاليف وانخفاض في الكفاءة على الصعيد الدولي.

ويحذر خبراء اقتصاديون ومنظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، بشكل مستمر، من أن الإجراءات الحمائية تؤدي حتماً إلى انكماش في حجم التجارة العالمية، وهو ما يضعف بدوره زخم النمو الاقتصادي العالمي.

وتخلق حالة عدم اليقين الناجمة عن تقلب السياسات الجمركية مناخاً طارداً للاستثمار طويل الأجل، حيث تحجم الشركات عن ضخ رؤوس أموال جديدة في ظل ضبابية المشهد التجاري، مما يؤثر سلباً على الابتكار والإنتاجية على مستوى العالم.

كما أن الاقتصادات النامية، التي تعتمد بشكل كبير على التصدير إلى الأسواق المتقدمة كالولايات المتحدة، تجد نفسها في مواجهة تحديات جسيمة جراء هذه الرسوم، التي قد تعيق مساعيها التنموية وتزيد من أعباء ديونها. والأخطر من ذلك، أن النهج الأحادي الذي تتبعه إدارة ترامب في فرض الرسوم الجمركية يُقوض أسس النظام التجاري متعدد الأطراف، ويشجع على سياسات “إفقار الجار” التي قد تتصاعد لتتحول إلى نزاعات تجارية واسعة النطاق، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي العالمي.

مؤشرات اقتصادية أخرى تحت المجهر

في غضون ذلك، تُظهر أحدث استطلاعات الرأي للمصنعين ومقدمي الخدمات في الولايات المتحدة ارتفاعاً في تكاليف المدخلات، وذلك قد يُجبرهم على تعديل الأسعار قريباً. وسيسلط مؤشر أسعار المنتجين الحكومي لشهر أبريل، الذي سيصدر يوم الخميس المقبل، الضوء على الضغوط المتزايدة على تكاليف الجملة.

مجلس الاحتياطي الفيدرالي كان قد أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه الأخير في السابع من مايو الجاري، عند نطاق 4.25% و4.5% للمرة الثالثة، وهو قرار يهدف للتريث حتى التأكد من أن التضخم ينخفض، لكن صانعي السياسات أشاروا إلى وجود خطر أكبر من أن تؤدي السياسة التجارية إلى ارتفاع التضخم والبطالة.

وتتصدر تقارير التضخم ومبيعات التجزئة أسبوعاً حافلاً بالبيانات الاقتصادية الأمريكية، تشمل طلبات إعانة البطالة الأسبوعية، واستطلاع جامعة ميشيغان الأولي لثقة المستهلكين لشهر مايو، وبيانات معدل البدء في بناء المساكن والإنتاج الصناعي.

ومن المقرر أن يتحدث العديد من مسؤولي البنك المركزي الأمريكي هذا الأسبوع، بما في ذلك رئيس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” يوم الخميس، حيث سيقدم ملاحظات حول مراجعة السياسة النقدية.

ويترافق ذلك مع هجوم الرئيس ترامب على “باول”. وفي الأسبوع الماضي وصف ترامب باول بأنه “أحمق” بعد أن أعلن البنك المركزي إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير، وحذر من ارتفاع المخاطر على أهداف التضخم والبطالة. في حين دافع باول عن قراره بعد اتخاذه بالقول إن هناك قدراً كبيراً من عدم اليقين بشأن ما ستؤول إليه سياسات رسوم ترامب الجمركية.

وعلى الصعيد الدولي، من المقرر أن يكشف رئيس الوزراء الكندي “مارك كارني” عن حكومة جديدة مكلفة بأجندة اقتصادية طموحة. كما تصدر تقارير الناتج المحلي الإجمالي من اليابان والمملكة المتحدة وسويسرا، وبيانات التضخم في الهند.

في آسيا، يجتمع وزراء التجارة في دول منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في كوريا الجنوبية لوضع استراتيجية للحفاظ على استمرارية سلاسل التوريد.

أما في أوروبا، فستسلط البيانات الصادرة في المملكة المتحدة الضوء على اقتصاد دفع بنك إنجلترا لخفض أسعار الفائدة مؤخراً، بينما تصدر توقعات المفوضية الأوروبية الاقتصادية لفصل الربيع بنهاية الأسبوع.

وفي أمريكا اللاتينية، من المتوقع أن يُظهر تقرير التضخم في الأرجنتين تباطؤاً، بينما قد يخفض البنك المركزي المكسيكي أسعار الفائدة.

وتتجه الأنظار بقوة نحو البيانات الأمريكية القادمة، ليس فقط لفهم ديناميكيات التضخم المحلي، بل أيضاً لاستشراف مدى عمق وتأثير سياسات ترامب الجمركية على المسار الاقتصادي العالمي الذي يبدو محفوفاً بالتحديات.


تم نسخ الرابط


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا