التصعيد الأخير في باب المندب
يثبت ما قلناه منذ بداية تشكيل ما يسمى “التحالف الأمريكي لحماية السفن الإسرائيلية”..
قصف على البوارج الأمريكية والبريطانية من اليمن، بما يمثل تصعيدا وتطورا خطيرا يسهم في عسكرة البحر الأحمر بمرور الوقت…
قلنا أن التحالف لن يستطيع منع الصواريخ المضادة للسفن الإسرائيلية..(وقد حدث..)
قلنا أن وجود التحالف يعني اشتباك عسكري مع القوات اليمنية واستهداف لسفنه البحرية..(وقد حدث أيضا).
معظم محللي القنوات أرهبتهم بوارج أمريكا وتنبأوا بهدوء الأوضاع وراهنوا على خوف اليمنيين ، في وقت أكدنا فيه أن هذه البوارج جاءت للاستعراض لا لمشروع مدروس أو هدف قابل للتحقق.
سر الفشل الأمريكي المتكرر في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة لا زالت تتعامل معه بعقلية الحرب الباردة، ولم تدرك بعد التطور الثقافي الكبير الذي طرأ على شعوب المنطقة، وكذلك التطور العسكري والاجتماعي.
قلنا أن العالم وليس أمريكا فقط بحاجة لدراسة القوى العسكرية الصاعدة في الشرق الأوسط بمنظار العلم لا بمنظار الأيديولوجيا والدين، دراسة يتجردون فيها من الأهواء والمصالح والميول والقناعات المسبقة.
أمام أمريكا ثلاثة خيارات كلها صعبة لحل أزمة وجودها في باب المندب:
الأول: استمرار الوضع القائم بحماية عسكرية للسفن التجارية الصهيونية مما سيكلفها اشتباكا عسكريا مع اليمنيين..وهذا الخيار تمت تجربته ولم ينجح في توفير أمن الملاحة لسفن إسرائيل.
الثاني: عقد تحالف دولي تحت الفصل السابع يأتي فيه مجلس الأمن بمئات البوارج لحماية السفن الإسرائيلية ، وهذا صعب جدا ومكلف للغاية ، حيث يتطلب ذلك اتفاقا مع روسيا والصين، وكذلك حملة إنفاق عالية جدا من الخزينة الأمريكية لدول التحالف على شكل مساعدات واستثمارات ( رشوة يعني).
وفي الأخير حتى لو عقد التحالف بهذا الشكل لن يمنع استهداف السفن بشكل كلي.
الثالث: احتلال اليمن والقضاء على جماعة انصار الله بنزع سلاحها وتشكيل حكومة جديدة في صنعاء ، ومحاربة النفوذ الزيدي في الشمال الذي يمثل الحاضنة الشعبية الكبرى دينيا وقبليا للجماعة.
الذي تتمتع به اليمن لا يتوفر لأمريكا وهو أنها تحارب في باب المندب (من أرضها) فحصلت على الدعم الشعبي وتأمين خطوط الإمداد والقوة المادية الكبيرة المتوفرة في أرض اليمن، بينما الولايات المتحدة لكي تتحصل على طرق إمداد آمنة تنفق ثمنا باهظا وخطوط بحرية وعسكرية مكلفة للغاية.
القواعد الأمريكية في الشرق تقف عاجزة عن تموين هذه الحرب لطبيعتها المختلفة والتي تتطلب صواريخ دفاع جوي يستنزفها اليمنيون بسلاح رخيص وسهل الصناعة والاستخدام..أو صواريخ كروز موجهة لا تصنع نصرا ولا سيطرة على الأرض.
تخيل مساحة قطاع غزة 365 كم مربع فقط ومع ذلك عجز القصف الإسرائيلي طوال 100 يوم عن منع صواريخ المقاومة الفلسطينية عن استهداف مدن اسرائيل.
فكيف يستطيع أحد منع اليمني من استهداف السفن البحرية الإسرائيلية في ظل مساحة تقارب 200 ألف كم مربع وطبوغرافيا كلها جبال وهضاب ومخابئ؟
بالنسبة لقرار مجلس الأمن بإدانة استهداف الحوثيين للسفن في باب المندب فهو (قرار شكلي ) وليس له أثر عملي على الأرض.
لم يُصنف تحت الفصل السابع الذي يُتيح استخدام القوة.
والدول التي وافقت فعلت ذلك وفقا للأعراف الدبلوماسية بتأييد حق الملاحة وأمن السف…
لاحظ أن إيران لم تجرؤ حتى الآن على إعلان تأييدها للعمليات ضد السفن الإسرائيلية ولكن ربطتها بالسلام في غزة خوفا من استهداف سفنها التجارية في حال دعمت تلك العمليات.
يمكن لأمريكا استخدام هذا القرار في الدعايا والتصريحات الإعلامية والعدائية لكنه في الأخير يبقى شكليا ولم يوكل مهمة تنفيذه المجتمع الدولي بل لقرار اليمنيين أنفسهم.