يتناول مقال كايل تشان في نيويورك تايمز توقعات هيمنة الصين الماليةية والتكنولوجية على الولايات المتحدة، معتبراً أن اللحظة الفارقة كانت خلال ولاية ترامب الثانية. يشير إلى أن الرسوم الجمركية وخفض ميزانيات الأبحاث ستضر بالابتكار الأميركي، بينما تتصدر الصين عدة صناعات وتستثمر في التقنيات الحديثة. يتوقع أن تستحوذ الصين على 45% من الإنتاج العالمي بحلول 2030، مما يهدد مكانة الولايات المتحدة. ويدعو الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات استراتيجية تشمل دعم البحث والتطوير وتقديم بيئة جذابة للمواهب. يتطرق إلى تحديات الصين الماليةية، لكنه يرسم صورة تفاؤلية لمستقبلها مقارنة بأميركا.
لطالما كان هناك توقعات من قبل المنظِّرين بأن يشهد العالم بداية قرن تتحقق فيه الصين إمكاناتها الماليةية والتكنولوجية الهائلة، متفوقة على الولايات المتحدة، ومعيدة توجيه القوة العالمية لتدور حول محور واحد هو بكين.
بهذه العبارة، استهل كايل تشان، الباحث المتخصص في السياسات الصناعية للصين من جامعة برنستون بولاية نيو جيرسي الأميركية، مقاله في صحيفة نيويورك تايمز، حيث يلخص تاريخ التنافس بين أكبر قوتين عالميتين حاليًا.
وادعى الكاتب أن فجر الهيمنة الصينية قد بزغ بالفعل، مشيرًا إلى أن المؤرخين قد يرون أن الأشهر الأولى من ولاية القائد الأميركي دونالد ترامب الثانية كانت نقطة التحول التي انطلقت فيها الصين، متقدمة تاركة الولايات المتحدة خلفها.
ولا يهم، وفق رأيه، أن واشنطن وبكين قد توصلتا إلى هدنة غير حاسمة في الحرب التجارية التي بدأها ترامب وادعى أنه قد انتصر بها.
ورغم ذلك، يرد الباحث على هذا الادعاء مؤكدًا أنه يعكس المشكلة الأساسية التي تواجه إدارة ترامب والولايات المتحدة، وهي التركيز قصير النظر على منازعات غير ذات مغزى في حين أن الحرب الكبرى مع الصين تُخسر بشكل حاسم.
وانتقد تشان بعض القرارات التي اتخذها ترامب منذ توليه الحكم للمرة الثانية، مؤكدًا أنها تُهدِّد ركائز القوة والابتكار في بلاده. من بين هذه القرارات، الرسوم الجمركية التي تُفرض على الواردات والتي تضر بقدرة الشركات الأميركية على الوصول للأسواق العالمية وتعيق سلاسل التوريد.
بالإضافة إلى ذلك، أدت خطوات تقليص ميزانيات الأبحاث الحكومية وخفض التمويل المقدم للجامعات إلى جعل العلماء الموهوبين يفكرون في الانتقال إلى دول أخرى.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل يشير المقال أيضًا إلى أن ترامب يسعى للتقليص من دعم البرامج التقنية مثل الطاقة النظيفة وصناعة أشباه الموصلات، مما يقضي على القوة الناعمة الأميركية في مناطق متعددة من العالم.

أما الصين فتسير في اتجاه مغاير تمامًا، حيث تتصدر بالفعل الإنتاج العالمي في صناعات متعددة مثل إنتاج الصلب والألومنيوم وبناء السفن والبطاريات والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والطائرات المسيرة ومعدات الجيل الخامس والإلكترونيات الاستهلاكية والمكونات الصيدلانية النشطة والقطارات السريعة.
ومن المتوقع أن تستحوذ على 45% من التصنيع العالمي بحلول عام 2030. بجانب ذلك، تركز بشدة على كسب المستقبل، حيث صرحت في مارس/آذار الماضي عن صندوق وطني بقيمة 138 مليار دولار يهدف إلى ضخ استثمارات طويلة الأجل في تقنيات متطورة مثل الحوسبة الكمية والروبوتات، كما زادت ميزانيتها المخصصة للبحوث والتطوير.
عندما أطلقت شركة “ديب سيك” الصينية الناشئة روبوت الدردشة بالذكاء الاصطناعي في يناير/كانون الثاني، أدرك العديد من الأميركيين فجأة أن الصين تملك القدرة على المنافسة في هذا المجال.
ليس ذلك فقط، بل وفقًا لمقال نيويورك تايمز، فقد تفوقت شركة “بي واي دي” الصينية للسيارات الكهربائية على “تسلا” في المبيعات العالمية السنة الماضي، وتقوم بتشييد مصانع جديدة حول العالم، وفي مارس/آذار الماضي، حققت قيمة سوقية تفوق مجموع قيم سيارات فورد وجنرال موتورز وفولكس فاغن.

تتقدم الصين أيضًا في مجال الاكتشافات الدوائية، لا سيما في علاجات السرطان. وفي مجال أشباه الموصلات، تبني سلسلة توريد مستقلة مستندة إلى الإنجازات الأخيرة لشركة هواوي.
يُقدّر تشان أن قوة الصين في هذه التقنيات وغيرها من المجالات المتداخلة تخلق دورة إيجابية تعزز من التقدم في عدة قطاعات مترابطة، مما يرفع من شأن جميع هذه المجالات.
يجدر بالولايات المتحدة، وفقًا للباحث في السياسات المتعلقة بالصناعات الصينية، أن تدرك أنه لا الرسوم الجمركية ولا أي ضغوط تجارية أخرى ستدفع الصين للتخلي عن قواعد اللعبة الماليةية المدعومة من الدولة والتي أثبتت نجاحها، لتتبنى سياسات صناعية وتجارية تروق للأميركيين.
ومع ذلك، تواجه الصين تحديات خطيرة، مثل الركود العقاري المستمر الذي أعاق النمو الماليةي، رغم وجود دلائل على استعادة القطاع عافيته أخيرًا.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة تحديات طويلة الأمد تلوح في الأفق، كمشكلات تقلص القوى السنةلة وشيخوخة السكان، كما يشير الكاتب، مع العلم أن المشككين كانوا يتوقعون دوماً سقوط الصين، إلا أن توقعاتهم كانت تخيب في كل مرة.

يتوقع المقال أنه إذا استمر كل منهما على هذا المسار، فقد تفرض الصين هيمنتها كاملة على التصنيع المتطور، بدءًا من السيارات والرقائق وصولا إلى الطائرات التجارية.
على العكس، قد تتقلص الولايات المتحدة، حيث ستحتمي شركاتها خلف جدران التعريفات الجمركية وستقتصر مبيعاتها بشكل شبه حصري على المستهلكين المحليين، مما يؤدي إلى تدهور الأرباح واحتجاز المستهلكين الأميركيين في سلع مصنوعة محليًا ذات جودة متوسطة وأسعار أعلى من المنتجات الأجنبية.
اختتم تشان مقاله بالقول إنه لتجنب هذا السيناريو الكئيب، ينبغي على واشنطن اليوم رسم سياسات واضحة تحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تركز على التنمية الاقتصادية في البحث والتطوير، وتعزيز الابتكار الأكاديمي والعلمي والشركات، وتعزيز العلاقات الماليةية مع دول العالم، وخلق بيئة مرحبة وجاذبة للمواهب ورؤوس الأموال الدولية.