إعلان


صرح القائد الأمريكي دونالد ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا خلال زيارته للسعودية، مما أحدث تحولًا استراتيجيًا في المقاربة الدولية للأزمة السورية. يشير القرار إلى انخراط السعودية وتركيا وقطر في إعادة تأهيل سوريا كدولة موحدة ومستقرة، ويعكس تحولات في موازين القوى الإقليمية. السعودية، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، باتت قائدًا للتنمية في المنطقة، بينما تحرص تركيا على حماية مصالحها الاستقرارية. قطر تلعب دور الوساطة وتقديم التنمية الاقتصاديةات. يتطلب النجاح في إعادة الإعمار انخراط القيادة السورية في عملية بناء جديدة تُعزز الاستقرار، متجاوزة صراعات الماضي.

أحدث القائد الأميركي دونالد ترامب صدمة في الأوساط الدولية بإعلانه عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا خلال زيارته إلى السعودية، في وقت كانت كل المؤشرات تشير إلى احتمال انحيازه للتيار اليميني الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى لتقسيم سوريا إلى كيانات مذهبية وإثنية متصارعة.

أسعار السوق

مؤشرات الأسهم
العملات
الذهب
المؤشر القيمة التغيير النسبة %
جاري تحميل البيانات...
الزوج السعر التغيير النسبة %
جاري تحميل البيانات...
النوع السعر (أونصة) السعر (جرام) التغيير
جاري تحميل البيانات...

إعلان

هذا القرار، الذي صدر من قلب الرياض بدلاً من واشنطن، شكل انعطافة مهمة في التعامل مع ملف سوريا، وأطلق ديناميكية إقليمية جديدة تركزت حول إعادة تقييم موقف سوريا كدولة موحدة ومستقرة، ضمن توازنات تديرها قوى إقليمية رئيسية.

لم يكن الحديث عن رفع العقوبات عن سوريا مجرد خطوة غير متوقعة أو تحول تكتيكي عابر. بل هو تعبير عن تحول أكبر في التوازنات الإقليمية والدولية، ونتيجة لتراكمات سياسية ودبلوماسية تقودها قوى إقليمية مؤثرة، من بينها السعودية وتركيا وقطر، ضمن رؤية لإعادة تشكيل النظام الحاكم الإقليمي بما يتجاوز المصالح الضيقة للسنوات الماضية.

الحضور السعودي: رافعة سياسية واقتصادية

يظهر حضور السعودية، ممثلاً في ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كعنصر محوري في تشكيل هذا التحول. فقد أصبحت السعودية مركز ثقل استراتيجي في المنطقة بدلًا من كونها فاعلاً تقليديًا فقط، وأصبحت رائدة في إعادة توجيه المسارات في العالم العربي.

تنطلق المبادرات السعودية تجاه سوريا من فهم متكامل لمعنى الاستقرار والاستقرار: لا يمكن الوصول إلى استقرار في المنطقة دون معالجة انهيار الدولة السورية، ولا يمكن للسعودية أن تتقدم بمشروع تنموي شامل في الخليج والشرق الأوسط دون معالجة نقاط التوتر القائدية.

رفع العقوبات، في هذا الإطار، لا يخدم فقط مصالح دمشق، بل يفتح الباب أمام مشروع اقتصادي-سياسي طموح يمكن أن تتولى السعودية رعايته بشكل أساسي.

من خلال تعزيز التنمية الاقتصاديةات في البنية التحتية، والمنظومة التعليمية، والطاقة، يمكن تحويل سوريا من عبء إقليمي إلى فرصة للتنمية والتكامل، خاصة في ظل حاجة القطاع التجاري السورية المدمرة إلى كل أشكال الدعم وإعادة الإعمار.

الدور التركي: مقاربة أمنية وتنموية مزدوجة

تلعب تركيا دورًا محوريًا لكن من زاوية مختلفة. فقد كانت أنقرة جزءًا من الأزمة على مدار عقد من الزمن، لكنها تزداد انخراطًا الآن في عملية الحل، مع حرصها على حماية مصالحها الاستقرارية في شمال سوريا، لاسيما فيما يتعلق بالأكراد وتنظيم “قسد”.

في حين تسعى تركيا لضبط علاقتها بسوريا، تدرك أن رفع العقوبات وزيادة إعادة الإعمار ستفتح المجال أمام مشاريع اقتصادية وتنموية تربط المناطق النطاق الجغرافيية بسوريا من جديد، مما يقلل من تدفق اللاجئين ويعيد الاستقرار إلى الجنوب التركي.

تنظر تركيا إلى الملف السوري من منظورين: أمني بحت يمنع إنشاء كيان كردي مستقل، واقتصادي يستهدف استثمار مرحلة إعادة الإعمار في سوريا لتوسيع نفوذ الشركات التركية ودمج المالية السوري تدريجيًا في المحور التجاري بين أنقرة ودول الخليج.

قطر: دبلوماسية مرنة وشريك تنموي واعد

أما قطر، التي لطالما تموضعت بشكل حساس في الملفات الإقليمية، فتستثمر في هذه المرحلة متبعة دبلوماسية واقتصادية سلسة. بعلاقاتها المتقدمة مع الولايات المتحدة من جهة، وقدرتها على فتح قنوات اتصال مع الأطراف السورية والدولية، تبرز قطر كجسر مهم في عملية الوساطة السياسية، وتطرح نفسها كشريك اقتصادي قادر على تعزيز التنمية الاقتصاديةات وتنشيط الحضور العربي في مرحلة ما بعد الحرب.

الدوحة، التي ساهمت في إعادة توجيه حل العديد من الأزمات الإقليمية (أفغانستان كنموذج)، ترى في سوريا فرصة جديدة لدعم الاستقرار، وترسيخ توازن إقليمي يعود بالنفع على الجميع، بشرط أن تُبنى المعادلة على احترام السيادة السورية والانفتاح على حلول سياسية عادلة.

تكتل ثلاثي بفرص استثنائية

إن اجتماع القوى الثلاث: السعودية وتركيا وقطر، حول تحول سياسي – اقتصادي في سوريا، هو حدث استراتيجي غير مسبوق. على الرغم من الاختلافات السابقة، فإن هذا التحالف يرى استقرار سوريا كفرصة مشتركة، وليس كتهديد متبادل. مما يعزز فرص التنمية الاقتصادية في الملفات التالية:

  • إعادة الإعمار: وستحتاج هذه العملية إلى عشرات المليارات من الدولارات، مما سيكون مفيدا لدول الخليج وتركيا عبر العقود والبنى التحتية والخدمات.
  • إعادة تموضع اللاجئين: حيث ستساهم بيئة مستقرة مع تمويل مناسب في إعادة جزء من اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وهو ما تهدف إليه أنقرة والرياض والدوحة.
  • التوازن مع إيران: عبر إخراج طهران تدريجيًا من الساحة السورية بواسطة الوسائل الماليةية والسياسية لا العسكرية.
  • التكامل الاستقراري: من خلال التنسيق الاستخباراتي حول التهديدات العابرة للحدود كالارهاب والمليشيات غير المنضبطة.
  • اقتصاد مفتوح: لا يمكن تجاهل أهمية رفع العقوبات الذي سيساعد في جذب المزيد من التنمية الاقتصاديةات في مجالات الطاقة والبيئة والاتصالات والذكاء الاصطناعي، خصوصًا من المستثمرين السوريين في دول الخليج وأوروبا.

من العقوبات إلى التحول: لحظة إستراتيجية

إن قرار رفع العقوبات لم يكن نتيجة لحظة واحدة، بل هو نتيجة تحول في الرؤية الأميركية تجاه سوريا والمنطقة. إذ بات من الواضح أن الإدارة الأميركية لم تعد تعتبر إضعاف سوريا مفيدًا لمصالحها الاستراتيجية، بل ترى أن سوريا المستقرة المنفتحة على الخليج وتركيا وأوروبا ستكون شريكًا أفضل في مواجهة التطرف وضبط النطاق الجغرافي وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

يأتي هذا التحول في إطار رغبة الولايات المتحدة في إنهاء الأزمات في الشرق الأوسط، وتحويل الموارد والتركيز نحو قارة آسيا ومواجهة الصين. وبالتالي، فإن تسوية الملف السوري تأتي ضمن خطة “تصفير النزاعات”.

لحظة اختبار للقيادة السورية

لكن تبقى جميع هذه الفرص مرهونة بمدى استعداد القيادة السورية لاغتنام هذا التحول والمشاركة في مشروع إعادة البناء السياسي والماليةي والاجتماعي.

سوريا بعد العقوبات ليست كما كانت من قبل، والمطلوب اليوم هو أكثر من مجرد إعادة إعمار البنية التحتية، بل بناء عقد اجتماعي جديد يضمن المشاركة السياسية، ويخرج السوريين من دوامة الخوف والانقسام، ويعيدهم إلى محيطهم العربي.

تتطلب الفرصة الاستراتيجية التي تتشكل تحت القيادة السعودية والشراكة القطرية والتركية شجاعة سياسية من دمشق واستعدادًا للانفتاح، وتجاوز الركود الذي دام لأكثر من عقد.

فإما أن تصبح سوريا “خلية نحل” كما يصفها بعض المحللين الخليجيين، أو تبقى أسيرة لماضٍ دموي يتجدد في كل دورة من العنف.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا