أصدر رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر “كتابًا أبيض” حول الهجرة، وعد فيه بخفضها بعد اعتباره الأوضاع الحالية “لا تطاق”. انتقد ستارمر سياسات السلطة التنفيذية السابقة التي جعلت البلاد “جزيرة للغرباء”. تهدف خطته إلى تقليص الهجرة عبر زيادة فترة الإقامة اللازمة للحصول على الجنسية وتحديد إمكانية الحصول على تأشيرات العمالة الماهرة. كما تنص على إنهاء تأشيرات العمالة في قطاع الرعاية الاجتماعية. لاقت خطة ستارمر انتقادات من أحزاب المعارضة وحتى من داخل حزب العمال، حيث اعتبر البعض أنها تعكس تراجعًا عن النهج اليساري وتعزز خطاب الكراهية ضد المهاجرين.
صرح رئيس وزراء بريطانيا، كير ستارمر، يوم الاثنين الماضي عن ما أطلق عليه “الكتاب الأبيض”، الذي يتضمن خطة لخفض معدلات الهجرة إلى المملكة المتحدة، حيث وصف الوضع الحالي بأنه “لا يطاق”.
يعتقد ستارمر أن بريطانيا ستتحول -بسبب سياسات الحكومات السابقة- إلى “جزيرة للغرباء بدلاً من أمة واحدة تتقدم معًا”، على حد تعبيره.
وعلى نطاق واسع، اعتبرت خطته محاولة للتصدي لصعود اليمين المتطرف الذي حقق نتائج جيدة مؤخرًا في الاستحقاق الديمقراطي الفرعية.
منذ إعلانها، تعرضت الخطة لانتقادات واسعة، لم تقتصر على المعارضة فقط التي تساءلت عن جدواها ومصداقيتها، بل شملت أيضًا قادة ونواب من حزب العمال الذين رأوا أنها تمثل انحرافًا عن المسار اليساري للحزب.
ما هي معالم خطة ستارمر لمواجهة الهجرة؟ وما أبرز الانتقادات التي واجهتها؟
معالم الخطة
في خطاب أمام داونينغ ستريت، تعهد رئيس حزب العمال، كير ستارمر، ببدء تنفيذ خطط جذرية للحد من الهجرة، متهمًا الحكومات السابقة بإهمال هذا الملف عبر سياسة فتح النطاق الجغرافي.
قال ستارمر إن حكومته ستنهي تلك الإستراتيجية، مؤكدًا شعار “سنستعيد السيطرة على حدودنا”، الذي استخدمه معارضو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء في عام 2016.
تعهد رئيس السلطة التنفيذية البريطانية بأن يكون الاستيطان في البلاد “امتيازًا يُكتسب، وليس حقًا”، مشددًا على أن نجاحه في رئاسة السلطة التنفيذية يعتمد على مدى نجاحه في تقليص الهجرة.
وفي تقرير لصحيفة إندبندنت بعنوان “النقاط القائدية في الكتاب الأبيض لكير ستارمر حول الهجرة”، اعتبرت المراسلة السياسية ميلي كوك أن الخطة الجديدة ستتطلب من المهاجرين الانتظار لمدة 10 سنوات -بدلاً من 5 سنوات كما كان معمولا به سابقًا- قبل التقدم بطلب للحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسية.
كما يحتم التقرير أن المتقدمين للحصول على تأشيرات العمل المهارية يجب أن يحملوا شهادة جامعية، بينما ستقلل فرص العمل في الوظائف غير المهارية من حيث العدد والزمن، مع إعطاء أولوية قصوى للمواطنين البريطانيين.
سترفع رسوم الهجرة التي تسددها الشركات بنسبة 32%، إذ يتوجب على الشركات دفع رسوم تتراوح بين 2400 و6600 جنيه إسترليني لكل عامل ترغب في استقدامه.

تأثير خاص في مجال الرعاية
وحسب إندبندنت، تتضمن الخطة وعدًا بإنهاء التوظيف الخارجي لتأشيرات الرعاية الاجتماعية، مما يعني أن العمال الأجانب لن يتمكنوا من التقدم بطلبات للحصول على تأشيرات للعمل في هذا القطاع. ومع ذلك، سيتم تأجيل هذا الحكم حتى عام 2028 لحين استكمال تطوير استراتيجية القوى السنةلة.
وفقًا لتقرير عن الخطة من مراسل نيويورك تايمز في لندن ستيفن كاسل، فإن هذه التدابير تتضمن مخاطر كبيرة، خاصة بالنسبة لقطاع رعاية كبار السن الذي يواجه نقصًا حادًا في العمالة.
نقلت نيويورك تايمز عن مارتن غرين، القائد التنفيذي لمنظمة “كير إنجلاند”، قوله إن عدم منح تأشيرات للعاملين في هذا القطاع يمكن اعتباره “ضربة قاسية لقطاع مُتأزم بالفعل”.
ولفتت إندبندنت إلى أن القيادية النقابية كريستينا ماكنيا أنذرت من أن نقص السنةلين في مجال الرعاية سيؤثر بشكل ملحوظ على هيئة الخدمات الصحية الوطنية، موضحة أن هذا القطاع كان على وشك الانهيار لو لم يتم دعم من آلاف العمال القادمين من الخارج.

تشديد بخصوص الطلاب واللغة
وفقا للكتاب الأبيض، السلطة التنفيذية البريطانية بصدد وضع متطلبات جديدة صارمة يجب على جميع المؤسسات المعنية تلبيتها لاستقدام الطلاب الدوليين.
سيُطلب من الجامعات تحقيق معدل أعلى بـ5 نقاط مئوية في التقييم السنوي الأساسي الذي يُستخدم لمراقبة مستوى امتثال كل جهة راعية لنظام التأشيرات، كما سيتم تقليص مدة بقاء الطلاب الأجانب في المملكة المتحدة بعد التخرج من عامين إلى 18 شهرًا.
ذكرت مراسل نيويورك تايمز في لندن أن منظمة “جامعات المملكة المتحدة” دعت الوزراء إلى “التفكير مليا” في تأثير الضريبة الجديدة المخطط لها على الرسوم الخاصة بالطلاب الدوليين.
وبموجب الخطة، ستُرفع متطلبات اللغة لجميع مسارات الهجرة لضمان مستوى أعلى من إجادة اللغة الإنجليزية، حيث تشمل تلك المتطلبات تقييمات لضمان تحسّن الأفراد عبر الزمن.
سوف تُطبق متطلبات اللغة على كل من المتقدمين القائديين للحصول على التأشيرة وأفراد أسرهم، مما يعني أن أطفال وأزواج المتقدمين للحصول على تأشيرات سيكون عليهم أيضًا تعلم اللغة الإنجليزية إذا كانوا يرغبون في البقاء في بريطانيا.
إجراءات قانونية جديدة
يتضمن الكتاب الأبيض إجراءات تسهل ترحيل مرتكبي الجرائم، سواء كانوا في السجن أو خارجه، وسيتم تسريع ترحيل مرتكبي أعمال العنف ضد النساء والفتيات.
بدون الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، سيُعرض تشريع لتوضيح أن السلطة التنفيذية والمجلس التشريعي هما من يقرران من يحق له البقاء في المملكة المتحدة.
كانت تلك الاتفاقية -وخصوصًا في مادتها 8 التي تحمي حقوق الحياة الخاصة والعائلية- هي الأساس الذي استند إليه كثير من القضاة في المملكة المتحدة لإبطال قرارات ترحيل اتخذتها حكومات سابقة.
ستنشئ هذه الإجراءات آلية لكشف أولئك الذين “يحاولون التحايل على القوانين” من خلال الادعاء بأنهم زوار لفترة قصيرة ثم يسعون للبقاء بسبب روابط أسرية.

تقليص لكن دون سقف
يرفض ستارمر وضع حدود معينة لأعداد المهاجرين، ولا يخفي قلقه من تكرار التجارب السابقة، حيث لفت إلى أنه لن يكون هناك حد أقصى لعدد القادمين إلى المملكة المتحدة. على مدى السنوات العشر الأخيرة، حاول عدد من رؤساء الوزراء فرض “سقف صارم” للهجرة لكنهم لم ينجحوا جميعًا.
وعلى الرغم من ذلك، أفاد مراسل بي بي سي، سام فرانسيس، بأن وزارة الداخلية البريطانية تقدّر أن الإجراءات المخطط لها في خطة ستارمر قد تؤدي إلى تقليص الهجرة بمقدار 100 ألف شخص سنويًا بحلول عام 2029.
سبق لحكومات المحافظين المتعاقبة أن وعدت بخفض صافي الهجرة إلى أقل من 100 ألف وافد سنويًا، لكنها فشلت بشكل ذريع، حيث ارتفعت الأعداد إلى مستويات قياسية وصلت لأكثر من 900 ألف مهاجر في السنة المنتهية في يونيو 2023، قبل تقليص العدد في يونيو 2024 إلى 728 ألف شخص.
عمل عدد من الأسلاف على قمع الهجرة غير النظام الحاكمية، حيث تبنى رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك خطة مثيرة للجدل لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا، ولكنها أُبطلت من قبل المحاكم.
ذعر من اليمين
حسب كاسل، تشير خطة ستارمر المتشددة إلى أن الهجرة أصبحت قضية مهمة مجددًا في بريطانيا. فقد حقق حزب “إصلاح المملكة المتحدة” المناهض للهجرة فوزًا كبيرًا في الاستحقاق الديمقراطي الإقليمية ورئاسات البلديات، مما شكل انتكاسة لحزبي العمال والمحافظين.
نقل كاسل عن مسؤولين كبار أن حزب الإصلاح قد يصبح منافسًا رئيسيًا لحزب العمال في الاستحقاق الديمقراطي السنةة المقبلة، مما يفسر لهجة ستارمر المتشددة تجاه الهجرة.
ورغم نفي ستارمر أن تكون خطته لمكافحة الهجرة ردًا على نجاح حزب الإصلاح، مؤكدًا أنه يفعل ذلك لأنه “صحيح وعادل”، نوّه زعيم حزب الإصلاح، نايجل فاراج، أن إجراءات الحزب جاءت بسبب “خوف حزب العمال من صعود حزبه في الاستحقاق الديمقراطي”.
أضاف فاراج أن “حزب العمال يتبع حزب الإصلاح في قضية الهجرة، لكن هل لديهم إرادة لتنفيذ هذه الإجراءات؟ أشك في ذلك بشدة”، معتبرًا أن خطط حزب العمال للتصدي لعصابات تهريب البشر تعكس فشلاً ذريعاً.
من جانبها، انتقدت رئيسة حزب المحافظين، كيمي بادينوخ، خطة ستارمر، معتبرة أنها بعيدة عن التغيير المطلوب.
كما أدان حزب الخضر مقترحات ستارمر ووصفها بأنها “ذعر مضلل” يسعى لإعادة جذب أصوات حزب الإصلاح.

انتقادات قوية من الداخل
ستواجه خطة ستارمر اختبارات صعبة عند عرضها على المجلس التشريعي يوم الاثنين المقبل. الانتقادات لم تقتصر على المعارضة فقط، بل تأتي أيضًا من النواب اليساريين في حزب العمال الذي يترأسه ستارمر.
عنوَّنت صحيفة تلغراف تقريرها بـ”ستارمر يواجه ردود فعل قوية من اليسار بشأن خطة الهجرة”، معتبرةً أن بنود الخطة واللغة المستخدمة من قبل رئيس الوزراء أثارت العديد من الانتقادات من بعض النواب والنقابات.
كتب النائبة العمالية عن نوتنغهام، نادية ويتوم، على موقع إكس أن “تصاعد خطاب السلطة التنفيذية ضد المهاجرين أمر مقلق وخطير. المهاجرون هم جيراننا، أصدقاؤنا، وعائلاتنا، والقول بأن بريطانيا تُخاطر بأن تصبح ‘جزيرة للغرباء’ بسبب الهجرة يشبه إثارة الهلع لدى اليمين المتطرف”.
كما علق النائب العمالي السابق جون ماكدونيل، الذي أصبح مستقلًا، واصفًا استخدام ستارمر لعبارة “جزيرة من الغرباء” بأنه إعادة إحياء خطاب إينوك باول المحرض، مما يساهم في إثارة الفتن والانقسام.
باول كان عضوًا محافظًا في المجلس التشريعي وألقى خطابًا شهيرًا في عام 1968 يُعتبر من أكثر العبارات تحريضًا وعنصرية في التاريخ البريطاني الحديث.
فيما قالت النائبة من حزب العمال، أوليفيا بليك، إن وصف المهاجرين بالغرباء “يُخاطر بإضفاء الشرعية” على عنف اليمين المتطرف، مضيفة أن “المهاجرين ليسوا غرباء، بل هم جزء لا يتجزأ من مجتمعنا، وهذه التوصيفات تؤدي إلى الانقسام”.
لفتت بليك إلى الاضطرابات التي شهدتها البلاد صيف السنة الماضي بعد مقتل ثلاث فتيات في ساوثبورت.
صرحت النائبة العمالية عن منطقة فوكسهول، فلورنس إيشالومي، بأنها تمثل “مكانًا يحلم به الكثيرون ليكون موطنًا لهم، ويُساهم الكثيرون في تطوير مجتمعنا كل يوم”، مشيرة إلى أن ناخبيها قلقون بشأن تأثير الإجراءات الجديدة على المقيمين في المملكة المتحدة.
قال كريس فيلب من مجلس العموم إن “رئيس الوزراء يبدو أنه خضع لتحول عنيف.. وقد تخلى عن كل ما كان يؤمن به، أو أنه دائمًا ما يقول ما يعتقد أن الناس يريدون سماعه”.
واعتبر النائب العمالي بيل ريبيرو-آدي أنه “من المخزي أن يُتخذ المهاجرون كبش فداء بهذه الطريقة”. كتب “كان إعلان السلطة التنفيذية اليوم إهانة لأولئك الذين اتخذوا المملكة المتحدة وطنًا لهم.. هؤلاء المهاجرون ليسوا غرباء، إنهم أصدقاؤنا، جيراننا، وأفراد عائلاتنا”.
ولفت النائب من حزب العمال كلايف لويس إلى أن “إصلاحات الهجرة التي طرحها كير ستارمر تمثل انزلاقًا خطيرًا نحو الفاشية التي احتفلنا مؤخرًا بذكرى هزيمتها”.