إعلان


اقتصاد القطاع التجاري يتبع قواعد شفافة وتعزز تكافؤ الفرص، لكن تولي دونالد ترامب الرئاسة في 2025 أدى إلى اهتزاز هذه القواعد، خاصة في الشق التجاري. قراراته المفاجئة، مثل رفع الرسوم الجمركية على الصين من 20% إلى 145%، خلقت حالة من عدم اليقين الماليةي. ارتفعت الأسعار وتراجعت إنتاجية الشركات الأميركية، مع تفشي ارتفاع الأسعار وارتفاع معدل unemployment. الصين استخدمت أساليب ضغط فعالة، مما دفع واشنطن لإعلان “هدنة” تجارية لتخفيف الرسوم. هذه التوترات قد تؤدي إلى إعادة تشكيل النظام الحاكم الماليةي العالمي أو عزلة اقتصادية للولايات المتحدة بعد انتهاء الهدنة في يوليو 2025.

يعتبر اقتصاد القطاع التجاري أحد النماذج الرأسمالية التي تقوم على قواعد واضحة، منها الشفافية وتكافؤ الفرص بين المتعاملين، مما يجعل النموذج الأميركي من أبرز تجسيداته.

آخر تحديثات الأخبار تيليجرام

محول العملات المدمج

محول العملات

-

إعلان

ومع ذلك، تعرضت هذه القواعد لزلزال كبير عندما تولى القائد دونالد ترامب السلطة مرة أخرى في بداية عام 2025، حيث كانت قراراته، لا سيما في الجانب التجاري، تتميز بالعشوائية والارتجال، مما خلق حالة من عدم الوضوح في المشهد الماليةي داخل أميركا ومع شركائها الأساسيين، على مستوى المالية العالمي ككل.

ارتباك داخلي وارتجال في القرار

لم يكن المستوردون أو المصدّرون الأميركيون على علم مسبق بخطط ترامب بشأن زيادة الرسوم الجمركية، مما أدى إلى شلل في نشاطهم. حتى المنتجون الأميركيون – الذين يفترض أنهم المستفيدون من هذه الإجراءات – لم يجنيوا أرباحًا، لأنهم يعتمدون على استيراد المواد الأولية، مما جعلهم يتأثرون أيضًا بارتفاع تكاليف الإنتاج.

تشير التقارير الماليةية إلى أن من أبرز مظاهر العشوائية كان الارتفاع المفاجئ في معدلات الرسوم الجمركية، على سبيل المثال، ارتفعت الرسوم المفروضة على الصين إلى 145%، بعد أن كانت حوالي 20% في بداية عام 2025، كما هدد ترامب مرارًا برفعها إلى 245%، دون اعتبار تأثير ذلك على المالية المحلي، قبل أن يتم توقيع اتفاق بين واشنطن وبكين لتخفيف التوترات التجارية بينهما.

تباينت ردود أفعال الدول إزاء هذه السياسات بين الرفض، والمعاملة بالمثل، والدعوة للتفاوض، لكن موافقة بعض الدول على التفاوض مع إدارة ترامب شجعته على الاستمرار في نهجه، مما عكس حالة من الفوضى في العلاقات التجارية الدولية.

doc 446b3hq 1746282987
الرسوم الجمركية المرتفعة أدت إلى تضخم الأسعار وتراجع الإنتاج (الفرنسية)

مزاد جمركي وصراع مفتوح

كانت قرارات ترامب في جوهرها أقرب إلى مزاد مفتوح لفرض الرسوم، خصوصًا تجاه الصين. حيث كان كلما قامت بكين بالرد بالمثل، كان ترامب سريعًا في رفع النسبة أكثر، دون النظر إلى التبعات الماليةية.

ولفتت مصادر في الأسواق الأميركية إلى أن هذه القرارات أدت إلى اضطرابات كبيرة، حيث تراجعت مؤشرات أسواق المال، وارتفعت أسعار الذهب والعملات الرقمية بشكل جنوني، بينما انخفضت أسعار النفط بسبب المخاوف من توسع النزاع التجاري.

أضافت هذه المصادر أن ترامب لم يعمل على تجهيز القاعدة الإنتاجية الأميركية لتكون بديلًا حقيقيًا للواردات، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة ارتفاع الأسعار. وكانت النتيجة الحتمية هي التراجع عن العديد من قراراته، ليس مع الصين فقط، بل مع معظم الدول الأخرى.

مفاوضات غير منسقّة

من أبرز أمثلة الفوضى، تغريدة ترامب في 9 مايو/أيار 2025، التي ذكر فيها أن فرض رسوم بنسبة 80% على المنتجات الصينية “يبدو قرارًا صائبًا”، بينما كانت المفاوضات الرسمية لا تزال جارية مع بكين.

وانتهت هذه المفاوضات في 12 مايو/أيار بالاتفاق على رسوم بنسبة 30% من الجانب الأميركي و10% من الجانب الصيني، الأمر الذي يثير التساؤلات حول ما إذا كان ترامب على دراية بما يفعله فريقه المفاوض.

الصين تلعب أوراق الضغط بمهارة

بينما اكتفت بعض الدول بالرد بالمثل، استخدمت الصين أدوات ضغط فعالة شملت وقف تصدير المعادن النادرة، وتعليق تسلّم الطائرات من شركة “بوينغ” الأميركية.

نتيجة لذلك، اضطرت واشنطن إلى التراجع وإعلان ما سمي بـ”هدنة” تجارية تستمر 90 يومًا، تُخفّض خلالها الرسوم الأميركية من 145% إلى 30%، مقابل تخفيض الصين لرسومها من 125% إلى 10%.

لفتت وسائل الإعلام الماليةية إلى أن استخدام مصطلح “هدنة” يعكس الطابع العسكري للنزاع الماليةي بين القوتين، مما يوضح أن ما حدث لم يكن مجرد خلاف تجاري عادي، بل مواجهة حقيقية تمتد إلى ما هو أبعد من المالية إلى الجغرافيا السياسية.

doc 46lw9zp 1747243774
المفاوضات مع الصين كشفت ضعف التنسيق داخل الإدارة الأميركية (الفرنسية)

مؤشرات سلبية في الداخل الأميركي

مع بداية تطبيق الرسوم الجمركية المرتفعة، بدأت التبعات تتوالى داخل الولايات المتحدة، حيث ارتفع معدل ارتفاع الأسعار في أبريل/نيسان 2025 إلى 0.2% شهريًا، بعد أن كان 0.1% في مارس/آذار السابق له.

هذا الارتفاع دفع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي إلى تثبيت أسعار الفائدة، وهو ما أزعج ترامب الذي دعا بتخفيضها، رغم أنها أداة فنية بحتة لا تخضع للمزاج السياسي.

كما أظهرت بيانات وزارة التجارة الأميركية انخفاضًا في إنتاج الصناعات التحويلية بنسبة 0.4% في أبريل/نيسان، وهي المرة الأولى التي يسجل فيها القطاع هذا التراجع منذ 6 أشهر، بعدما كان قد سجل نموًا بنسبة 0.4% في مارس/آذار الماضي.

في السياق نفسه، تحملت الشركات الأميركية أعباءً إضافية بفعل زيادة الرسوم، مما دفع بعضها إلى تقليص هوامش الربح، وقد لفتت تقارير محلية إلى انخفاض مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 0.5%، وهي أعلى نسبة انخفاض خلال 5 سنوات، وسط تحذيرات من أن هذه الشركات قد تغادر القطاع التجاري إذا استمرت في تسجيل خسائر.

كما شهد قطاع الوظائف تباطؤًا واضحًا، حيث أضاف المالية الأميركي 62 ألف وظيفة فقط في أبريل/نيسان، وهو أدنى رقم منذ يوليو/تموز 2024، وأقل بكثير من توقعات الماليةيين التي كانت تبلغ 115 ألف وظيفة.

قواعد غابت عن ترامب

غالبا ما يُقال إن ترامب يتعامل مع الإستراتيجية وكأنه يدير شركة خاصة، فيقوم بالسعي وراء الصفقات والانتصارات السريعة. لكن إدارة الدول تتطلب قواعد دقيقة، منها قاعدة “المعاملة بالمثل” في العلاقات الدولية، والتي تجاهلها ترامب عدة مرات، وكذلك تجاهل ضرورة القيام بدراسات واقعية قبل فرض مثل هذه السياسات، آخذاً بعين الاعتبار قدرة المالية المحلي على التكيف وردود الفعل الدولية.

ما الذي سيحدث بعد “الهدنة”؟

ستنتهي فترة “الهدنة” التجارية في نهاية يوليو/تموز 2025، ومعها سنكون أمام مفترق طرق: إما التوصل إلى اتفاقات مقبولة لجميع الأطراف، أو أن يعود ترامب لفرض زيادات جمركية من طرف واحد، مما سيدفع الولايات المتحدة نحو عزلة اقتصادية، ويفتح المجال واسعًا لإعادة تشكيل النظام الحاكم الماليةي العالمي على أسس متعددة الأقطاب.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا