شهدت أسعار الغذاء على المستوى العالمي استقرارًا نسبيًا خلال شهر مارس الماضي، حيث سجل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” 127.1 نقطة، وهو ذات الرقم المسجل في فبراير 2025. ومع ذلك، تشير البيانات إلى أن هذه الأسعار لا تزال أعلى بنسبة ملحوظة بلغت 6.9% مقارنة بشهر مارس من العام السابق 2024.
وبحسب تحليل لبيانات “الفاو”، فإن هذا الاستقرار الظاهري جاء نتيجة لتعادل قوى السوق المختلفة. فقد ساهم انخفاض مؤشري أسعار الحبوب والسكر في كبح جماح الارتفاع، بينما شهدت أسعار اللحوم والزيوت النباتية صعودًا. في المقابل، حافظ مؤشر أسعار منتجات الألبان على ثباته دون تغيير.
وعلى الرغم من هذا الاستقرار الشهري، فإن نظرة أوسع تكشف عن ارتفاع عام في تكلفة الغذاء عالميًا. فقد زاد المؤشر العام للأسعار بنسبة 6.9% مقارنة بالعام الماضي، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن الذروة التي بلغها في مارس 2022، حيث يقل عنها بنسبة 20.7%.
تباين في أسعار السلع الأساسية:
شهدت أسعار الحبوب انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 2.6% مقارنة بفبراير و1.1% على أساس سنوي. ويعزى هذا التراجع إلى تضاؤل المخاوف بشأن حالة المحاصيل لدى كبار المصدرين في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. كما أثرت حالة عدم اليقين بشأن التوترات التجارية على معنويات الأسواق، مما زاد من الضغوط الهبوطية.
ومع ذلك، حدّ من هذا الانخفاض عوامل أخرى مثل تحركات أسعار العملات، وتقلص المعروض من روسيا، وإلغاء تركيا لحصتها من واردات القمح. كما تراجعت أسعار الذرة العالمية بعد عدة أشهر من الارتفاع، وذلك بفضل تحسن أحوال المحاصيل في البرازيل مع الأمطار الأخيرة، وبدء موسم الحصاد في الأرجنتين، بالإضافة إلى توقعات أقل تفاؤلاً للموسم المقبل في أمريكا، وضعف الطلب من الصين، والمخاوف بشأن التغيرات في السياسات التجارية لبعض الدول.
وفي سياق متصل، انخفض مؤشر أسعار الأرز بنسبة 1.7%، متأثرًا بضعف الطلب على الواردات ووفرة الإمدادات المتاحة للتصدير، مما أبقى أسعار التصدير تحت ضغط مستمر.
أما أسعار السكر، فقد تراجعت بنسبة طفيفة بلغت 1.6% على أساس شهري، وذلك مع ظهور مؤشرات تدل على ضعف الطلب العالمي. بينما استقر مؤشر أسعار منتجات الألبان عند 148.7 نقطة، إلا أنه لا يزال أعلى بنسبة 19.9% مقارنة بالعام الماضي.
وعلى الجانب الآخر، ارتفعت أسعار الزيوت النباتية بشكل ملحوظ بنسبة 3.7% مقارنة بالشهر السابق، وظلت أعلى بكثير بنسبة 23.9% عن مستواها في مارس 2024. ويعود هذا الارتفاع إلى صعود أسعار زيوت النخيل والصويا وبذور اللفت ودوار الشمس. فقد ارتفعت أسعار زيت النخيل العالمية للشهر الثاني على التوالي، نتيجة استمرار شح الإمدادات في الدول المنتجة الرئيسية بجنوب شرق آسيا، حيث وصل الإنتاج إلى أدنى مستوياته الموسمية.
توقعات الإمدادات والطلب العالمية:
تشير توقعات منظمة “الفاو” إلى أن الإنتاج العالمي من الحبوب في عام 2024 قد بلغ حوالي 2849 مليون طن، وهو ما يمثل انخفاضًا طفيفًا بنسبة 0.3% على أساس سنوي، ولكنه أعلى من التقديرات السابقة بفضل إنتاج القمح الذي فاق التوقعات في أستراليا وكازاخستان.
ولم تشهد توقعات إنتاج الأرز العالمي للفترة 2024/2025 تغييرًا، حيث من المتوقع أن يصل إلى 543.3 مليون طن، بزيادة سنوية قدرها 1.6% مدفوعة بالتوسع في المساحات المزروعة. بينما ظلت توقعات إنتاج القمح العالمي لعام 2025 ثابتة عند 795 مليون طن، وهو ما يتماشى مع تقديرات عام 2024.
وتشير التوقعات إلى احتمال ارتفاع إنتاج القمح في الاتحاد الأوروبي بنسبة 12%، وذلك بعد الانخفاضات التي شهدها عام 2024 نتيجة الظروف الجوية غير المواتية. كما من المتوقع زيادة الإنتاج في الأرجنتين ومصر والهند، بينما قد ينخفض في أستراليا وأمريكا وأجزاء من الشرق الأدنى في آسيا.