تواجه السعودية تحديات مالية في سعيها لتمويل خططها التنموية وسط تقلبات اقتصادية عالمية وأسعار نفط غير مستقرة. توقع مصرف ‘جيه.بي مورغان’ إصدار سندات جديدة بقيمة 12.6 مليار دولار بحلول نهاية العام بعد إصدار 14.4 مليار دولار منذ بداية 2025، مما يجعلها أكبر مصدر للسندات في الأسواق الناشئة. تعتمد الرياض على الاقتراض لتمويل مشاريع ‘رؤية 2030’ وتنويع موارد الاقتصاد. رغم انخفاض أسعار النفط، تستمر الحكومة والشركات الكبرى مثل أرامكو في الاقتراض. يعكس هذا التوجه استراتيجيات جديدة لتمويل الخطط الاقتصادية الخليجية. نجاح هذه الخطط يعتمد على تحقيق نمو في القطاعات غير النفطية.
الاقتصاد العربي | شاشوف
في مؤشر جديد على التحديات المالية التي تواجهها المملكة العربية السعودية في سعيها لتمويل خططها التنموية الطموحة وسط بيئة اقتصادية عالمية مضطربة وأسعار نفط متقلبة، توقع مصرف “جيه.بي مورغان” اليوم الثلاثاء أن تصدر الرياض سندات إضافية بقيمة 12.6 مليار دولار خلال الفترة المتبقية من العام الجاري.
ويأتي هذا التوجه المكثف نحو أسواق الدين العالمية في وقت تسعى فيه أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم جاهدة لتنويع موارد اقتصادها وتغطية العجز المتوقع في ميزانيتها.
السعودية تتصدر مصدري الديون في الأسواق الناشئة
أوضح “جيه.بي مورغان” في مذكرة بحثية أن المملكة العربية السعودية أصدرت بالفعل سندات بقيمة 14.4 مليار دولار منذ بداية العام الجاري، مما يجعلها أكبر مصدر للسندات في الأسواق الناشئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025. وقد نجحت الرياض في جذب المستثمرين على الرغم من تقلبات السوق العالمية التي أججتها السياسات التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي.
ويعزو المصرف هذا الإقبال السعودي على الاقتراض إلى الحاجة لتمويل الاستثمارات الضخمة في إطار “رؤية 2030″، التي تهدف إلى تخليص الاقتصاد من الاعتماد الكلي على النفط عبر تطوير قطاعات جديدة مثل السياحة والصناعات التحويلية والتكنولوجيا. بالإضافة إلى ضرورة التعامل مع العجز المتوقع في الميزانية السعودية لهذا العام والبالغ 26.93 مليار دولار. وكانت وكالة رويترز قد أشارت في أبريل الماضي إلى تزايد الضغوط على المملكة، التي ترتبط ثروتها ارتباطاً وثيقاً بإيرادات النفط، لزيادة الديون أو خفض الإنفاق بعد هبوط أسعار الخام.
ورغم هذه الضغوط، تتمتع السعودية بنسبة دين منخفضة نسبياً إلى الناتج المحلي الإجمالي وبثقة كبيرة من المقرضين الدوليين، مما مكنها من أن تكون من بين أكبر مصدري الديون في الأسواق الناشئة خلال عام 2024.
ومع ذلك، نوه “جيه.بي مورغان” إلى أن “الضبابية التي تكتنف بيئة الاقتصاد الكلي العالمي وارتفاع تكاليف الاقتراض ظلا يقوضان نشاط إصدار الديون الجديدة خلال الأشهر الثلاثة الماضية” من جانب الأسواق الناشئة بشكل عام، لكنه رجح أن “نشاط الإصدارات قد يرتفع في شهر يونيو، شريطة أن تظل ظروف السوق مستقرة”، محذراً في الوقت ذاته من أن التقلبات لا تزال تشكل خطراً كبيراً.
استمرار الإنفاق الحكومي يدعم التوجه للاقتراض
يأتي هذا التوجه نحو الاقتراض المكثف متسقاً مع تأكيدات سابقة لمسؤولين سعوديين، بمن فيهم وزير المالية، حول عزم المملكة مواصلة وتيرة إنفاقها الحكومي لدعم النمو وتحقيق مستهدفات “الرؤية”، وذلك رغم اتساع فجوة العجز وتراجع أسعار النفط. هذه السياسة، وإن كانت تهدف إلى تحفيز الاقتصاد المحلي ودفع عجلة المشاريع الكبرى، تزيد من الاعتماد على أسواق الدين لردم الهوة التمويلية، خاصة في ظل إعادة تقييم شاملة تجريها الرياض لبعض جوانب خططها الطموحة في مواجهة الواقع الاقتصادي الجديد.
لم يقتصر اللجوء إلى أسواق الدين على الحكومة السعودية فحسب، بل امتد ليشمل كبرى الشركات والمؤسسات الحكومية، وفي مقدمتها شركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو السعودية وصندوق الاستثمارات العامة.
وفي خطوة حديثة، أعلنت أرامكو عن اعتزامها جمع تمويل جديد عبر إصدار سندات دولارية من ثلاث شرائح زمنية (خمسة، عشرة، وثلاثين عاماً)، وذلك بعد إعلانها عن انخفاض بنسبة 4.6% في أرباحها للربع الأول من عام 2025.
ويُفسر هذا الإصدار الجديد لأرامكو، الذي يتوقع أن يتجاوز حجمه المبدئي البالغ 500 مليون دولار، بسعي الشركة للحفاظ على سيولتها النقدية وتمويل توسعاتها في قطاعات استراتيجية متعددة غير نفطية، مثل الطاقة النظيفة والبتروكيماويات، بالإضافة إلى دورها المحوري كأداة تمويل رئيسية لمشاريع “رؤية 2030”.
وعلى الرغم من السيولة الضخمة التي تمتلكها أرامكو، فإن قرارها باللجوء إلى الاقتراض الخارجي يهدف، بحسب محللين، إلى الحفاظ على السيولة الداخلية لاستخدامها في التوسعات والاستفادة من مرونة إدارة هيكل رأس المال.
توجه خليجي متزايد نحو أسواق الدين
يأتي التوجه السعودي المكثف نحو الاقتراض ضمن سياق إقليمي أوسع، حيث تتسابق عدة جهات خليجية نحو أسواق الدين الدولية. فقد سبق أن أصدر صندوق الاستثمارات العامة السعودي سندات مماثلة، فيما أقدمت شركة “مصدر” الإماراتية للطاقة المتجددة مؤخراً على جمع مليار دولار من خلال طرح سندات خضراء.
كما يتوقع “جيه.بي مورغان” أن تصدر الكويت، رابع أكبر منتج للنفط في الشرق الأوسط، سندات بثمانية مليارات دولار بحلول نهاية العام، بعد إقرارها قانوناً جديداً لتنظيم الاقتراض العام. ويعكس هذا التوجه تغيراً هيكلياً في استراتيجيات تمويل الخطط الاقتصادية لدول الخليج، التي تسعى لتنويع مصادر تمويلها في ظل تقلبات أسواق الطاقة.
وعلى الرغم من التصنيف الائتماني المرتفع لأرامكو والسعودية بشكل عام، وثقة الأسواق العالمية بهما، إلا أن الفوارق العالية نسبياً في العائد على السندات طويلة الأجل تعكس، بحسب مراقبين، قدراً من التحفظ لدى المستثمرين تجاه المخاطر المستقبلية المرتبطة بالقطاع النفطي العالمي والتحولات البيئية والتشريعية التي تواجه صناعة الطاقة التقليدية.
في المحصلة، تؤكد توقعات “جيه.بي مورغان” وتحركات أرامكو الأخيرة أن المملكة العربية السعودية ماضية في استراتيجية طموحة للتحول الاقتصادي، معتمدة بشكل متزايد على أسواق الدين العالمية لتوفير السيولة اللازمة في ظل بيئة اقتصادية عالمية مليئة بالتحديات.
ويبقى نجاح هذا النهج مرهوناً بقدرة المملكة على تنفيذ مشاريعها بكفاءة وتحقيق نمو قوي في القطاعات غير النفطية لتأمين استدامة ماليتها العامة على المدى الطويل.
تم نسخ الرابط
(function(d, s, id){
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id;
js.src = ‘//connect.facebook.net/ar/sdk.js#xfbml=1&version=v3.2’;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(document, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));