دخلت المواجهة بين قوات صنعاء وإسرائيل مرحلة جديدة من التصعيد الرسمي والمنظم، حيث قام مركز تنسيق العمليات الإنسانية “HOCC” في صنعاء بتوجيه خطابات رسمية إلى منظمة الطيران المدني الدولي “ICAO” والاتحاد الدولي للنقل الجوي “IATA”، لإحاطتهما بقرار القوات المسلحة اليمنية القاضي بـ “فرض حظر شامل للملاحة من وإلى مطارات إسرائيل”، في خطوة تأتي لترجمة التهديد العسكري الذي تجسد بقوة في الهجوم الصاروخي الأخير على محيط مطار بن غوريون إلى إجراءات عملية تستهدف شل حركة الطيران المدني الإسرائيلي.
وأكد المركز في بيان صادر عنه، فجر اليوم الاثنين، أن هذه الخطابات تهدف إلى إطلاع المنظمتين الدوليتين الرئيسيتين المعنيتين بسلامة وتنظيم الطيران المدني العالمي بالقرار اليمني، ومطالبتهما بـ “اتخاذ الإجراءات اللازمة وفق اختصاصاتهما”.
وشملت المطالبة التنسيق الفوري مع الجهات المعنية بخدمات الحركة الجوية “ATS” لتجنب الملاحة الجوية من وإلى المطارات الإسرائيلية، وعلى رأسها مطار اللد (بن غوريون)، وتحويل مسارات الطائرات بعيداً عنها، مبرراً ذلك بأن هذه المطارات “معرضة للاستهداف بشكل مستمر من قبل القوات المسلحة اليمنية”.
خطوة تالية بعد ضربة “بن غوريون” المدوية
تأتي هذه الخطوة الإجرائية بعد أقل من 24 ساعة على الهجوم الصاروخي الباليستي الذي استهدف محيط مطار بن غوريون أمس الأحد، والذي أحدث صدى واسعاً وأثبت قدرة قوات صنعاء على الوصول إلى أهداف حيوية في عمق إسرائيل وتجاوز دفاعاتها الجوية.
وكما أشار المرصد الاقتصادي شاشوف في تحليلاته، فإن ذلك الهجوم لم يسبب فقط ارتباكاً وشللاً مؤقتاً في المطار وتعليقاً فورياً لرحلات شركات طيران دولية كبرى (مثل مجموعة لوفتهانزا وطيران أوروبا)، بل الأهم أنه منح مصداقية عملية وخطيرة للتهديدات اليمنية اللاحقة.
فالإخطار الرسمي اليوم لمنظمات الطيران الدولية لم يعد مجرد تهديد كلامي، بل أصبح إجراءً يستند إلى قدرة عسكرية تم إثباتها للتو بشكل مؤلم بالنسبة لإسرائيل.
لقد كشف الهجوم على محيط بن غوريون، وفقاً لتقييمات المرصد الاقتصادي شاشوف، عن هشاشة غير متوقعة في منظومة الدفاع الإسرائيلية متعددة الطبقات، والتي فشلت في اعتراض الصاروخ رغم استخدامها لأحدث التقنيات (آرو وثاد).
هذا الفشل، بالإضافة إلى الأثر النفسي الكبير لضرب أهم بوابة جوية لإسرائيل، يضع علامات استفهام حول القدرة الفعلية على حماية البنية التحتية الحيوية الأخرى في مواجهة الترسانة الصاروخية اليمنية المتطورة، بما فيها الصواريخ التي توصف بأنها فرط صوتية.
وبالتالي، فإن تحذير صنعاء اليوم بأن المطارات الإسرائيلية “معرضة للاستهداف بشكل مستمر” لم يعد مجرد دعاية، بل أصبح تهديداً ذا مصداقية عالية يجب أن تأخذه شركات الطيران وسلطات الطيران المدني العالمية على محمل الجد.
الآليات الدولية أمام اختبار حقيقي
يضع هذا الإخطار الرسمي منظمتي “إيكاو” و”إياتا” أمام اختبار حقيقي ومعقد. فمهمتهما الأساسية هي ضمان سلامة وأمن الطيران المدني العالمي. والآن، تتلقيان تحذيراً رسمياً من جهة (سلطات صنعاء) بوجود خطر استهداف مستمر لمطارات دولة عضو (إسرائيل)، مع طلب اتخاذ إجراءات احترازية. ويتعين على هاتين المنظمتين، بالتعاون مع الدول الأعضاء وشركات الطيران، تقييم درجة الخطر وإصدار التحذيرات اللازمة (مثل نشرات الطيارين NOTAMs) وتنسيق جهود تغيير المسارات الجوية، مع الأخذ في الاعتبار أن مصدر التهديد هو طرف لا تعترف به الكثير من الدول كسلطة شرعية، ولكنه يمتلك القدرة العسكرية على تنفيذ تهديداته كما أثبتت الأحداث الأخيرة.
وقد استند مركز تنسيق العمليات الإنسانية في خطابه إلى حرص اليمن (ممثلة بسلطات صنعاء) على سلامة الطيران المدني، مشيراً إلى وثائق وأحكام محددة لمنظمة “إيكاو” (Doc 9554-AN/932، الملحق 11، الملحق 15) كإطار إجرائي لهذا الإخطار، في محاولة لإضفاء طابع رسمي وقانوني على الخطوة.
وأكد المركز أن قرار الحظر دخل حيز التنفيذ فعلياً منذ مساء الأحد، 04 مايو 2025، الساعة 22:42 بتوقيت صنعاء (19:42 بالتوقيت العالمي UTC)، وسيستمر “إلى أجل غير محدد”.
“إجراء إنساني” أم تصعيد خطير؟ جذور الحل في غزة
أصر مركز تنسيق العمليات الإنسانية في خطابه على أن قرار الحظر هو “إجراء إنساني وأخلاقي”، معرباً عن أمله في “تفهم الجميع لهذا الإجراء وأن يدركوا أنه يتطلب أن يقف الجميع للضغط على الكيان الإسرائيلي لإيقاف جرائم الإبادة الجماعية وكذا إيقاف التجويع والحصار للشعب الفلسطيني في غزة”.
هذا التأطير يربط بشكل لا لبس فيه بين الحصار الجوي المفروض على إسرائيل وبين استمرار الحرب والحصار على غزة، ويضع الكرة في ملعب المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل كشرط لإنهاء هذا التصعيد الإقليمي.
ورغم هذا التأطير الإنساني من قبل صنعاء، فإن المجتمع الدولي وشركات الطيران ستنظر إلى هذا الإجراء بشكل أساسي على أنه تصعيد عسكري خطير يهدد سلامة المدنيين ويعطل حركة النقل الجوي الدولي. لكن هذه النظرة تتجاهل، كما يرى منتقدو السياسات الغربية، أن هذا التصعيد لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لاستمرار “الإبادة” في غزة وفشل كافة الجهود الدبلوماسية في وقفها، مما دفع أطرافاً إقليمية إلى استخدام أدوات ضغط غير تقليدية ومؤلمة.
رسالة صنعاء تصل إلى الأجواء الدولية
يمثل الإخطار الرسمي لمنظمات الطيران الدولية تتويجاً لعملية التصعيد التي بدأتها صنعاء رداً على حرب غزة، والتي انتقلت من البحر الأحمر إلى العمق الإسرائيلي، والآن إلى الأجواء والمطارات. وبغض النظر عن التوصيف القانوني أو السياسي لهذا الإجراء، فإنه يمثل واقعاً جديداً يجب على صناعة الطيران العالمية التعامل معه.
لقد أثبتت ضربة بن غوريون أن تهديدات صنعاء ليست جوفاء، وأن تجاهل مطالبها المرتبطة بوقف العدوان على غزة قد تكون له تكلفة باهظة ليس فقط على إسرائيل، بل على الاستقرار الإقليمي وحركة النقل الدولي أيضاً.
وبحسب بيانه، يأمل مركز تنسيق العمليات الإنسانية في صنعاء الحصول على “رد سريع” كإقرار بالاستلام، مهدداً باعتبار تأكيد وسيلة الإرسال بمثابة تأكيد للاستلام في حال عدم الرد، في إصرار على إلزام المجتمع الدولي بالتعامل مع تحذيراته بجدية.