إعلان

أثار خبر نشر الصين 6 سفن حربية، بما في ذلك مدمرة صواريخ موجهة، في الشرق الأوسط اهتمام الإعلام الأجنبي والعربي، إذ إن نشر هذه السفن يأتي في وقت يزداد التوتر بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية حماس من جهة، والمقاومة اللبنانية من جهة أخرى، وإعلان الولايات المتحدة دعمها المادي والعسكري المطلق لـ”إسرائيل”، وإرسالها مجموعة حاملة الطائرات “يو أس أس أيزنهاور” إلى المنطقة لتنضم إلى حاملة الطائرات “جيرالد فورد” التي أرسلتها بعد عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة حماس يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، لتكون هذه الحاملات، وفقاً لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، “رادعاً للأعمال العدائية ضد إسرائيل أو أي جهود تهدف إلى توسيع الحرب”.

وتنوي واشنطن إرسال أنظمة دفاع جوية من طراز” ثاد” و”باتريوت” رداً على الهجمات التي تتعرض لها قواتها في المنطقة. ويأتي نشر الصين للسفن الحربية أيضاً في وقت تشهد العلاقات الصينية الأميركية توتراً كبيراً على مختلف الصعد.

إعلان

لماذا أرسلت الصين 6 سفن حربية إلى خليج عدن؟

أرسلت الصين فرقة عمل المرافقة البحرية الرابعة والأربعين التي تتألف من 3 سفن حربية إلى خليج عدن منذ شهر أيار/مايو الماضي، وأجرت القوات البحرية الصينية مؤخراً تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات البحرية العمانية، قبل أن يصل الأسطول البحري الصيني إلى ميناء الشويخ في الكويت في زيارة “حسن نية”، كما أعلنت الصين.

وفي أيلول/سبتمبر الماضي، أبحر الأسطول البحري الصيني الخامس والأربعون الذي يتضمن 3 سفن حربية أيضاً، في مهمة مرافقة من الأسطول البحري الرابع والأربعين في خليج عدن.

منذ العام 2008، تواظب الصين على إرسال سفنها البحرية إلى خليج عدن لحماية سفنها والسفن الأخرى التجارية والنفطية من القرصنة، بعدما فُقد بحارة صينيون في خليج عدن قبالة سواحل الصومال إثر تعرض سفينتهم للقرصنة.

وبناء عليه، كان الهدف الأساس للصين منذ أن بدأت ترسل فرقها البحرية إلى خليج عدن هو مكافحة القرصنة، إذ كان خليج عدن يعتبر أخطر منطقة على التجارة الدولية بسبب قرصنة ناقلات النفط والبواخر التجارية، ولكن مع تزايد التوترات الأمنية واندلاع التظاهرات في بعض دول منطقة الشرق الأوسط أدت السفن البحرية الصينية دوراً كبيراً في إجلاء الرعايا الصينيين من البلدان التي كانت تشهد اضطرابات ونزاعات.

مثلاً، قدّمت البارجة الصينية “سوزهو” الدعم والحماية للسفن التي قامت بإجلاء المواطنيين الصينيين من لييبا عندما وقعت فيها الأحداث عام 2011. وفي نيسان/أبريل الماضي، أرسلت الصين سفنها البحرية إلى السودان لإجلاء رعاياها بعد حدوث الانقلاب والاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

يعد مضيق باب المندب من أهم الممرات المائية الدولية، ويتمتع بأهمية في استقطاب نسبة كبيرة من حركة السفن التي تنقل البضائع والنفط، فمعظم تجارة الصين تمر عبره، كما تمر شحنات النفط من السعودية ودول أخرى إلى الصين من خلاله، وله دور استراتيجي مهم في مبادرة الحزام والطريق.

لذلك، سعت الصين لحماية الممرات المائية حفاظاً على مصالحها التجارية والنفطية. ومع ازدياد التوترات الأمنية في المنطقة وتدهور العلاقات بين بكين وواشنطن، سعت الصين إلى استمرار تسيير فرقها البحرية للمحافظة على الأمن والاستقرار، إذ تخشى بكين اندلاع نزاعات تؤثر في امدادات النفط، وخصوصاً أنها ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم وأكبر مستورد له، وبالتالي فإن قطع النفط عنها سيؤثر سلباً فيها ويعوق نموها.

علاقة السفن الحربية الصينية بحرب غزة

بالغت وسائل الإعلام الغربية في تضخيم وجود 6 سفن حربية صينية في خليج عدن، وربط ذلك بما يحصل في غزة والوجود العسكري الأميركي في المنطقة، فبدأت التكهنات وتعددت التحليلات المستفيضة حول تدخل الصين في الحرب ومواجهة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، ولا سيما بعد تصاعد التوتر بينهما، ووصل الأمر إلى حد احتمال التصادم في بحر الصيني الجنوبي بين القوتين العظميين.

بشكل عام، لا علاقة للسفن البحرية الست الموجودة في خليج عدن بما يجري في غزة، فالفرقة البحرية المرافقة 44 انطلقت نحو المنطقة منذ أيار/مايو الماضي. أما الفرقة 45، فقد أبحرت من الصين في منتصف شهر أيلول/سبتمبر الماضي، أي قبل عملية طوفان الأقصى التي بدأت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

قلق بكين

منذ بدء عملية طوفان الأقصى، وما رافقها من ارتكاب “إسرائيل” المجازر وتدمير البنى التحتية وفرض حصار خانق على قطاع غزة، دعت الصين إلى وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية وعقد مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية للتوصل إلى حل دائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يكون، بحسب بكين، عبر حل الدولتين، وأرسلت مبعوثها الخاص بالشرق الأوسط إلى المنطقة، حيث أجرى اتصالات ومشاورات مع مختلف الأطراف المعنية بهدف وقف إطلاق النار، فضلاً عن الاتصالات التي تمت بين وزير خارجية الصين وانغ يي نظيره الأميركي أنتوني بلينكن لمناقشة الحرب على غزة ومستقبل العلاقات الصينية الأميركية.

تعارض الصين دائماً خيار التدخل العسكري لإنهاء أي نزاع، بل تدعو إلى اعتماد الحلول الدبلوماسية والسياسية. مثلاً، رفضت بكين حل الأزمة السورية عن طريق التدخل العسكري الأجنبي، وطالبت بإيجاد حل سياسي بدلاً من استعمال القوة.

كما أنها نشطت خلال الفترة الأخيرة في أداء دور الوسيط لحل النزاعات عالمياً بعدما نجحت في التوسط بين إيران والسعودية، كما هي الحال في عرض مساعيها لأداء دور الوسيط لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية أو التوسط لحل الأزمة السياسية في النيجر، كما أنها عرضت مراراً مساعيها لحل القضية الفلسطينية.

ما يثير قلق بكين هو امتداد حرب غزة إلى مناطق أخرى وتحوله إلى حرب إقليمية وما يترتب على ذلك من ضرر يلحق بمصالحها في المنطقة التي تربطها بها مصالح اقتصادية ضخمة، إذ إن الصين هي الشريك الاقتصادي الأول لأغلب دول المنطقة.

وللشرق الأوسط موقع استراتيجي ضمن مبادرة” الحزام والطريق”، نظراً إلى أن فيه أهم الممرات المائية، كمضيق هرمز الذي يُعد أهم ممر للطاقة في العالم، وباب المندب الذي تمر عبره 20% من التجارة العالمية، الجزء الأكبر منها تستحوذ عليه الصين، وقناة السويس.

وتستورد الصين أكثر من نصف احتياجاتها النفطية من دول الشرق الأوسط، إذ تعد السعودية أكبر أو ثاني مصدر للنفط الخام إلى الصين، وتربطها بإيران اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة لمدة 25 عاماً.

وبالتالي، فإن وقوع حرب اقليمية وإغلاق الممرات المائية أو تعرض السفن الصينية في خليج عدن للهجوم، سيدفع بكين إلى التدخل لحماية مصالحها. لذلك، نراها اليوم تسعى بكل الوسائل السياسية والدبلوماسية لمنع تطور الأوضاع في المنطقة وتدهورها لتتحول إلى حرب إقليمية.

يزور وانغ يي وزير الخارجية الصيني الولايات المتحدة الأميركية لعقد لقاءات مع المسؤولين الأميركيين بهدف تخفيف حدة التوتر في العلاقات بين البلدين، والتمهيد لزيارة الرئيس الصيني إلى أميركا الشهر المقبل لحضور قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (الأبيك)، وعقد لقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن.

ومما لا شك فيه أن الحرب الإسرائيلية على غزة ستكون حاضرة في الاجتماعات التي سيعقدها وانغ يي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، ولكن يبقى السؤال: إلى أي مدى ستنجح بكين في الضغط على الولايات المتحدة لإيقاف الحرب في غزة ومنع توسعها لتتحول إلى حرب إقليمية تؤثر في المصالح الصينية والأميركية وفي العالم ككل؟

المصدر: وكالات + الميادين

إعلان

اترك هنا تعليقك وشاركنا رأيك