إعلان


لطالما حلم الناس بتحويل المعادن إلى ذهب، هذا الحلم الذي سعى لتحقيقه الخيميائيون على مر العصور، لكن لم ينجحوا. في 7 مايو 2025، تمكن باحثون في مختبر “سيرن” بسويسرا من إنتاج جزيئات ذهب باستخدام الرصاص عبر “مصادم الهدرونات الكبير”. تعكس هذه الدراسة الأولى من نوعها تقنيات جديدة تتحقق من خلال التصادمات الطرفية للبروتونات، والتي تسهم في فهم الفيزياء الأساسية، لكن لا تهدف لإنتاج الذهب. الذهب الناتج كان غير مستقر واستمر لميكروثانية. التجربة تمثل خطوة نحو كشف المزيد عن الفيزياء، مشيرة إلى إمكانيات جديدة للبحث.

لطالما سعى الناس عبر العصور -وربما حتى اليوم- لتحقيق حلم تحويل المعادن إلى ذهب، وهو ما انطلق منه “الخيميائيون” في سعيهم، رغم عدم نجاحهم في ذلك على مر الزمن.

إعلان

عند الانتقال من القرن الثاني عشر إلى العصر الحديث، وتحديدًا في 7 مايو/أيار 2025، قام فريق من العلماء في مختبر فيزياء الجسيمات “سيرن” في سويسرا بإنتاج كميات ضئيلة من جزيئات الذهب باستخدام الرصاص، عبر “مصادم الهدرونات الكبير”، الذي يُعتبر الأكبر عالميًا.

تعد هذه الدراسة التجربة الأولى من نوعها التي ترصد إنتاج الذهب وتحلله بشكل مختبري، وفقًا لـ الدراسة المنشورة في دورية “فيزيكال ريفيو سي”.

A general view of the Large Hadron Collider (LHC) experiment during a media visit at the Organization for Nuclear Research (CERN) in Saint-Genis-Pouilly, France, near Geneva in Switzerland, July 23, 2014. To match Interview SCIENCE-CERN/ REUTERS/Pierre Albouy/File Photo
اعتمدت الدراسة على التصادمات الطرفية للبروتونات بدلاً من التصادمات المباشرة التقليدية في مصادم الهدرونات الكبير (رويترز)

هل نحن بصدد تحويل المعادن إلى ذهب؟

يوضح الدكتور مصطفى بهران -الأستاذ الزائر في قسم الفيزياء بجامعة كارلتون الكندية- للجزيرة نت: “الهدف القائدي من هذا العمل هو دراسة أنماط انبعاث البروتونات خلال هذه التصادمات لتعزيز فهم الفيزياء الأساسية، مما قد يساعد في تطوير النظريات المتعلقة بالتفاعلات النووية وإنتاج الجسيمات”.

ويضيف بهران “هذا البحث تقني بحت ولا توجد له تطبيقات مباشرة خارج المعرفة الفيزيائية، وليس هناك هدف لإنتاج الذهب”.

من الجدير بالذكر أن الرصاص يحتوي على 82 بروتونًا، بينما الذهب يحتوي على 79 بروتونًا، ولتحويل الرصاص إلى ذهب، يحتاج إلى فقدان 3 بروتونات، الأمر الذي يتطلب طاقة هائلة، وقد كان “مصادم الهدرونات الكبير” مسؤولًا عن ذلك.

تصادمات من نوع مُختَلِف

يعتمد عمل مصادم الهدرونات الكبير على توجيه أشعة تحتوي على هدرونات (جسيمات تكون غالبًا من البروتونات أو النيوترونات) بسرعة تقارب سرعة الضوء، وهو ما يجعل من هذه الآلة “مسارع الجزيئات”.

يعمل الجهاز على إطلاق حزمتي الأشعة هذه، مع توجيهها باستخدام مجالات مغناطيسية بحيث تتجه كل منهما في اتجاه مخالف، مما يؤدي إلى تصادم الجزيئات.

يشرح بهران أن التصادم في هذه الدراسة هو “تصادمات طرفية، بمعنى أن النوى (جمع نواة) لا تصطدم مباشرة، بل تتفاعل بواسطة القوى الكهرومغناطيسية بدون تلامس، إن صح التعبير”.

مرور هذه الأيونات بالقرب من بعضها يولد قدرًا من الطاقة على شكل فوتونات، وهذه الفوتونات العالية الطاقة تُسهم في فقدان نواة ذرات الرصاص -المستخدمة في التجربة- لثلاث بروتونات، مما يعني تحولها إلى ذرات من الذهب.

Gold coin (dinar) made from 916 gold (22 karat).; Shutterstock ID 1860917548; purchase_order: aj; job: ; client: ; other:
البحث تقني بحت ولا يرتبط أيضًا بهدف إنتاج الذهب (شترستوك)

ذهب غير مستقر

بين عامي 2015 و2018، قدر الباحثون عدد ذرات الذهب الناتجة عن هذه التصادمات الطرفية بحوالي 86 مليار ذرة من الذهب، ما يعادل نحو 29 تريليون من الغرام الواحد (1/29 تريليون غرام).

لكن هذه الذرات كانت غير مستقرة، حيث لفت الباحثون إلى بقاء ذرات الذهب لفترة ميكروثانية واحدة قبل أن تصطدم بمكونات مصادم الهدرونات أو تتفكك إلى جزيئات أخرى.

تعد هذه الدراسة رائدة في قدرتها على رصد إنتاج وتحليل ذرات الذهب في المختبر، نظرًا لوجود أداة مخصصة للكشف عن هذه الكميات الضئيلة، وفقًا لـ بولينا دمتريفا، عالمة الفيزياء النووية الروسية.

The pure gold ore found in the mine on black background
التجربة تمثل خطوة نحو كشف المزيد من خبايا علم الفيزياء (شترستوك)

فهم أكبر لكوننا الكبير

يعتبر بهران أن هذه التجربة تمثل تقدمًا نحو فهم أفضل لعالمنا من خلال اكتشاف المزيد من جوانب علم الفيزياء.

ويضيف بأن “استنادًا إلى هذا البحث يمكن استكشاف عدة اتجاهات مستقبلية، بما في ذلك تحسين النماذج النظرية لفهم انبعاث البروتون في هذه التصادمات، سواء من خلال الأبحاث الأساسية أو المحاكاة”.

ويشير بهران إلى أنه “يمكن أيضًا إجراء مزيد من التجارب التي تشمل تصادمات مماثلة باستخدام طاقات مختلفة أو أنواع مختلفة من النوى، لمعرفة كيفية تغيير أنماط انبعاث البروتون، مما قد يسهم في تطوير فهمنا للفيزياء الفلكية”.

الاستكشافات العلمية الكبرى تبدأ بأحلام

بدأت محاولات تحويل المعادن مثل الرصاص والنحاس عبر الزمان، التي أقدم عليها من عُرفوا بالخيميائيين، حيث تمثل الخيمياء نوعًا من العلوم الأولية التي دمجت بين التجربة والفلسفة، وقد نشأت هذه الممارسات في مصر القديمة واليونان ثم انتقلت إلى الدول الإسلامية، لتصل إلى أوروبا في القرن الثاني عشر.

حاول الخيميائيون تحويل المعادن إلى ذهب باستخدام مجموعة من المواد وبدء تسخينها بما يشبه العمليات الكيميائية المتعارف عليها، مما جعل الخيمياء خطوة أولى نحو علم الكيمياء الحديث.

وفروا مع حلم إنتاج الذهب إلى البحث عن حجر المعرفة (حجر الفيلسوف) الذي اعتقدوا أنه سيمكنهم من اكتشاف سر الفئة الناشئة والرعاية الطبية الدائمة، وهو هدف لم يتحقق أبدًا.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا