تغيرت حياة سائق الأجرة اليمني محمد عارف بسبب ارتفاع أسعار البنزين، مما دفعه لتحويل سيارته للعمل بالغاز لتخفيف أعباء المعيشة. رغم تقليص التكاليف بنسبة تصل إلى 60%، إلا أن هذا الخيار يحمل مخاطر تسرب الغاز والانفجارات، مع تسجل حالات احتراق ملحوظة في مختلف المحافظات. بدأت هذه الظاهرة منذ 2014 بعد رفع أسعار البنزين، ما أدى لازدهار تحويل المركبات بشكل عشوائي غالبًا دون مراعاة السلامة. يأنذر الخبراء من التحويلات غير المصرحة، مؤكدين ضرورة وجود رقابة رسمية لتحقيق التوازن بين الأمان ومتطلبات الحياة اليومية للسائقين.
عدن- شهد سائق الأجرة اليمني محمد عارف تحولات كبيرة في نمط حياته، حيث تسببت أسعار البنزين في تآكل دخله اليومي، مما دفعه للانتقال إلى العمل بالغاز، وهو خيار اقتصادي يمنحه بعض الراحة في ظل الأزمات التي تعصف بالبلاد.
في البداية، يبدو أن هذا الخيار يمثل طوق نجاة، حيث خفّض التكاليف إلى النصف. ومع ذلك، فإنه يحمل مخاطر، حيث يُثار القلق مع كل تشغيل لمحرك السيارة من احتمال حدوث تسرب غازي غير مرئي أو شرارة قد تؤدي إلى كارثة، وهو ما حدث بالفعل في عدة حوادث.
ولا يمثل محمد -الذي يتنقل بالركاب بين المحافظات- حالة فردية، بل يعبّر عن واقع مجموعة واسعة من السائقين اليمنيين الذين أجبرتهم الظروف الماليةية على تبني هذا الحل وسط تزايد المخاوف من خطر الانفجارات.
تزايد ملحوظ
رغم عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة، تشير مصادر محلية -للجزيرة نت- إلى تزايد ملحوظ في عدد المركبات التي تعمل بالغاز المسال، وذلك بالتزامن مع ارتفاع معدلات الحوادث الناتجة عن هذا التحول.

في محافظة تعز، يذكر مدير الدفاع المدني العقيد فؤاد المصباحي أن المحافظة شهدت أكثر من 22 حالة احتراق لمركبات تعمل بالغاز منذ منتصف عام 2024، مع تقدير بأن نحو 35% من وسائل النقل أصبحت تعمل بهذا النوع من الوقود.
وفي عدن، يشير علي العقربي -أحد السنةلين في محطة تعبئة الغاز الطبيعي- إلى أن الإقبال على تحويل المركبات للعمل بالغاز قد ارتفع بشكل ملحوظ خلال السنة الماضي، حيث يأتي حوالي 70% من هذا الإقبال من سائقي سيارات الأجرة في المدينة.
ويضيف العقربي -للجزيرة نت- أن المحطة التي يعمل بها تستقبل أكثر من 200 مركبة يوميًا، وهو عدد في تزايد مستمر، مما يدل على اتساع هذه الظاهرة.
جذور الظاهرة
بدأت ظاهرة تحويل المركبات للعمل بالغاز منذ عام 2014 عقب قرار حكومي برفع أسعار البنزين بنسبة 60%، بينما ظل سعر الغاز المنزلي ثابتًا. ومع تزايد الإقبال مؤخرًا، انتشرت ورش التحويل بشكل عشوائي، وغالبًا دون مراعاة لشروط السلامة.
خلال الأشهر الماضية، تم تسجيل العديد من الحوادث المروعة في مختلف المحافظات، كان أحدثها في عدن منتصف الفترة الحالية الماضي حين انفجرت أسطوانة غاز داخل سيارة أجرة متوقفة، مما أدى إلى اشتعالها بالكامل في ثوانٍ.
للحد من تفاقم هذه الحوادث، أصدرت الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة في عدن تعميماً في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يقضي بمنع دخول أسطوانات الغاز الخاصة بالمركبات دون ترخيص مسبق من شركة الغاز، كما يُلزم الورش بالحصول على تصاريح رسمية للعمل.
يُأنذر العقيد المصباحي من أن الخطر الحقيقي لا يكمن في المركبات المصممة أصلاً للعمل بالغاز، بل في عمليات التحويل غير النظام الحاكمية والتي تتم في ورش تفتقر لأدنى معايير السلامة، حيث يتم استخدام منظومات مستعملة أو منتهية الصلاحية، وغالبًا ما لا تطابق المواصفات الفنية.
يُشير المصباحي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن بعض هذه المنظومات تتضمن أسطوانات أكسجين أو أنظمة هواء مضغوط مخصصة لتعبئة إطارات السيارات، مما يرفع من احتمالات الحوادث بشكل كبير.
خفض تكاليف التشغيل
مع ذلك، يظل الحافز الماليةي عاملاً رئيسيًا في شيوع هذه الظاهرة، حيث يُقدر السائقون أن استخدام الغاز يوفر نحو 60% من تكاليف التشغيل. فأسطوانة الغاز (20 لترا) تُباع بنحو 8 آلاف ريال (حوالي 15 دولاراً)، مقارنة بـ34 ألف ريال (حوالي 63.6 دولاراً) لنفس الكمية من البنزين.
يقول محمد عارف للجزيرة نت: “كنت أقطع 500 كيلومتر من عدن إلى المكلا، وأستهلك حوالي 120 لترا من البنزين في الرحلة، بتكلفة تتجاوز 200 ألف ريال يمني (نحو 373 دولارًا)، وهذا غير مجدٍ بتاتا”.
بعد التحول إلى الغاز، أصبح يدفع أقل من نصف هذه الكلفة لكل رحلة. ورغم اعترافه بأن أداء المركبة على الغاز أقل فعالية، خصوصاً في الطرق الجبلية، إلا أن تخفيض التكاليف يعوض ضعف الأداء.
أخطار محتملة
يوضح المهندس عبد العزيز الرميش، المتخصص في تحويل المركبات، أن العملية تتضمن تركيب أنابيب وصمامات ومفتاح تبديل بين الوقودين، بالإضافة إلى خزان غاز غالبًا ما يُثبت في مؤخرة السيارة دون الحاجة لتعديل المحرك نفسه.

وأضاف الرميش للجزيرة نت أن تكلفة التحويل تصل إلى نحو 346 دولارًا، وبعدها تصبح المركبة قادرة على العمل بنظام مزدوج، حيث يُخزن الغاز والبنزين في خزانين منفصلين.
لكن الخطورة، حسب المهندس حديد مثنى الماس المدير التنفيذي لهيئة المواصفات والمقاييس، تكمن في تنفيذ هذه التحويلات في ورش غير مرخصة، وبأسطوانات غير مخصصة للسيارات، تُركب بطريقة عشوائية مما يشكل تهديدًا حقيقيًا على الأرواح.
أوضح للجزيرة نت أن بعض المركبات تُجهز بأسطوانات غاز منزلي أو مستوردة تُوضع خلف السائق أو فوق رأسه، مع تمديدات تمر تحت أقدام الركاب أو في الأسقف، مما يزيد من مخاطر الحوادث المميتة.
ونوّه أن المواصفات اليمنية تتطلب أن تكون المركبة مصممة من بلد المنشأ للعمل بالغاز، ولا تسمح بالتعديلات المحلية، مشيرًا إلى أن هذا النوع من التحويل محظور أيضاً في الدول المصنعة ودول الخليج، حيث تتحمل الشركة المنتجة وحدها مسؤولية سلامة المركبة.
في ظل غياب رقابة فعالة على الورش والأسطوانات، واستمرار أزمة الوقود، يجد العديد من سائقي الأجرة في اليمن أنفسهم أمام خيار لا مفر منه.
بين الضغوط الماليةية اليومية والمخاوف الاستقرارية، تبقى الحاجة ملحة لتدخل رسمي يوازن بين متطلبات المعيشة وأمن وسلامة المواطنين.