جيوتيان هي طائرة هجومية مسيّرة صينية من الجيل الخامس، مصممة كحاملة لطائرات مسيّرة أصغر، تستطيع الطيران على ارتفاعات تصل إلى 15 كيلومتر. تم الكشف عنها في معرض تشوهاي 2024، مع تجربة جوية متوقعة في 2025. تحتوي على محرك توربيني يمكنها من التحليق لمسافة 7000 كيلومتر وحمولة تصل إلى 6 أطنان، بما في ذلك 100 طائرة مسيرة صغيرة. تتميز بقدرتها على تنسيق أسراب الطائرات المسيّرة لأغراض متعددة، مما يجعلها منصة فعالة للقوة الجوية، وتعتبر استجابة صينية لتحولات مشهد الحروب المعاصرة وتحقيق التفوق الاستراتيجي.
تُعرف “جيوتيان” بأنها طائرة هجومية صينية مسيّرة من الجيل الخامس، تُصنّف ضمن فئة “الارتفاعات الشاهقة وقدرات التحمّل الطويلة” (high-altitude long-endurance). ما يميزها أنها مُصممة لحمل طائرات مسيّرة أصغر داخل هيكلها. في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2024، صرحت الصين عن هذه الطائرة التي تروج لها كأول حاملة مسيّرات تطير على ارتفاعات شاهقة، وهي طائرة ضخمة غير مأهولة، قادرة على حمل مئات الطائرات المسيرة الصغيرة، مما يجعلها تشبه قاعدة طائرة تُطلق أسراب من الطائرات المسيّرة عند ارتفاعات تصل إلى 15 كيلومتر.
تم الإعلان عن هذا الكشف خلال النسخة الـ15 من معرض الصين الدولي للطيران والفضاء في مدينة تشوهاي. وتشير التقارير الإعلامية الرسمية في الصين إلى أن اختبارات الطيران ستبدأ في نهاية يونيو/حزيران المقبل.
The Chinese Jiu Tian unmanned aircraft carrier, designed with a unique honeycomb structure, began combat duty in June 2025.pic.twitter.com/cKyvWsFFve
— Zhang Meifang (@CGMeifangZhang) May 18, 2025
حاملة الطائرات المسيّرة
المشروع يقوم على تطويره شركة صناعة الطيران الصينية المملوكة للدولة، واسمها بالصينية (جيوتيان) يعني “السماء العالية”.
بدأت ملامح هذا المشروع بالظهور عبر وسائل الإعلام العسكرية في أوائل عام 2023، ولكن المفاجأة كانت بظهور الطائرة علنًا في معرض تشوهاي في أواخر السنة الماضي. الرحلة التجريبية المنتظرة في يونيو/حزيران القادم تشير إلى تسارع غير مسبوق في مناقشة فكرة الطائرة وتحليقها، وذلك بفضل الدعم السخي الذي تقدمه الصين لتسريع الابتكارات العسكرية، كما ذكرت تقرير موقع “أرمي ريكوجنيشن”.

فيما يتعلق بالتفاصيل التقنية، تعتمد الطائرة على محرك توربيني فائق الدفع مأخوذ من أعلى هيكلها، مما يمكنها من الوصول لمدى تشغيلي يصل إلى 7 آلاف كيلومتر وزمن تحليق يستمر لـ36 ساعة. ويُعتبر تميز “جيوتيان” في حمولتها، حيث يمكن اعتبارها “المركبة الأم”، التي تستطيع حمل ما يصل إلى 6 أطنان من الحمولة المتنوعة، سواء الطائرات المسيّرة الأصغر أو الذخائر، داخل حجرة متعددة الاستخدامات وعلى 8 نقاط تعليق خارجية.
بحسب الإعلام الرسمي الصيني، تستطيع الطائرة إطلاق أكثر من 100 طائرة مسيّرة صغيرة، سواء كانت انتحارية “كاميكازي” أو طائرات استطلاع، عبر منافذ في أسفل هيكلها، مما يجعلها موزّعاً جوياً للطائرات المسيّرة.
China’s first aerial mothership, Jiutian SS-UAV, is scheduled for its maiden flight in June.
It can cruise at 15,000m high carrying over 100 small drones or 1,000 kg of missiles, with a range of 7,000km.
Don’t worry, China’s military is peace-oriented from the start. We grow… pic.twitter.com/koCXA4uq6g
— Li Zexin (@XH_Lee23) May 18, 2025
تشير التقارير إلى أن هذه الطائرة تمثل “نقطة قيادة جوية” تساعد في تنسيق أسراب معقدة من الطائرات المسيّرة عبر مساحات شاسعة. وعند إطلاقها، يُمكن للطائرات المسيّرة القيام بمهام متعددة، سواء الاستطلاع، التشويش، أو إرباك الدفاعات الجوية للخصم، وصولاً إلى تنفيذ هجمات جماعية نحو أهداف محددة.
دور مزدوج
من حيث المفهوم، تمثل طائرة “جيوتيان” تحدياً للطائرتين الأميركيتين “إم كيو-9 ريبر” و “آر كيو-4 غلوبال هوك”، لكنها تختلف عنهما في طبيعة المهام. بينما تركز “إم كيو-9 ريبر” على الضربات الدقيقة، تلعب “جيوتيان” دور مركز التحكم لأسراب المسيّرات، مثل حاملة طائرات في الجو.
أما “آر كيو-4 غلوبال هوك”، المعنية بالاستطلاع الاستراتيجي، فهي تفتقر إلى القدرات الهجومية المتعددة التي تقدمها الطائرة الصينية.
تجمع “جيوتيان” بين ميزات كليهما مع إضافات نوعية، فهي مثل “آر كيو-4 غلوبال هوك” مخصصة لأداء مهام الاستطلاع على ارتفاعات شاهقة، وتتميز بجناحين عريضين وقدرة على الطيران لمسافات طويلة. كما أن محركها المثبت في الخلف يُقلل من بصمتها الحرارية، مما يُعزز قدرات التخفّي والمناورة.
AVIC’s “九天” (Ninth Sky) Heavy-duty UAV system with 8 external attachment points. Also can perform air transport & airdrop, information support & confrontation, firepower strike & support missions…
(via wb/央视军事 / CCTV Military) pic.twitter.com/nvBEH5P4S1— Jesus Roman (@jesusfroman) November 9, 2024
ببساطة، تؤدي “جيوتيان” دوراً مزدوجا؛ كطائرة هجومية واستطلاعية على ارتفاعات شاهقة، ومناصة لإطلاق طائرات مسيّرة صغيرة. بالمقارنة مع حاملات الطائرات التقليدية، توفر “جيوتيان” بديلاً أكثر كفاءة من حيث التكلفة والتخفّي، من دون تعريض حياة الطيارين للخطر.
علاوة على ذلك، تُشير التقارير الصينية إلى أن “جيوتيان” تعتمد نظام تحكم يعتمد الذكاء الاصطناعي، مما يمكّن قائد واحد من تشغيل الطائرة وسرب الطائرات المسيّرة الصغيرة عن بُعد. ترتبط الطائرة بأمان بالأقمار الاصطناعية، وقد تستخدم تقنيات تشفير كمومية للاتصالات، مما يقلل من مخاطر التشويش والقرصنة.
على الرغم من تركيز الصين على تعزيز قدراتها التخفية، إلا أن ضخامتها تجعلها هدفًا جذابًا لمنظومات الدفاع الجوي المتطورة، مما يتطلب غالباً توفير غطاء جوي تحسبًا للتهديدات الأرضية. وفي حين أن الارتفاع المعلن الذي يمكن أن تصل إليه الطائرة هو 7 آلاف كيلومتر، إلا أنها تبقى ضمن مدى منظومات الدفاع المتطورة مثل “باتريوت باك-3” الأميركية ومنظومة “سكاي بو 3” التايوانية، كما ذكرت صحيفة نيوزويك.
بالطبع، تبقى هذه القدرات ادعاءات صينية طموحة لم تُختبر بعد في ميادين القتال. لكن الأهم هنا هو سرعة تطور هذه الفكرة ونوعيتها.
بالإضافة إلى ذلك، هذا الإيقاع السريع -من التصميم إلى الاختبار خلال عامين- أمر نادر في طائرات مسيّرة بهذا التعقيد، مما يعكس طموح الصين في تطوير برامج الطائرات المسيّرة، والأنظمة العسكرية الأخرى لضمان قدرات مستقبلية متميزة.
China has showcased the Jetank heavy UAV for the first time at the Airshow China 2024, which wrapped up on Sun.
The large drone can not only carry missiles and bombs but also smaller drones, earning it the nickname “swarm carrier.”
The heavy drone is also exhibited with an… pic.twitter.com/gWi52dR2Ko
— China Focus (@China__Focus) November 18, 2024
حروب أسراب المسيّرات
السؤال الذي يتطلب إجابة هو: لماذا تسعى الصين لبناء “حاملة طائرات مسيّرة” في السماء؟
قد يكمن جزء من الإجابة في تحولات مشهد الحروب المعاصرة. في السنوات الأخيرة، جذبت تكتيكات أسراب الطائرات المسيّرة انتباه الاستراتيجيين العسكريين، الذين بدأوا يرون فيها وسيلة لمُحاصرة دفاعات العدو من خلال الكثرة والتنسيق، بدلاً من الاعتماد على قوة الأسلحة فقط.
بدلاً من الاعتماد على طائرات تقليدية أو صواريخ مكلفة، يمكن إطلاق عشرات أو مئات الطائرات المسيرة. الفكرة هنا هي أن بعض هذه الأسراب قد لا تتمتع بقوة تدميرية ضخمة، لكنها قادرة أن تُستنزف الخصم الأكثر تطوراً خلال المعركة.
في هذا السياق، تم تطوير “جيوتيان” خصيصاً لخوض هذا النوع من الحروب، فهي منصة إطلاق جوية تُضاعف مدى وسرعة انتشار أسراب المسيّرات الصغيرة. تخيل سحابة من الروبوتات القتالية تغطي السماء في لحظة واحدة؛ وهو ما يُربك الميزانية العسكرية للحروب، حيث يُجبر المدافع على إطلاق العشرات من الصواريخ الغالية لصدّ هجوم أطلقته منصة واحدة منخفضة التكلفة.
بالنسبة للصين وتصوراتها المستقبلية، يُتوقع أن تؤدي “جيوتيان” دورًا محوريًا في تحقيق التفوق الجوي، خاصة في المناطق الإستراتيجية المتنازع عليها. يمكن أن تُشكل هذه الطائرة، إلى جانب المسيّرات الكبيرة والطائرات الحربية المقاتلة والصواريخ الباليستية، مجموعة عسكرية تضمن للصين أفضلية في الضغط الجوي واستدامة الهيمنة، وتوفر ضربات فورية ومؤثرة واستطلاعاً دقيقاً عند الحاجة، كما ذُكر في تقرير آخر لموقع “أرمي ريكوجنيشن”.
يعتبر المفكرون العسكريون في الصين أن هذه المقاربة تتجاوز الفهم التقليدي للقوة الجوية الغربية. بدلاً من تقليص الترسانة الأميركية، تستثمر بكين في أنظمة تقلل من أهمية الطائرات وحاملاتها. كما ورد في بعض التحليلات، تسعى “جيوتيان” وأخواتها إلى “إعادة تعريف الهيمنة الجوية” عبر أساليب جوية متنوعة، وموزعة يصعب استهدافها بدقة.
تستطيع تلك الأسراب المسيّرة تغطية مساحات شاسعة من الأرض دون تكوين هدف مركزي يمكن تدميره، وبالتالي فإن فقدان بعضها لا يعني انهيار المهمة، بل هو جزء من إرباك منظومات الدفاع الخاصة بالخصم.
فبينما يمكن للطيران البشري أن يكون في نقطة معينة، تستطيع منصة “جيوتيان” تنسيق العشرات من الطائرات المسيّرة شبه المستقلة في ذات الوقت.
China’s Jiutian SS-UAV: Game-Changing “Drone Mothership” Set for Maiden Flight
China is preparing to test its next-generation unmanned aerial system, the Jiutian SS-UAV, a massive high-altitude “mothership” designed to deploy swarms of attack drones and precision-guided… pic.twitter.com/T89eNkP3Vx
— Indo-Pacific News – Geo-Politics & Defense (@IndoPac_Info) May 19, 2025
تمتزج هذه الرؤية مع نقاط القوة والطموحات الصينية، فقد درس جيش التحرير الشعبي الصيني الحروب الحديثة، وخاصة حرب أوكرانيا المعروفة بحرب الطائرات المسيّرة. الدروس المستفادة من استخدام الطائرات المسيّرة الانتحارية والأدوات الرخيصة لم تغب عن بكين، حيث أظهرت أن هذه الأدوات يمكن أن تُدمر الدبابات، وتراقب المدافع، بل وتشتت جهود الدفاع المتطورة عند استخدامها بكثافة.
بعد حرب أوكرانيا، يتم مقارنة بعض القادة العسكريين الأميركيين تأثير تلك الطائرات بعمليات ثورية غيّرت مجرى الحروب عبر التاريخ. وقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية، ثم الحرب على غزة، عن أهمية القدرات الاستراتيجية للطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة وسهلة الاستبدال، أو الطائرات التجارية المستخدمة لأغراض عسكرية.
يُلاحظ أن قدرات الصين في استخدام أسراب الطائرات المسيّرة كانت بارزة قبل تطوير منصة “جيوتيان”، حيث أجرت شركة حكومية صينية تجارب نوعية في عام 2020، حيث أطلقت الطائرات المسيّرة من منصات مكونة من 48 وحدة إطلاق عن طريق الشاحنات والطائرات المروحية.
ومع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي وأنظمة الاتصال اللامركزية، أصبح من الممكن التحكم في أسراب أكبر وأكثر تنسيقًا. ومن هنا، بدا من المنطقي أن تطلق “جيوتيان” تلك الأسراب من الجو بدلاً من الأرض، لقصف الخصم بشكل مفاجئ.
في هذا السياق، يمكن أن تحلق “جيوتيان” على ارتفاعات آمنة نسبيًا وتُطلق أسرابها نحو أرض المعركة، حيث يمكن لهذه الأسراب أن تهاجم المواقع الاستراتيجية مثل رادارات العدو والسفن ومنظومات الدفاع الجوي، تمهيداً لتقدم القوات البرية والبحرية والجوية.
تفوق صيني
لننظر إلى الصورة الكبيرة، فإن مسيّرة “جيوتيان” تُعتبر ثمرة لاستثمار كثيف قامت به الصين في مجال الطائرات المسيّرة.
تشير التقارير العسكرية الحديثة إلى أن هناك أكثر من 50 نموذجًا من الطائرات المسيّرة تحت التطوير في قطاع الصناعات الدفاعية الصينية، من الطائرات الرباعية الصغيرة إلى الطائرات الهجومية الشبحية. لتحقيق فهم أفضل لحجم هذه الجهود، يجب أن نعلم أن المصانع الصينية تستعد لإنتاج ملايين من الطائرات المسيّرة الانتحارية الصغيرة بحلول عام 2026.
يعود الفضل في هذه الزيادة الإنتاجية، وتوفر هذا المخزون الكبير من الطائرات المسيّرة، إلى سيطرة الشركات الصينية على هذه القطاع التجاري، التي تنتج وتبيع معظمها حول العالم. يضاف إلى ذلك أن قطاع الطائرات المسيّرة التجارية في الولايات المتحدة يتخلف عن نظيره الصيني، حيث تهيمن الشركات الصينية على سوق هذه التقنيات ذات الاستخدام المزدوج.
على سبيل المثال، تُشترى أوكرانيا نحو 60% من إمدادات العالم من الطائرات “مافيك” التي تنتجها شركة “دي جيه آي” الصينية، وفقًا لأحدث الإحصائيات.
هذه الهيمنة الصينية لم تأتِ مصادفة، حيث لفت تقرير الاتحاد الدولي لأنظمة المركبات غير المأهولة إلى أن النجاح يعود للدعم الواسع الذي تقدمه السلطة التنفيذية لهذه الشركات عبر الإعانات واستثمارات مباشرة ووضع تشريعات استراتيجية، مما منح الشركات الصينية موقف قوة في الساحة العالمية.
في عام 2015، أطلقت السلطة التنفيذية الصينية مبادرة “صُنع في الصين 2025″، وهي خطة تمتد ل10 سنوات، للاستثمار في الصناعات القائدية بما في ذلك التقنية، بهدف ضمان ريادة الصين وهيمنتها على الأسواق العالمية.
ساهمت هذه الإعانات في تخفيض تكاليف الإنتاج، مما مكن الشركات الصينية من تقليل أسعار الطائرات المسيّرة، وهذا أعطاها ميزة على نظيراتها الأميركية سواء من حيث السعر أو الميزات التقنية.
في النهاية، بينما يستمر سباق الابتكار في عالم الطائرات المسيّرة، يبقى السؤال: إذا كانت الحروب الحالية مدمرة، فكيف ستكون حروب المستقبل؟