في سوق الكلاكلة بجنوب الخرطوم، استعاد النشاط والحياة بعد عامين من النزاع، حيث عادت حركة الباعة والمتسوقين، رغم وجود آثار الحرب مثل سيارة محترقة. الأفران تعمل بالطاقة الشمسية بسبب انقطاع الكهرباء، وتزايدت حركة النقل بين الأحياء. بينما في أم درمان، استؤنفت الأنشطة الصحية والمنظومة التعليميةية بعد تدمير كبير للمؤسسات. رغم الدمار، بدأت الأسواق والمستشفيات في استعادة وظائفها، وفتحت الجامعات أبوابها. بحري، رغم تدهور حالتها، بدأت تتعافى بعودة الكهرباء. مع استعادة السيطرة على أغلب الخرطوم، عادت الجسور للعمل، مما يعكس تجدد الأمل في العاصمة بعد الحرب.
الخرطوم – في سوق الكلاكلة بجبل أولياء جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، استعاد المكان حيوية الحياة في الأسابيع الأخيرة، وعادت الزحاميات بين الباعة والمتسوقين في تداولهم بين بسطات الخضار والفاكهة والمواد التموينية والمشروبات الباردة.
إلى جانب أحد شوارع القطاع التجاري، لا تزال سيارة محترقة من آثار المعارك العنيفة التي شهدتها نواحي العاصمة على مدار السنةين الماضيين، حتى استطاعت قوات القوات المسلحة السوداني استعادة السيطرة على معظم الخرطوم وطرد قوات الدعم السريع إلى خارجها.
وفي سوق الكلاكلة، الذي يُعد من أكبر الأسواق في جنوب الخرطوم، عادت الأفران للعمل باستخدام الطاقة الشمسية نتيجة انقطاع الكهرباء المتواصل، بينما بدأت حركة النقل بين الكلاكلة أقصى جنوب الخرطوم وأم درمان غرباً في الازدياد المطرد.

تستعيد أصوات الباعة المتجولين ذكريات صخب ما قبل الحرب، التي بدأت في منتصف أبريل/نيسان 2023 ولا تزال مستمرة. بينما تمثل السنةلات في بيع الأطعمة والقهوة حضورًا لافتًا، يضفي صبغة خاصة على القطاع التجاري، وسط عودة ملحوظة للسكان في الأحياء المجاورة مثل “طيبة الحسناب” وحي “الشجرة”.
تظهر حركة الناس والسيارات، وبعضها حديث، وجه العاصمة السودانية بشكل عام، التي بدت في الأسابيع الأخيرة كطائر الفينيق، تسعى للنهضة من تحت الأنقاض التي تراكمت نتيجة عامين من المواجهة، حيث تحولت المدينة من واحة مزدهرة بالحياة إلى مدينة أشباح مهجورة.
في الذكرى الأولى لاندلاع الحرب في السودان (إبريل/نيسان 2024)، قدرت المنظمة الدولية للهجرة عدد النازحين بسبب النزاع بنحو 10.7 مليون شخص، منهم 9 مليون داخل البلاد، و1.7 مليون هربوا إلى الدول المجاورة. وأظهرت المعلومات أن 90% من سكان العاصمة الخرطوم قد نزحوا عنها.
حديثاً، وبعد استعادة القوات المسلحة السيطرة، بدأ ضجيج الحياة يعود ببطء إلى مدن الخرطوم المختلفة مثل بحري وشرق النيل، حيث بدأت الأسواق والمستشفيات وخطوط النقل في أنشطتها، بالإضافة إلى استئناف بعض الجامعات الدراسة بعد انقطاع دام لعامين.
أم درمان الأسرع
في مدينة أم درمان، أكبر مدن العاصمة الخرطوم وأحد أبرز مراكزها الماليةية، استرجعت الحياة بشكل أكبر لأنها كانت الأسرع في صد مقاومة قوات الدعم السريع؛ حيث قام القوات المسلحة بتأمين أجزاء واسعة منها منذ وقت مبكر. وعادت نسبة كبيرة من سكان المدينة إلى أحيائها القديمة مثل “أبو روف” و”ود البنا” و”ود نوباوي” و”الهجرة”.
وفي المدينة ذاتها، استأنفت عدة مستشفيات أنشطتها مثل مستشفى أم درمان المنظومة التعليميةي ومستشفى النو والمستشفى السعودي، الذي استقبل مراجعيه بمبانٍ مجددة طُليت جدرانها حديثاً ووضعت على أحد أقسامه لافتة تشير إلى “إعادة تأهيله بجهود تجمع الأطباء السودانيين في الولايات المتحدة”.
وذكر وزير الرعاية الطبية بولاية الخرطوم فتح الرحمن الأمين للجزيرة نت أن بعض المستشفيات عادت للخدمة في الأيام الأخيرة خاصة في أم درمان بعد أن تعرضت للتدمير على يد قوات الدعم السريع.
ولفت الوزير إلى أن قوات الدعم السريع دمرت المستشفيات بالعاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى تشريد الكوادر الطبية ونهب معداتها.
في قطاع المنظومة التعليمية الذي يجد صعوبة في تعويض الفاقد المنظومة التعليميةي لطلابه، فتحت جامعة الخرطوم -أكبر جامعات السودان وأقدمها- وعبر فروعها في أم درمان أبوابها. وضجت كلية التربية بأصوات الطلاب العائدين لمقاعدهم بعد انقطاع طويل. كما صرحت عدد من الجامعات استعدادها للعودة في الفترة القادمة.
اقتصادياً، تعتبر أم درمان الأكثر نشاطاً، حيث تعمل متاجرها على مدار الساعة، وعادت أسواقها الشهيرة للعمل مثل “سوق أم درمان” و”سوق صابرين”، وعجت شوارعها بحركة الباعة المتجولين. بينما عادت خطوط النقل الداخلية إلى نشاطها المعتاد، واكتظت مساجدها بالمصلين بعد عودة نسبة كبيرة من سكانها الذين نزحوا أثناء الحرب.
يقول عمر علي، أحد التجار في سوق أم درمان، للجزيرة نت إنه رغم الدمار الذي لحق بالقطاع التجاري، عادوا لفتح محلاتهم التجارية. وأضاف “استأنفنا تجارتنا من الصفر بعد أن نُهبت كافة بضائعنا ومحلاتنا التجارية”.
كان علي تاجراً في المواد الغذائية قبل أن يتعرض متجره للتدمير وحرق معظم أجزاء القطاع التجاري، الذي يشهد أكبر أنشطة العاصمة الماليةية. ولفت إلى أن العودة إلى سوق أم درمان تتزايد رغم الركود في حركة البيع والشراء.
تقديرات الخبراء الماليةيين تشير إلى أن الحرب تسببت في تدمير نحو 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، الذي تبلغ قيمته حوالى 600 مليار دولار. كذلك أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي الذي يبلغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار.
يعزي الخبراء حجم هذه الخسائر إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، التي تُعد المركز الماليةي الأول في البلاد وتمثل 25% من المالية السوداني، بالإضافة إلى توسيع المواجهة إلى مدن حيوية أخرى مثل نيالا والفاشر في دارفور وود مدني بولاية الجزيرة، وهي مناطق تُعتبر عصب الإنتاج الزراعي والصناعي.

بحري تتنفس
بعد عامين من الحرب، اعتبرت مدينة الخرطوم بحري الأكثر تضرراً. وكانت تحتوي على أسواق ضخمة ومؤسسات خدمية وتعليمية وخطوط نقل، تحولت جميعها إلى أنقاض.
لكن المدينة التي تقع شمال الخرطوم بدأت في التعافي، وانتعشت أحياؤها الشمالية مثل “الدروشاب” و”السامراب” و”الكدرو” و”الحلفايا”، وخصوصاً بعد عودة التيار الكهربائي.
أما الحركة التجارية فلا تزال ضئيلة وسط الخرطوم بحري، وقد شرعت السلطة التنفيذية في تأهيل بعض المرافق الصحية مثل مستشفى “حاج الصافي” بعد دمارها في الفترة السابقة.
تعد حركة النقل بين بحري وأم درمان الأنشط. وبدأت بعض المصانع في المدينة بالعودة إلى العمل، خاصة مصانع الدقيق والأدوية، رغم الدمار الذي لحق بالمنطقة الصناعية في بحري.
حركة الجسور
تضم العاصمة الخرطوم أكثر من 10 جسور، منها جسور نيلية (على مجرى النيل)، وتوقفت الحركة تماماً بين الجسور أثناء الحرب، وخاصة التي تربط بين بحري وأم درمان والخرطوم، وكذلك شرق النيل وجبل أولياء.
بعد استعادة القوات المسلحة لأكثر من 95% من العاصمة الخرطوم، استأنفت حركة الجسور، مثل جسر النيل الأبيض وجسر الإنقاذ وجسر الحلفايا، التي تربط بين أم درمان وبحري.
كما عادت الحركة إلى جسور “المك نمر” والنيل الأزرق وكوبر، التي تربط بين الخرطوم وبحري. وعادت أيضاً الحركة إلى جسري سوبا والمنشية، الرابطين بين الخرطوم وشرق النيل.