عقدت السلطة التنفيذية اليمنية أول اجتماع لها في عدن في 3 يونيو 2023 بعد تعيين رئيس جديد، سالم صالح بن بريك. استقال رئيس الوزراء السابق أحمد بن مبارك عقب خلافات مع رئيس مجلس القيادة. شهدت اليمن انقسامًا حادًا، حيث تسيطر السلطة التنفيذية في عدن، بينما تسيطر الحوثيون في صنعاء. السلطة التنفيذية تعتمد على الإيرادات من الجمارك والضرائب، لكنها تواجه عجزًا بسبب تعقيدات الحرب. المجلس التشريعيات تفشل في الانعقاد بشكل منتظم، مما يؤثر على الأمور المدنية مثل إصدار جوازات السفر. يكافح المواطنون بسبب اختلاف القيم النقدية والرواتب بين المناطق المختلفة.
عدن – في الثالث من يونيو/حزيران الجاري، اجتمعت السلطة التنفيذية اليمنية لأول مرة في عدن، العاصمة المؤقتة، بعد شهر من تعيين رئيس جديد هو سالم صالح بن بريك، الذي كان يشغل منصب وزير المالية.
قبل شهر، قام رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك بتقديم استقالته رسمياً إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الذي أصدر في نفس اليوم قراراً بتعيين بن بريك رئيساً للحكومة، مع استمرار أعضاء السلطة التنفيذية السابقة في واجباتهم.
تم تعيين أحمد بن مبارك رئيساً للحكومة في بداية فبراير/شباط 2024 بنفس الطريقة، حيث تولى قيادة حكومة شكلها سلفه معين عبد الملك الذي تولى رئاسة الوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
كان رفض رئيس مجلس القيادة الرئاسي طلب بن مبارك بإجراء تعديل وزاري، إضافةً إلى تصاعد الخلافات بينهما في بعض القضايا، سبباً رئيسياً وراء استقالته.
هذا التغيير أعاد الجدل حول عدم اعتبار استقالة رئيس السلطة التنفيذية، استقالة للحكومة بأسرها. ويرى البعض أن الوضع الحالي هو امتداد لمرحلة كانت فيها التوافقات بين الأطراف السياسية تفوق النصوص الدستورية على مدى أكثر من 16 عاماً.
على مدار العقد الماضي، شهدت اليمن تحولات سياسية وإدارية جذرية أدت إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والماليةية، وأحدثت انقساماً غير مسبوق في بنية الدولة.
واهتمت هذه التطورات بنواحي مختلفة، انطلقت من الجانب العسكري والسياسي، لتشمل جميع مؤسسات الدولة، مما أثر بشكل كبير على حياة المواطنين.
إلى أي مدى وصل الانقسام في المؤسسات اليمنية؟
تعاني اليمن من انقسام حاد على مختلف الأصعدة نتيجة فصل البلاد إلى منطقتين رئيسيتين: الأولى المناطق التي تسيطر عليها السلطة التنفيذية المُعترف بها دولياً في عدن، والثانية المناطق التي تحت سلطة جماعة الحوثيين في صنعاء.
في مارس/آذار 2015، صرح القائد السابق عبد ربه منصور هادي أن مدينة عدن ستكون “عاصمة مؤقتة” في ظل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وسلطتهم حينها، بالتعاون مع القائد الأسبق علي عبد الله صالح.
مع مرور الوقت واستمرار الحرب والانقسام، شرعت السلطة التنفيذية في نقل بعض مؤسسات الدولة إلى عدن أو إنشاء نسخ مشابهة، الأمر الذي فعله الحوثيون أيضاً في مناطقهم. لذلك، صارت معظم المؤسسات لها نسختان، بما في ذلك السلطة التنفيذية والمجلس التشريعي ومؤسسة الرئاسة، مع فارق الاعتراف الدولي لصالح المؤسسات التابعة للحكومة.

ما شكل مؤسسة الرئاسة اليمنية حالياً؟
في 7 أبريل/نيسان 2022، صرح القائد اليمني السابق هادي نقل سلطاته إلى مجلس قيادة برئاسة رشاد محمد العليمي، يتضمن 7 أعضاء بدرجة نائب رئيس، مهمتهم إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً، دون تحديد مدة لعمل هذا المجلس.
جميع أعضاء مجلس القيادة هم من المناهضين لجماعة الحوثيين، إلا أنهم ينتمون إلى قوى مختلفة ومتنافسة، ويشغل بعضهم مناصب عسكرية وسياسية بارزة، حيث ينتمي أربعة منهم للمحافظات الشمالية وأربعة للجنوبية.
على الجانب الآخر، يشكل الحوثيين مجلساً مشابهاً يُسمى المجلس السياسي الأعلى، تم تأسيسه في يوليو/تموز 2016، ولا تعترف به أي دولة سوى إيران.
يتكون المجلس السياسي الأعلى من 8 أعضاء بالتساوي بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي السنة، وكان من المفترض أن تكون رئاسته دورية، لكن تم تثبيتها عند عضو من الحوثيين، كانت البداية مع صالح الصماد حتى مقتله في أبريل/نيسان 2018، ثم انتقلت الرئاسة إلى مهدي المشاط.
بعد انفصال الحوثيين عن المؤتمر في أحداث ديسمبر/كانون الأول 2017، الذي قُتل فيه علي عبدالله صالح، أصبح قرار المجلس في يد الحوثيين، رغم أن هناك أعضاء من حزب المؤتمر يشاركون بشكل صوري.
ما شكل الانقسام في المجلس التشريعي اليمني الأطول عمراً؟
يمكن اعتبار مجلس النواب اليمني من أطول المجلس التشريعيات المنتخبة عمراً، إذ كانت آخر انتخابات لأعضاء المجلس في أبريل/نيسان 2003، وكان من المفترض إجراء الاستحقاق الديمقراطي التالية في أبريل/نيسان 2009 لكن اتفاقاً بين الأحزاب المشاركة مدد عمر المجلس لعامين إضافيين، ضمن ما عُرف بـ”اتفاق فبراير”، الذي نص أيضاً على إجراء إصلاحات في النظام الحاكم الانتخابي.
مع اندلاع الثورة الفئة الناشئةية في 2011، وتوقف إجراء الاستحقاق الديمقراطي، استمر مجلس النواب في عمله تحت بند دستوري يعفيه من ذلك تحت “القوة القاهرة”، قبل أن ينص اتفاق المبادرة الخليجية وآليته التنفيذية على التمديد للبرلمان بشكل رسمي.
بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء وتحالفهم مع القائد السابق صالح في يوليو/تموز 2016، أعاد الحوثيون جلسات المجلس التشريعي، لكنهم لم يحصلوا على النصاب القانوني اللازم (النصف + 1) لعدم وجود 301 عضو في المجلس. وبالتالي انقسم المجلس التشريعي إلى جناحين: أحدهما موالٍ للحوثيين في صنعاء، والآخر موالٍ للحكومة المعترف بها دولياً.
في 2017، أصدر القائد السابق هادي قراراً بنقل مقر مجلس النواب إلى عدن، لكنه لم ينعقد سوى في دورتين قصيرتين: الأولى في “سيئون” بمحافظة حضرموت عام 2019، والثانية في عدن عام 2022، حيث كانت غالباً في إطار بروتوكولي لمنح الثقة للحكومة أو لأداء أعضاء مجلس القيادة اليمين الدستورية.
ما أسباب عدم انعقاد جلسات المجلس التشريعي؟
على الرغم من أن الأعضاء المؤيدين للحكومة في مجلس النواب يشكلون النصاب القانوني اللازم لعقد الجلسات، إلا أن انعقادها يتعذر بفعل التحديات السياسية والاستقرارية.
يشير عضو مجلس النواب اليمني شوقي القاضي إلى عدد من العوامل التي تعرقل انعقاد المجلس التشريعي، منها معارضة أعضاء من مجلس القيادة الرئاسي، وخصوصاً ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي الذين يتحفظون على انعقاد الجلسات في عدن، المدينة التي تسيطر عليها قوات المجلس الانتقالي.
كما ذكر القاضي أن هناك عوامل أخرى تتعلق بقيادات متنفذة ترتبط بالفساد والتلاعب بالإيرادات الحكومية، وتخشى من دور مجلس النواب الرقابي، بالإضافة إلى الخلافات السياسية داخل المجلس.
بينما الجناح الموالي للحوثيين من مجلس النواب يعقد جلساته في صنعاء بشكل دوري، رغم عدم حصوله على النصاب القانوني، كما أن هذه الجلسات لا تُبث على التلفزيون كما يتطلب القانون اليمني، مما يثير الشكوك حول عدد الحاضرين في تلك الجلسات ومشروعيتها.
من أين تأتي إيرادات المؤسسات الحكومية في اليمن؟
شكل قرار نقل مقر المؤسسة المالية المركزي اليمني وعملياته من صنعاء إلى عدن في سبتمبر/أيلول 2016 بداية الانقسام الماليةي، حيث رفض الحوثيون هذا القرار، مما أدى إلى وجود ما يشبه العُملتين، مع احتفاظ الحوثيين بالأوراق النقدية القديمة ورفض تداول الطبعة الجديدة للأوراق النقدية في مناطقهم، مما أحدث فارقًا كبيرًا في قيمة الطبعتين مقارنة بالعملات الأجنبية.
هذا الانقسام طال معظم جوانب الإيرادات المالية مثل الجمارك، حيث فرض الحوثيون رسوماً جديدة على البضائع المستوردة ذاتها بمجرد دخولها إلى مناطق سيطرتهم، حتى لو كان المستورد قد دفع الرسوم في النقطة النطاق الجغرافيية التابعة للحكومة. بينما لا تخضع البضائع التي مرت عبر ميناء الحديدة إلى رسوم مجدداً عند نقلها إلى مناطق السلطة التنفيذية.
مع استمرار الانقسام السياسي والإداري في اليمن منذ بدء الحرب، يتم تحصيل الإيرادات السنةة عبر هياكل منفصلة يديرها الطرفان: السلطة التنفيذية الشرعية في عدن وجماعة الحوثيين في صنعاء.
بدأ هذا الوضع تحديدًا بعد قرار نقل المؤسسة المالية المركزي إلى عدن في سبتمبر/أيلول 2016. ومنذ ذلك الحين، تعطلت عملية صرف رواتب الموظفين الحكوميين في بعض المناطق، خاصة تلك الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
تعتمد السلطة التنفيذية على الإيرادات الناتجة من الجمارك والضرائب بشكل رئيسي، بالإضافة لإنتاج ضعيف محلي من النفط والغاز، إضافة إلى المساعدات الخارجية.
إلا أنها تواجه عجزًا كبيرًا منذ توقف تصدير النفط بعد قصف الحوثيين لموانئ التصدير في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بجانب ضعف البنية التحتية والفساد والمواجهةات بين مكونات السلطة التنفيذية، وهي عوامل تحد من كفاءة تحسين الإيرادات.
ومع ذلك، تظل السلطة التنفيذية ملتزمة بتسديد رواتب موظفي القطاع السنة في المناطق التي تسيطر عليها بشكل شبه منتظم، رغم التدهور الكبير في قيمة الريال اليمني، حيث وصل سعر الدولار الواحد إلى 2500 ريال (كان الدولار يساوي 215 ريالا في مارس/آذار 2015)، إضافة إلى إنفاق السلطة التنفيذية جزئياً على خدمات مثل الكهرباء والمياه.
في المقابل، تحصل “السلطة التنفيذية” التابعة للحوثيين، غير المعترف بها دولياً، على إيرادات من الرسوم الجمركية والضرائب، بالإضافة إلى إيرادات من قطاع الاتصالات الذي لا يزال تحت سيطرتها، لكن الكثير من موظفي القطاع السنة في مناطقهم لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم، حيث كانوا يحصلون نصف راتب كل ستة أشهر في السنوات الماضية.
بدأ الحوثيون منذ يناير/كانون الثاني 2025 صرف “نصف راتب” بشكل شهري للموظفين الحكوميين في مناطقهم، لكن الجماعة توقفت بعد شهرين من بدء هذا النظام الحاكم، وسط شكوك حول قدرتها على الاستمرار، بسبب تخصيص جزء كبير من نفقاتها للجانب العسكري.
كيف يؤثر الانقسام الإداري على المواطنين؟
وصل الانقسام في المؤسسات الحكومية إلى مجالات متعددة مثل إصدار جوازات السفر أو تصديق الشهادات الدراسية، فضلاً عن الفارق في قيمة الريال بين مناطق السلطة التنفيذية وجماعة الحوثيين; إذ أن تحويل 100 ألف ريال يمني من مدينة عدن إلى صنعاء يعني وصولها بقيمة 21 ألف ريال، نتيجة اختلاف القيمة بين الأوراق النقدية القديمة التي يستخدمها الحوثيون والطبعة الجديدة في مناطق السلطة التنفيذية.
كذلك، فيما يتعلق بجوازات السفر، تكون تلك الصادرة عن مناطق السلطة التنفيذية معترف بها دولياً، بينما الجوازات المصدرة من مناطق سيطرة الحوثيين؛ فهي مقبولة فقط في عدد محدود من الدول، مما يُجبر الكثيرين في مناطق الحوثيين على السفر إلى مناطق السلطة التنفيذية لاستخراج جوازات سفر حين يرغبون في السفر للخارج. كما هو الحال مع تصديق الشهادات الدراسية.