الأحد, يونيو 1, 2025
الرئيسية الأخبار 155 عامًا على مؤسسة دار الكتب المصرية و60 عامًا من تراجع تأثيرها...
155 عاما على دار الكتب المصرية و60 عاما من تراجع الدور الثقافي

155 عامًا على مؤسسة دار الكتب المصرية و60 عامًا من تراجع تأثيرها الثقافي

31
0
إعلان


دار الكتب المصرية هي واحدة من أبرز مؤسسات المعرفة العربية، تعتبر ذاكرة لمصر الفكرية والتراث العربي الإسلامي، حيث تأسست في 1870 لتجميع المخطوطات. فقدت دار الكتب مكانتها بسبب ضمها للوثائق القومية عام 1965 مما أثر على استقلاليتها. ومع تقدم الرقمنة، بدأت جهود لتطويرها باستخدام تقنيات حديثة، مثل الذكاء الاصطناعي. تاريخها غني بالمخطوطات النادرة ولعبت دوراً هاما في الثقافة المصرية، لكن تراجع دورها الثقافي خلال السنوات الماضية دعا المثقفين للعمل على استعادة مكانتها كمكتبة وطنية مستقلة. يتطلع الكثيرون نحو رقمنة التراث لحمايته وإتاحته للباحثين.

دار الكتب المصرية تعتبر واحدة من أهم مؤسسات المعرفة في العالم العربي. حتى منتصف القرن العشرين، كانت تمثل مركزًا أكاديميًا فعالًا في مصر، حيث اجتمع فيها أعلام مصر الذين أثروا في الحياة الثقافية. يعتبر الخبراء أن هذه الدار تمثل الذاكرة الفكرية لمصر وتحتوي على التراث العربي الإسلامي الذي حافظت عليه لأكثر من 150 عامًا، ومنحت مكانة مرموقة له.

إعلان

في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، كانت تجارة الكتب القديمة والمخطوطات رائجة، ومع عدم وجود قوانين لحماية الممتلكات الثقافية، تسربت العديد من المخطوطات وأوراق البردي والآثار من القاهرة إلى المكتبات في أوروبا وتركيا والولايات المتحدة.

في عام 1824، اكتشف أحد الفلاحين جرة صغيرة بالقرب من هرم سقارة وعرضها للبيع بثمن زهيد بعد فشله في العثور على كنز. هذه الجرة وصلت إلى المستشرق الفرنسي المعروف “سلفستر دي ساسي” الذي نشر مقالاً عن محتواها، وكانت بداية الوعي العالمي بأوراق البردي العربية، المعروفة باسم “القراطيس المصرية” كما لفت ابن النديم في فهرسه.

في حديث لـ”الجزيرة نت” مع الدكتور أيمن فؤاد سيد، أستاذ المخطوطات ومدير دار الكتب المصرية الأسبق، أوضح أن أهمية هذا الاكتشاف لم تكن مجرد الكشف عن وجود أوراق البردي، بل تسببت أيضًا في تنبيه المسؤولين، وعلى رأسهم علي باشا مبارك، مدير ديوان المدارس، الذي شهد المكتبة الوطنية في باريس أثناء بعثة محمد علي باشا إلى فرنسا عام 1844.

آخر تحديثات الأخبار تيليجرامع

وبعد عودته، اقترح علي باشا مبارك على الخديوي إسماعيل إنشاء دار كتب على نمط المكتبات الوطنية الأوروبية، وتم إصدار قرار في 23 مارس 1870 بتكليفه بجمع المخطوطات القيمة من المساجد والأضرحة ومعاهد العلم، لتكون نواة لمكتبة عامة.

في بدايتها، احتوت المكتبة على حوالي 20 ألف مجلد ومراجع وخرائط، إضافة إلى مكتبة محمد علي باشا القديمة ومكتبات أخرى، مما ساهم في بناء “الكتبخانة الخديوية” التي كانت تضم نحو 20 ألف مجلد ومقرها في طابق الأمير مصطفى فاضل باشا. فُتحت المكتبة للجمهور في 24 سبتمبر 1874، لتكون أول مكتبة وطنية في الشرق الأوسط.

وبسبب ضيق المساحة، وضع الخديوي عباس حلمي الثاني حجر الأساس للكتبخانة في ميدان باب الخلق عام 1899، وانتقلت الدار إليه في عام 1903، وفتحت أبوابها للجمهور في السنة التالي.

الكتبخانة
تأسست “الكتبخانة الخديوية” من نحو 20 ألف مجلد وكان مقرها في الطابق الأرضي بسراي الأمير مصطفى فاضل باشا، شقيق الخديوي إسماعيل (مواقع التواصل)

نفائس دار الكتب

خلال فترة قصيرة، استطاعت “الكتبخانة” جمع مجموعة نادرة من المخطوطات العربية والشرقية، وأوراق البردي، والقطع الإسلامية، ولوحات الخط العربي. تعتبر هذه المجموعات ساحرة ونادرة، حيث تحتوي مصر على حوالي 125 ألف مخطوط، وتأتي في المرتبة الثانية بعد تركيا.

أما مجموعة دار الكتب، فهي تتجاوز 60 ألف مخطوط، وتعتبر واحدة من أرقى المجموعات العالمية لما تحتويه من مصاحف فريدة ونسخ متنوعة، بعضها يعود إلى عام 77 هـ.، إلى جانب مجموعة نادرة من المخطوطات الفارسية المزينة بالصور والألوان.

بحسب الدكتور أيمن فؤاد، حتى الأول من أبريل 1916، كان هناك 19 ألف مخطوط في دار الكتب، منها 345 مخطوطًا موقوفًا، بالإضافة إلى 189 مصحفًا، بما في ذلك 27 مصحفًا كتبت بالقلم الكوفي. كما أضافت الدار مجموعة من مخطوطات علي باشا مبارك عام 1895.

من ضمن المحتويات النادرة، يوجد المصحف الذي كان في جامع عمرو بن العاص، كتب في أوائل القرن الثاني الهجري بخط كوفي، بالإضافة إلى مصاحف مملوكية متنوعة.

وبالنسبة للمخطوطات الفارسية، تضم الدار 71 مخطوطًا مزينًا، يعود تاريخها إلى ما بين القرن الثامن والقرن الرابع عشر الهجري. من بين هذه المخطوطات النسخة القديمة من كليلة ودمنة التي تحتوي على 112 صورة ملونة، ونسخة الشاهنامة للشاعر الفردوسي والتي كتبت في شيراز عام 796 هـ.

دار الكتب المصرية
تحتوي دار الكتب على مجموعة فريدة لا مثيل لها من الدوريات والصحف والمجلات العربية والأجنبية (مواقع التواصل)

المسكوكات والدوريات

اكتشفت أشعة كثيرة من أوراق البردي في شمال الفيوم عام 1877، انتقلت إلى برلين وأوكسفورد وفيينا، حيث اشترى أرشيدوق نمساوي ألف قطعة منها، والتي أصبحت مجموعة مشهورة عالميًا. كما اكتشفت مجموعات أخرى في مناطق مثل أهناسيا وأخميم، والآثار المنقولة إلى أماكن عدة في أوروبا.

تحتفظ دار الكتب بمجموعة ضخمة من النقود العربية والإسلامية، والتي تم شراؤها من قبل السلطة التنفيذية المصرية وإيداعها في الدار عام 1894، حيث وُجدت في آخر فحص عدد 6400 قطعة، بما في ذلك 5300 عملة و890 شيئًا زجاجيًا، و20 ميدالية، و130 قالب سك وأختام زجاجية، ولا تزال محفوظة في “خزانة النقود الأثرية” مرتبة زمنياً.

كما تمتلك دار الكتب 28,540 خريطة و500 لوحة خط عربي، تعود للمدرستين العثمانية والفارسية، معظمها في حالة جيدة وتعود إلى الفترات التاريخية المهمة. وتعتبر كثير من المخطوطات والمصاحف جزءًا من تراث السلطان عبد الحميد الثاني.

أيضًا، تضم دار الكتب مجموعة فريدة من الدوريات والصحف والمجلات العربية والأجنبية. تشمل الدوريات العربية 4200 عنوان والدوريات الأجنبية 5812 عنوانًا، وتحتوي على 156,431 مجلدا (حسب د. أيمن فؤاد).

صورة (2) مصحف مخطوط عام 713 هجريا من العصر الإلخاني (المغولي) وهو من نوادر المصاحف الموجودة في دار الكتب المصرية والعالم. المصدر: موقع دار الكتب والوثائق المصرية
مصحف مخطوط عام 713 هجريا من العصر الإلخاني (المغولي) وهو من نوادر المصاحف الموجودة في دار الكتب المصرية والعالم (دار الكتب والوثائق المصرية)

تراجع الدور الثقافي

تُعتبر دار الكتب بمثابة “جامعة الهواء” لمثقفي مصر، إذ كانت تجمع كبار الكتّاب والمثقفين مثل شاعر النيل حافظ إبراهيم، وأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، والكاتب الكبير توفيق الحكيم. وعام 1965 بدأت الأزمات مع ضم دار الوثائق القومية مما أدى لتهميشها ثم جاء ضم الهيئة المصرية السنةة للكتاب مما زاد من مشكلة دار الكتب وطاقاته.

تراجع دورها الثقافي، وأصبحت غير قادرة على مواكبة الثقافة الحديثة، وتوفير المطبوعات الجديدة، بسبب نقص الموارد المادية والبشرية. في الوقت الذي كان يشهد العالم تقدماً في مجالات التقنية الحديثة، بدأت جهود المثقفين للتطوير.

في عام 1992، اجتمع عدد من المثقفين، معبرين عن قلقهم من الوضع المتدهور، وقدموا فكرة تطور الدار لمحمد حسني، فكان له التأثير وزاد اهتمامه بتطوير المكتبات المصرية. وصدر قرار بتشكيل لجنة استشارية لتطوير الدار وتحسين أدائها.

تم تعييني مديرًا لمشروع تطوير الدار، حيث كانت البداية هي إعادة دور المبنى ليصبح مكتبة للدراسات الشرقية ويقوم بجمع التراث الوطني وتيسير الانتفاع به.

ومع ذلك، لأسباب إدارية، تم الإبقاء على دار الوثائق مع دار الكتب وسيتم العمل على استقلالها لاحقاً، حيث تحتاج إلى فنيين وخبراء مختصين.

الذكاء والرقمنة

أساليب صيانة المخطوطات بالطريقة التقليدية لم تعد مناسبة، حيث ظهرت تقنيات حديثة لحمايتها وتحليلها وتوفيرها للجمهور عبر الرقمنة. تعتمد هذه العملية على الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي. عمومًا، لم تحظ المخطوطات بالاهتمام الكافي من الباحثين العرب.

على الرغم من تدمير العديد من المخطوطات على مر الزمن، لا يمكن نسيان ما حدث لبغداد عام 1258 وما تبعه من حوادث. لكن الآن، توجد دعوات لإعادة إحياء التراث الوطني عبر الرقمنة.

تساعد الرقمنة في تطوير قاعدة بيانات تناسب التطور التكنولوجي وتساعد في حفظ وصيانة المخطوطات، مما يساهم في الحفاظ على التراث. إن تنفيذ هذه الفكرة يتطلب خطة منهجية ومعدات تقنية وموارد مالية.

وعلى الرغم من أهمية التقنية، يبقى العنصر البشري المدرب عنصرًا حاسمًا لنجاح الرقمنة. فالعمل اليدوي كما هو في صيانة وترميم المخطوطات له دور لا يُمكن تجاهله.

تتطلب عملية الرقمنة مهارات دقيقة في صيانة المخطوطات، والنماذج المستخدمة تشمل التحويل إلى تنسيق صورة أو نص، وغالبًا ما يتم التعامل مع المخطوطات العربية كنصوص صور نظرًا لخصوصية الخط.

327ce9f o
في مجال النصوص التراثية، أحرز الذكاء الاصطناعي تقدمًا كبيرًا في فك رموز العديد من المخطوطات (فليكر)

المعجزة الرقمية

تتسارع التقدمات في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة في الترجمة والتصوير. الدكتور أيمن أحمد شاهين، عميد كلية الهندسة بجامعة الفيوم السابق، يوضح أن هناك تحسينات ملحوظة في تحويل النصوص التراثية إلى لغات مرئية.

في المجال التراثي، شهدنا معجزات حقيقية تتعلق بفك رموز المخطوطات. لكن التحديات تبقى بسبب تعقيدات اللغة العربية وفنائها. ومع ذلك، يتعين علينا الاستفادة من تقنية “شبكة الخصومة التوليدية” (GAN) في تحسين هذا المجال.

إطلاق النسخة الرابعة من “جي بي تي-4” عبر شركة “أوبن إيه آي” يشير إلى ثورة في ترجمة النصوص وفك رموز المخطوطات بطريقة مرئية مذهلة. ومع ذلك، يجب ملاحظة أن قاعدة المعلومات الخاصة بالعربية بحاجة إلى المزيد من العمل لتحسين الأداء.

قصص رائعة تظهر قدرة الذكاء الاصطناعي في إنتاج فيديوهات بناءً على نصوص عربية، ما يمكّن من توثيق التراث العربي العظيم، مثل سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد، واستخدام البرنامجات الحديثة في هذا المجال.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا