إعلان


مع فجر اليوم، يتوجه ملايين الحجاج إلى وادي منى العتيق لفترة الحج المقدس. تمتد خيام منى البيضاء بشكل مهيب، محاطة سلسلتين جبليتين، الأمر الذي يمنح المكان طابعًا روحانيًا. في الثامن من ذي الحجة، يعرف هذا اليوم باسم “يوم التروية”، حيث يؤدي الحجاج صلواتهم ويستعدون ليوم عرفة. هذا اليوم يعتبر تحضيرًا لركن الحج الأعظم، حيث يقوم الحجاج بالدعاء والذكر. يتوجهون إلى عرفة في اليوم التاسع لأداء الوقوف الذي يعد الركن القائدي في الحج، وتُعتبر هذه الأيام من أعظم الأيام في الإسلام، يشملها الذكر والدعاء، مع أهمية جبل عرفة ومسجد نمرة.

مع بزوغ فجر اليوم، يتوجه مئات الآلاف من الحجاج إلى وادي منى القديم، حيث يمتد أطول مخيم في العالم، وتترابط خيمه البيضاء على طول الأفق في مشهد فني جميل يسر العين ويهدئ النفس. وعلى أطرافه الشمالية والجنوبية، تبرز سلسلة جبال شامخة يتردد صدى تكبيرات الملبين على قممها كل عام.

إعلان

يتناغم بياض خيام منى مع بياض المقاصد التي دفعت ملايين الحجاج للنفير إلى هذا الوادي المكتظ بالزوار، والذي يتميز بعطر الشوق وعبير التلبية والتكبير.

كما يتوافق ذلك أيضاً مع بياض ثياب الإحرام التي تلتف حول أجساد الحجاج اثناء تجولهم في خيام منى، حاملاً إياهم شوق عارم.

في هذا اليوم، تنطلق رحلة الحج التي تمتد عبر الزمان والمكان، وتتواصل على مدى 6 أيام، بالإضافة إلى ما يسبقها من تلبية وطواف حول بيت الله الحرام.

آخر تحديثات الأخبار تيليجرامع

في هذا اليوم المبارك، يقضي الحجاج يومهم في الصلاة والعبادة، فيما يُعرف بيوم التروية. فما هي أبرز أعمال الحج في هذا اليوم والذي يليه (يوم عرفة)؟

ما يوم التروية؟

يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، حيث ينزل الحاج في مشعر مِنى ويؤدي هناك صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر.

لماذا سمي يوم التروية؟

تختلف الآراء بين المختصين حول أسباب تسمية هذا اليوم، حيث يعتقد البعض أن الاسم يعود إلى أن الحجاج كانوا يتروون فيه بالماء استعداداً ليوم عرفة.

ويقال أيضاً إن الحجاج يروون أنفسهم بالإيمان والتقوى استعداداً للوقوف في عرفات، وهو ركن الحج الأعظم، في التاسع من ذي الحجة.

كما يذهب البعض إلى تسميته لأن آدم رأى حواء فيه والتقى بها، أو لأن إبراهيم رأى في منامه أنه يذبح ابنه، مما جعله يتروى، أو لأن جبريل أري إبراهيم فيه مناسك الحج، أو لأن الإمام يعلّم الناس ويروي لهم المناسك فيه.

ما الذي يفعله الحجاج في يوم التروية؟

في يوم التروية، يقضي الحجاج وقتهم في الدعاء والذكر والتأمل، مع ترديد تلبية الحج “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”.

كما يُصلّون في مِنى الصلوات الخمس بشكل مقصر دون جمع، ويبيتون هناك قبل التوجه إلى صعيد عرفة بعد شروق شمس اليوم التاسع من ذي الحجة.

ويفضل للحاج الإكثار من الدعاء والتلبية أثناء الرحلة إلى مِنى، ويفضل ألا يغادرها إلا بعد بزوغ شمس اليوم التاسع من ذي الحجة، تماشياً مع ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أين يقع مشعر منى؟

يقع مشعر مِنَى بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة على بعد 7 كيلومترات شمال شرق المسجد الحرام، وهو وادٍ تحيطه الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكن إلا في فترة الحج.

وتبلغ مساحة مشعر منى 16.8 كيلومتراً مربعاً، وهو من أكبر المشاعر المقدسة من حيث الدوائر الحكومية والجهات الخدمية التي تعمل على تسهيل أداء مناسك حجاج بيت الله الحرام، بما يُقدر بـ15% من مساحة السفوح الجبلية للمشعر.

أما المساحة المتبقية فتُستخدم لنصب الخيام لإيواء الحجاج، حيث تقدر بمساحة 2.5 مليون متر مربع، تستوعب نحو 2.6 مليون حاج، مما يجعل المشعر أكبر مدينة خيام في العالم.

من أين جاءت تسمية منى؟

تتعدد الروايات التاريخية حول سبب تسمية هذا الوادي المبارك، حيث قيل إنه لما يُمنى فيه من الدعاء، أو لأن جبريل عليه السلام أتى إبراهيم عليه الصلاة والسلام في هذا الوادي وأخبره أن يتمنى على ربك ما شئت، فسمي الوادي منى.

ويذهب بعض المؤرخين إلى أن تسمية مشعر مِنَى مشتقة من الفعل أَمنَى، بمعنى أراق الدماء، بسبب كثرة ما يراق فيه من دماء الهَدْي.

ويرى آخرون أن منى سُميت كذلك لاجتماع الناس فيها، حيث كانت العرب تطلق اسم “منى” على كل مكان يجتمع فيه الناس.

ورغم اختلاف الروايات، إلا أن ما لا يختلف عليه أحد هو أن منا تعتبر واحدة من محطات الحج الأساسية، يمر بها الحجاج كل عام ذهاباً وإياباً من عرفات ركن الحج الأعظم.

ما مكانة منى في الإسلام؟

تتمتع مشعر منى بمكانة دينية خاصة عند المسلمين، ففي هذا المكان، قام نبي الله إبراهيم عليه السلام برمي إبليس بالجمار، وذبح كبشاً فداءً لسيدنا إسماعيل عليه السلام.

وقد أكّد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا الفعل خلال حجة الوداع، حين رمى جمرة العقبة أو الجمرة الكبرى صباح اليوم العاشر من ذي الحجة، وذبح الهدي بعد رمي الجمرات، وحلق شعره في اليوم ذاته، مما جعل المسلمين يتبعون سنته في رمي الجمرات وذبح هديهم وحلق شعورهم.

كما يشتهر مشعر منى بعدد من المعالم المهمة في الحج، منها الشواخص الثلاثة التي يرمى فيها الحجاج الجمرات، والتي تتمثل في جمرة العقبة في اليوم العاشر من ذي الحجة، وجمرات أيام التشريق الثلاثة في 11 و12 و13 ذي الحجة.

بالإضافة إلى ذلك، يحتضن هذا المشعر مسجد الخيف الذي يقع على السفح الجنوبي من جبل منى، قريباً من الجمرة الصغرى، ويُعتبر ثالث أكبر مسجد في منطقة مكة المكرمة بعد المسجد الحرام ومسجد نَمرة.

وهو أحد المواضع التي صلى فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

شهد مشعر منى أيضًا أحداثًا تاريخية هامة في الإسلام، مثل بيعتا العقبة الأولى والثانية عامي 12 و13 من الهجرة، واللتين بايع فيهما مجموعة من الأنصار النبي محمد عليه الصلاة والسلام على نصرته.

عرفات

بعد يوم التروية، يرتفع الحجاج إلى عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة للوقوف على صعيدها الطاهر وأداء ركن الحج الأعظم، فما الذي يحدث في هذا اليوم؟

أين تقع منطقة عرفات؟

عرفات أو عرفة هي منطقة مستوية تبعد عن المسجد الحرام في مكة المكرمة نحو 20 كيلومتراً نحو الجنوب الشرقي. ويحد عرفات من الجهة الغربية وادي عرنة.

تقع عرفات خارج حدود الحرم، وهي إحدى حدود الحرم من الجهة الشرقية، وتبلغ مساحتها 10.4 كلم2، وقد وضعت علامات تبين حدودها.

لماذا سميت عرفة بهذا الاسم؟

هناك قول أن عرفات سميت كذلك لأن الناس يتعارفون فيها، أو لأن أمين الوحي جبريل عليه السلام طاف بالنبي إبراهيم عليه السلام وكان يريه المشاهد ويسأله “أَعَرَفْتَ؟ أَعَرَفْتَ؟”، فيرد إبراهيم “عَرَفْتُ، عَرَفْتُ”. كما توجد آراء أخرى حول سبب التسمية.

ما المقصود بالوقوف بعرفة؟

الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم للحج ولا يصح الحج من دونه، يبدأ من فجر اليوم التاسع من ذي الحجة ويستمر حتى طلوع الفجر الصادق لليوم العاشر، حيث يكثر فيه الحاج من الذكر والدعاء.

الوقوف بعرفة يعني أن يكون الحاج حاضراً في هذا المكان لمدة معينة من الزمن، وليس بالضرورة أن يقف على قدميه، بل يمكنه أن يجلس أو يستلقي إذا كان ذلك أكثر راحة له. وعرفة كلها موقف كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هناك مكان محدد لذلك، بشرط أن يكون الوقوف ضمن النطاق الجغرافي المعروفة لمشعر عرفات، ويستمر حتى غروب الشمس.

ما الذي يفعله الحاج في عرفة؟

يوم عرفة يُعتبر يوم الحج الأكبر، حيث يؤدي الحجاج الركن الأعظم وهو الوقوف في صعيد عرفة، مع الإكثار من الذكر والدعاء، وهو ركن لا يصح الحج بدون.

يتم جمع الحجاج في عرفة يوم التاسع من شهر ذي الحجة، ويصلون الظهر والعصر قصراً (ركعتين فقط لكل صلاة منهما) وجمع تقديم، ويواصلون الدعاء والذكر والتكبير حتى غروب الشمس.

يعتبر يوم عرفة من أعظم أيام الله، حيث تُغفر فيه الزلات وتجاب فيه الدعوات، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على المسلمين، وقد جعله الله كالمقدمة ليوم النحر. وقد وردت في فضائله ومآثره العديد من الأحاديث النبوية.

أيضاً، تم ذكره في القرآن الكريم بقوله تعالى “فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام”.

ما أبرز معالم عرفة؟

من أهم معالم عرفة التي يسعى الحجاج للوقوف بها طلباً للمغفرة والرحمة هو “جبل عرفة”، المُلقب شعبياً بـ “جبل الرحمة”، حيث ألقى النبي محمد عليه الصلاة والسلام -قبل 14 قرناً- خطبة الوداع التي صرح فيها اكتمال رسالة الإسلام.

يعتبر “جبل عرفة” شرق عرفات، وهو تلة تتكون من حجارة صلبة وكبيرة وسطحها مستوٍ وواسع، وقد وُضع على قمته عمود حجري طوله 7 أمتار، يحيط به جدار بارتفاع حوالي 57 سنتيمتراً.

يبلغ عرض هذا الجبل في الشرقي 170 متراً، وغربه 100 متر، وطوله شمالاً 200 متر، وجنوباً 170 متراً، وارتفاعه عن سطح البحر 372 متراً، بينما ارتفاعه عن الأرض المحيطة به 65 متراً.

من المعالم الأخرى المهمة مسجد نمرة، حيث خطب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، ويحرص الكثير من الحجاج على صلاة الظهر والعصر فيه جمعاً وقصراً، فضلاً عن الاستماع إلى خطبة يوم عرفة.

يُعرف المسجد بعدة أسماء مثل مسجد إبراهيم وعرنة وعرفة، ويُعتقد أن اسمه “مسجد عرفة” جاء من قرية تقع خارج منطقة عرفة، حيث أقام فيها النبي صلى الله عليه وسلم ثم سار منها إلى وسط عرفة وصلى هناك وخطب في الناس.

يُرجح أن بناء المسجد تم في منتصف القرن الثاني للهجرة خلال بداية عهد الخلافة العباسية (في القرن السابع الميلادي)، وقد حظي بمزيد من الاهتمام من السلاطين على مر العصور.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا