إعلان


تتجه سوريا نحو تطبيق نظام التعويم المدار لعملتها المحلية لمحاربة تدخل الصرافين وتعزيز توحيد الأسعار النقدية، وفقًا لمحافظ مصرف سوريا المركزي. يهدف النظام الحاكم إلى تمرير عمليات التجارة الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي، مما سيعزز التجارة الخارجية ويخفض تكاليف الاستيراد. يتضمن ذلك العودة إلى نظام سويفت عقب 14 عامًا من الحرب. ورغم الإيجابيات المحتملة مثل استقرار سعر الصرف وتقليل القطاع التجاري السوداء، تواجه سوريا تحديات كبيرة، تشمل نقص الاحتياطات الأجنبية وضعف البنية التحتية المصرفية، مما يجعل البرنامج الناجح للنظام محفوفًا بالمخاطر في ظل عدم الاستقرار السياسي والماليةي.

إعلان

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن محافظ مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، صرح أن البلاد تسعى لتطبيق نظام التعويم المدار لعملتها المحلية، بهدف تقليل تدخل الصرافين في سوق الصرف وتعزيز جهود توحيد الأسعار النقدية. وأوضح حصرية أن هذه الخطة تهدف إلى تمرير جميع عمليات التجارة الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي، مما يعني إلغاء دور الصرافين الذين كانوا يتلقون حوالي 40 سنتًا عن كل دولار يدخل إلى سوريا.

في تصريحاته، نوّه حصرية أن عودة سوريا إلى نظام سويفت ستشكل نقلة نوعية ستشجع التجارة الخارجية، وتساهم في تقليل تكاليف الاستيراد، وتسهيل عمليات التصدير. كما اعتبر أن هذه الخطوة ستجلب العملات الأجنبية التي تفتقر إليها البلاد بشكل كبير، بالإضافة إلى دعم جهود مكافحة غسل الأموال والتقليل من الاعتماد على الشبكات المالية غير الرسمية في التجارة عبر النطاق الجغرافي.

وكشف حصرية أن العودة إلى الربط الكامل بنظام المدفوعات الدولية “سويفت” ستكون “في غضون أسابيع”، الأمر الذي من شانه أن يسهم في إعادة ربط سوريا بالمالية العالمي بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب والعقوبات التي أدت إلى عزل البلاد من الناحية المالية.

ما نظام التعويم المدار؟

يعتبر سعر صرف العملة الوطنية من أبرز المؤشرات التي تعكس قوة المالية الوطني وتأثيره على مستويات التجارة والتنمية الاقتصادية، وتختلف الدول في كيفية إدارة سعر الصرف تبعاً لنظامها الماليةي والمالي. وعادة ما تُقسم أنظمة سعر الصرف إلى ثلاثة نماذج رئيسية:

  • نظام سعر الصرف الثابت: حيث تثبت الدولة قيمة عملتها مقابل عملة أجنبية رئيسية مثل الدولار الأميركي، أو مقابل سلة من العملات. يتطلب هذا النظام الحاكم تدخلًا دائمًا من المؤسسة المالية المركزي لضمان بقاء سعر العملة في نطاق محدد من خلال عمليات بيع وشراء العملات الأجنبية.
FILE PHOTO: A view of Syrian central bank, after the ousting of Syria's Bashar al-Assad, in Damascus,Syria, January 12, 2025. REUTERS/Firas Makdesi/File Photo
احتياطي النقد الأجنبي المتآكل يشكل العقبة الأبرز أمام قدرة المركزي السوري على التدخل الفعّال عند الحاجة (رويترز)
  • نظام سعر الصرف المرن: يُحدد فيه سعر العملة بناءً على قوى العرض والطلب بدون تدخل مباشر من المؤسسة المالية المركزي، مما يجعل القطاع التجاري هي السنةل المحدد لتقلبات الأسعار.
  • نظام سعر الصرف بالتعويم المدار: يمثل هذا النظام الحاكم نموذجًا وسطياً بين النظام الحاكمين السابقين. حيث يُسمح لسعر الصرف بالتقلب وفقاً لقوى القطاع التجاري، مع تدخل المؤسسة المالية المركزي عند الضرورة، خاصة في حالة حدوث ارتفاعات أو انخفاضات حادة قد تؤثر على القطاع التجاري المحلية.

يهدف التعويم المدار إلى تقليل حدة تقلبات أسعار الصرف، أو توجيهها نحو مستوى يدعم أهدافًا اقتصادية معينة، مثل دعم الصادرات أو مكافحة ارتفاع الأسعار. يعتمد نجاح هذا النظام الحاكم على مجموعة من العوامل، منها: متانة المالية، حجم الاحتياطيات الأجنبية، فعالية السياسات النقدية والمالية، والقدرة على تنفيذ إصلاحات هيكلية.

دول عديدة طبقت هذا النظام الحاكم بنجاح متفاوت، مثل: الصين والهند، اللتين استفادتا من التعويم المدار في زيادة التنافسية وزيادة الصادرات، بالإضافة إلى دول مثل جورجيا ورومانيا وسنغافورة وماليزيا وتايلاند والأرجنتين وإندونيسيا والجزائر والمغرب.

هل تنجح سوريا في تطبيق التعويم المدار؟

في تصريحات خاصة لموقع الجزيرة نت، صرح الخبير في المالية السوري يونس الكريم بأن نظام التعويم المدار قد طُبّق سابقًا في سوريا عام 2007 خلال فترة ما عُرف باقتصاد القطاع التجاري الاجتماعي، الذي كان يمزج بين النمط الرأسمالي والمقاربة الاجتماعية، في محاولة لتقليل التأثيرات السلبية على الفئات الفقيرة نتيجة تقلبات سعر الصرف.

يشير الكريم إلى أن النظام الحاكم في تلك الفترة وسع من تطبيق التعويم المدار في السنوات الأولى من الثورة، مما أدى إلى استنزاف جزء كبير من الاحتياطيات النقدية. ويضيف أن العودة اليوم إلى التعويم المدار تمثل اعترافًا ضمنيًا بالعودة إلى ربط الليرة السورية بالدولار الأميركي، بعد محاولات سابقة لفك هذا الربط وتثبيت الليرة على أساس سلة من العملات. برأيه، فإن الدولرة الجزئية كانت ولا تزال خيارًا أكثر واقعية وأسهل من التعويم.

يقدم الكريم بعض الإيجابيات المحتملة للتعويم المدار في الحالة السورية، ومن أبرزها:

  • استقرار سعر الصرف: العملة المرتبطة بالدولار تسهم في استقرار أسعار السلع والخدمات، نظراً لأن معظم المواد الأساسية تُستورد من الخارج، مما يقلل من تقلبات سعر الليرة.
  • الحد من القطاع التجاري السوداء: تعاني سوريا منذ سنوات من وجود سوق سوداء قوية لتداول العملات، وقد يسهم تطبيق التعويم المدار في تقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر القطاع التجاري السوداء.
  • مكافحة ارتفاع الأسعار: يعاني السوريون لفترة طويلة من تضخم غير مسبوق، ويعتبر التعويم المدار وسيلة فعالة لمعالجته أو على الأقل التخفيف من تفاقمه.
  • جذب التنمية الاقتصاديةات: من الممكن أن يقلل النظام الحاكم الجديد من مخاطر تقلبات الصرف بالنسبة للمستثمرين، مما يساعد في تأمين الاحتياطات النقدية اللازمة للاستيراد.
3- سوريا / اقترب سعر صرف الدولار الواحد من حاجز 4 آلاف ليرة سورية مع توقع باستمرار انهيار قيمة الليرة/ الفرنسية
الاعتماد على القطاع التجاري السوداء في تداول العملات كان لسنوات من أبرز معوقات الاستقرار النقدي (الفرنسية)

خطوات ضرورية قبل تطبيق التعويم المدار

في تقرير نشره موقع الحرية، يوضح الأكاديمي والباحث الماليةي الدكتور عباس رشيد كعده العديد من الخطوات الاستباقية التي يجب اتخاذها من قِبَل مصرف سوريا المركزي لضمان نجاح الانتقال إلى التعويم المدار، والتي تشمل:

  • إطلاق منصة رسمية لشراء الدولار من المواطنين بسعر قريب من سعر القطاع التجاري الموازية، مع وضع سقوف وضوابط يومية تمنع المضاربات.
  • توفير السيولة بالليرة السورية لتمويل عمليات الشراء بدلاً من استخدام الاحتياطي النقدي بالدولار، مما يسهم في تنشيط الدورة النقدية داخليًا.
  • توسيع قنوات التداول الرسمية من خلال دمج البنوك وشركات الصرافة المرخصة ضمن منظومة شفافة لإدارة الطلب على القطع الأجنبي.
  • تعزيز آليات الرقابة على القطاع التجاري لمنع المضاربات غير المشروعة التي تؤثر على الاستقرار النقدي.
  • بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة المالية المركزي عبر الإفصاح المنتظم عن السياسات النقدية والأسعار بشكل شفاف.
  • تهيئة بيئة اقتصادية داعمة من خلال تشجيع الإنتاج والتصدير مما يُحسن ميزان المدفوعات ويقلل الضغط على العملة.

تحديات جوهرية قد تعيق تطبيق التعويم المدار

على الرغم من الفوائد المحتملة، يرى الخبير يونس الكريم أن هناك مجموعة من التحديات الكبيرة التي قد تعيق نجاح هذه الخطوة، وأبرزها:

  • نقص الاحتياطات الأجنبية: تأمين احتياطي نقدي قوي يُعتبر شرطاً أساسياً لتدخل المؤسسة المالية المركزي عند الضرورة، بينما تعاني سوريا حالياً من نقص حاد في هذا الجانب.
  • ضعف قدرة المؤسسة المالية المركزي على تطبيق قراراته على شركات الصرافة، بسبب عدم السيطرة على أجزاء من الجغرافيا السورية.
  • التقلبات الحادة في سعر الصرف: في ظل بيئة اقتصادية هشة، قد يؤدي تطبيق التعويم المدار إلى تقلبات خطيرة تُربك القطاع التجاري وتزيد من حالة عدم اليقين.
  • استنزاف الاحتياطي النقدي: التدخل المتكرر في القطاع التجاري يستهلك الاحتياطي المتاح، مما يُهدد الاستقرار المالي على المدى القصير.
  • بنية تحتية مصرفية ضعيفة: تحتاج المصارف السورية إلى تحديث ودعم تقني لمواكبة متطلبات نظام أكثر مرونة.
  • اقتصاد منهك بعد الحرب: من المتوقع أن يكون من الصعب تطبيق نظام نقدي مرن في ظل اقتصاد هش يعاني من ضعف الإنتاج وتضخم مزمن.
  • غياب الاستقرار السياسي: يتطلب نجاح أي سياسة نقدية بيئة سياسية وقانونية مستقرة، وهو ما يفتقده الوضع السوري حالياً.
  • ضعف الكوادر والخبرة المؤسسية: لا يزال المؤسسة المالية المركزي يعمل ضمن نظام وسياسات قديمة تعود إلى العهد السابق، مما يعوق التنفيذ الفعال لسياسات جديدة.
  • تعارض السياسات الماليةية: هناك تضارب واضح بين سياسة التعويم المدار والانفتاح الماليةي الشامل الذي دعا إليه بعض المسؤولين في وقت سابق.

يعتبر تبنّي نظام التعويم المدار خطوة جريئة في السياق السوري، يحمل مزايا نظرية مغرية، لكن تطبيقه العملي يعبر عن مجازفة في بيئة سياسية واقتصادية غير مستقرة. رغم أن النظام الحاكم قد يوفر مرونة أكبر في مواجهة الصدمات ويعزز التنافسية، إلا أن نجاحه يعتمد على توافر الظروف المناسبة، وعلى رأسها الاستقرار السياسي، وكفاية الاحتياطيات، وقدرة المصرف المركزي على ضبط القطاع التجاري.

بالنظر إلى الظروف الراهنة، يبدو أن تطبيق هذا النظام الحاكم في المدى القريب سيكون أقرب إلى المغامرة النقدية منه إلى الإصلاح الاستراتيجي، وقد تكون له آثار سلبية على ثقة المستثمرين وحركة رؤوس الأموال في البلاد.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا