تتزايد عزلة إسرائيل دوليًا بسبب حكومة نتنياهو اليمينية، التي تواصل ما يُعتبر حرب إبادة ضد الفلسطينيين. تعاونت بريطانيا مع دول مثل كندا ونيوزيلندا في فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين يُحرضون على العنف ضد الفلسطينيين. تهدف هذه العقوبات إلى الحفاظ على مسار حل الدولتين. السلطة التنفيذية البريطانية، التي قد ترفع القيود عن الصادرات العسكرية، تتعرض لضغوط داخلية للاعتراف بدولة فلسطينية. بينما تواصل الولايات المتحدة دعم إسرائيل، تتزايد المدعا الأوروبية بفرض عقوبات على القادة الإسرائيليين. يجب على الحكومات الغربية اتخاذ خطوات أكثر جدية لإنهاء الحرب والتوسع الاستيطاني في المناطق المحتلة.
لندن- تعاني إسرائيل من عزلة متزايدة على الساحة الدولية بسبب تعنت حكومتها اليمينية -بدعم كامل من أمريكا- في استمرار حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في القطاع، حيث تحاول العديد من حلفائها الغربيين الضغط على قادتها لدفع حكومة نتنياهو لتغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة.
وقد انضمت بريطانيا إلى كندا وأستراليا والنرويج ونيوزيلندا في فرض حظر على السفر وتجميد الأصول المالية ضد وزير الاستقرار الوطني إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بسبب تصريحاتهم التحريضية العنصرية ضد الفلسطينيين ودعمهم لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
فضل الحلفاء الغربيون التحرك بشكل جماعي، وتنسيق مواقفهم بعناية شديدة مع من يشاطرهم الرؤية ذاتها حول مسار حل الأزمة في غزة، ويؤمنون بضرورة زيادة الضغط على السلطة التنفيذية الإسرائيلية اليمينية لوقف انتهاكاتها بحق الفلسطينيين.
كما تسير السلطة التنفيذية البريطانية على النهج نفسه، مع وجود خطوات تصعيدية ضد إسرائيل، في إطار تنسيق مع دول غربية أخرى، لتجنب أي صدام مباشر مع الحليفتين إسرائيل وأمريكا.
حراك منسق
لفت البيان المشترك للدول الخمس إلى أن قرار فرض العقوبات يهدف بشكل فعال للحفاظ على مسار حل الدولتين، في حين تعمل السلطة التنفيذية الإسرائيلية المتطرفة على تقويض هذا الحل، ويعتبر الوزيران الإسرائيليان مثالاً للسياسيين المتطرفين الذين يهددون بإنهاء أي فرصة لتحقيقه.
وكانت السلطة التنفيذية البريطانية قد قررت تعليق المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وأصدرت قبل أيام عقوبات ضد بعض قادة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بالتعاون مع كل من فرنسا والنرويج.
كما صرحت في سبتمبر/أيلول الماضي عن حظر كامل على تصدير الأسلحة المباشرة لإسرائيل، رغم مواصلتها إرسال قطع الغيار لطائرات “إف 35″، والتي تعتبر جزءًا أساسيًا من سلاح الجو الإسرائيلي.
وكشفت صحيفة “فايننشال تايمز” عن مصادر تؤكد أن هذه الخطوة تمثل تغيرًا في نهج حكومة حزب العمال تجاه حكومة نتنياهو، بسبب تصاعد حملتها العسكرية ضد قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
ذكرت صحيفة “الغارديان” أن وزير الخارجية السابق ديفيد كاميرون كان قد تردد في اتخاذ خطوة مماثلة الصيف الماضي، حيث كان يرفض فرض عقوبات على القادة الإسرائيليين المتطرفين، مأنذرًا من الكلفة الانتخابية لذلك على قواعد الحزب اليمينية.
![هل يتمكن حلفاء إسرائيل الغربيون من إبعاد قادتها المتشددين؟ 1 Israeli far-right politicians, Itamar Ben-Gvir, left, and Bezalel Smotrich, have long worked to control more of the occupied West Bank [File: Gil Cohen-Magen/AFP]](https://i0.wp.com/www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2024/08/%D9%8A%D8%B3%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B8%D9%8A%D8%A8-1724912079.jpg?w=1068&ssl=1)
ضغط برلماني
يستمر نواب من أحزاب بريطانية مختلفة في الضغط على السلطة التنفيذية العمالية للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، على الرغم من تحذيرات رئيس الوزراء البريطاني من أي مبادرة قد تثير التوتر مع الإدارة الأميركية بشأن الحرب في غزة، أو تثير استياء الأوساط اليمينية المؤيدة لإسرائيل.
وقد واجه نواب المجلس التشريعي وزير الدولة المعني بقضايا الشرق الأوسط في السلطة التنفيذية البريطانية، هاميش فالكونر، الإسبوع الماضي، ودعاوه بالكشف عن خطط السلطة التنفيذية في هذا الإطار، بينما تتمسك السلطة التنفيذية بمواقفها بأنها تستشير حلفائها.
وخلال الأشهر الماضية، كان المجلس التشريعي البريطاني ساحة جدل شديد حول موقف السلطة التنفيذية من السياسات الإسرائيلية، حيث أدان وزير الخارجية ديفيد لامي كثيرًا من تصريحات القادة اليمينيين التحريضية ضد الفلسطينيين، دون اتخاذ خطوات حاسمة بشأن فرض عقوبات عليهم، وسط اتهامات من اليمين الشعبوي لحزب العمال بأنه يدعم الفلسطينيين على حساب الحليف الإسرائيلي.
يعتقد صباح المختار، رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا، أن فرض عقوبات على هؤلاء القادة المتطرفين ليس مجرد خطوة جريئة، بل هو انسجام مع القانون الدولي الإنساني الذي ينص على فرض عقوبات على الأفراد الذين يهددون السلام ويشجعون على ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية.
وأردف المختار أن فرض بريطانيا مع حلفائها العقوبات هذه يرسل إشارات إيجابية لبلدان أخرى أقل تأثيرًا في الساحة الدولية بأن تسلك نفس النهج، مما يزيد من الضغط والعزلة على قادة اليمين المتطرف الإسرائيلي ويوسع الرقعة القانونية لملاحقتهم.
غضب أميركي وإسرائيلي
تواصل المسؤولون البريطانيون وقادة آخرون في أوروبا إرسال رسائل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يُتهم بارتكاب جرائم حرب في غزة، والذي هدد بالرد ضد هذه القرارات.
تواجه حكومة حزب العمال وحكومات أوروبية أخرى تحديًا في علاقاتها مع الإدارة الأميركية في العديد من القضايا، ويُعتبر دعم حكومة نتنياهو المتطرفة أحد مواضيع الخلاف الجديد مع واشنطن.
بينما تحاول واشنطن إعادة تأكيد الروابط بين إسرائيل وحلفائها الغربيين الغاضبين من سلوكها، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنه يجب على حلفائه “عدم تجاهل هوية العدو الحقيقي”. وأدان قرار فرض العقوبات، مؤكداً أن الولايات المتحدة تقف بجانب إسرائيل.
وفي تحد للقرارات الغربية، لفت بن غفير إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بكلمات شعبوية، موضحًا أن الإسرائيليين قادرون على مواجهة عقوباته.
بدوره، اتهم سموتريتش السلطة التنفيذية البريطانية بمحاولة منع اليهود من الاستقرار في المنطقة، ممتدًا إلى النزاع التاريخي مع الاحتلال البريطاني لفلسطين في الثلاثينيات.
جهود دولية
تستمر فرنسا ودول عربية وأوروبية أخرى في التحضير لمؤتمر دولي من المتوقع أن يُعقد قريبًا في نيويورك، لدعم مسار حل الدولتين، حيث لم يستبعد القائد الفرنسي إيمانويل ماكرون إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، في محاولة للمحافظة على فرصة التوصل إلى حل سياسي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
لكن الإدارة الأميركية أنذرت الأوروبيين من اتخاذ خطوة مماثلة، بينما يبدو أن حكومة نتنياهو مصممة على مواصلة العمليات العسكرية في القطاع.
لكن حشد الدعم لفرض عقوبات مماثلة ضد القادة اليمينيين الإسرائيليين في الاتحاد الأوروبي قد يكون تحديًا، إذ يتطلب توافقًا من جميع دول الاتحاد، وهي مهمة قد تواجه صعوبات، بحيث اكتفى الاتحاد بتعليق الشراكة وفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل.
بينما استمرت ألمانيا في دعم السياسات الإسرائيلية ضد قطاع غزة منذ بداية أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأ بعض الساسة الألمان، بما في ذلك المستشار الجديد فريديريش ميرتس، يظهرون تغيرًا ملحوظًا في مواقفهم.
وبعد قرار عدم استثناء الوزيرين في التحالف اليميني الإسرائيلي من العقوبات، تزداد المخاوف من أن تكتفي السلطة التنفيذية البريطانية بهذه الخطوة، مع تجنبها الاعتراف الواضح بالدولة الفلسطينية المستقلة أو فرض حظر شامل على تصدير الأسلحة لإسرائيل قد يُعتبر تحديًا للحليف الأميركي.
قال نهاد خنفر، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، في حديثه للجزيرة نت، إن الخطوات التي اتخذتها العواصم الغربية ضد إسرائيل هي متأخرة، وليست سوى محاولة لتخفيف ضغط الشارع الغاضب من الفظائع التي تظهر يوميًا من غزة، في وقت تراجع فيه الدعم للسياسات الإسرائيلية بين جمهور الناخبين والنخب السياسية.
ويضيف خنفر، وهو رئيس رابطة الجالية الفلسطينية في بريطانيا، أن القادة الإسرائيليين المتطرفين لم يقتصروا على تحريض الفلسطينيين فحسب، بل أيضًا ارتكبوا انتهاكات موثقة من قِبل منظمات حقوقية ضد المعتقلين الفلسطينيين، دون أن تتخذ الدول الغربية إجراءات عقابية بحقهم.
واختتم بالقول إن الحكومات الغربية ينبغي أن تتبنى إجراءات ملموسة وجادة أكثر لدفع الأحداث نحو إنهاء الحرب والتوسع الاستيطاني، بدلاً من اتباع الدبلوماسية الناعمة التي لا تزال الدول الغربية تتبناها في مواجهة الفظائع الإسرائيلية.