هذا الإسبوع، أظهرت سياسة الإدارة الأميركية تجاه أفريقيا تناقضات واضحة. خلال جلسة استماع لمجلس الشيوخ حول التأثير الصيني في القارة، لفت الدبلوماسي تروي فيتريل إلى فقدان الولايات المتحدة لنفوذها لصالح الصين، مع تأكيده على ضرورة تعزيز الدبلوماسية التجارية لمواجهة هذا التحدي. في نفس اليوم، أصدرت إدارة ترامب قائمة بحظر سفر تشمل سبع دول أفريقية، ما أثار رد فعل عنيف من الاتحاد الأفريقي. بينما يحول الطلاب الأفارقة خياراتهم نحو الصين بسبب قيود التأشيرات، تؤكد الولايات المتحدة حاجتها لجهود كبيرة لتعزيز علاقاتها التجارية والتنمية الاقتصاديةية في أفريقيا.
تجلت التناقضات في سياسة الإدارة الأميركية تجاه أفريقيا بوضوح هذا الإسبوع. ففي الرابع من يونيو/ حزيران، نظمت اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ الأميركي المعنية بأفريقيا وسياسة الرعاية الطبية العالمية جلسة استماع بعنوان “التأثير الخبيث للصين في أفريقيا”، وهو عنوان يوضح كيف ينظر الكونغرس إلى القارة.
استدعى رئيس اللجنة الفرعية تيد كروز الدبلوماسي تروي فيتريل، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أفريقيا، الذي يمتلك خبرة تمتد لثلاثة عقود.
بلهجة دبلوماسية مدروسة، لفت فيتريل إلى كيف فقدت الولايات المتحدة مكانتها أمام الصين في أفريقيا، وكيف يمكن تعزيز الدبلوماسية التجارية لمعالجة ذلك.
في نفس اليوم، أصدر القائد دونالد ترامب أحدث قائمة لحظر السفر، حيث تم منع مواطني سبع دول أفريقية من دخول الولايات المتحدة.
تحذير أفريقي
رد الاتحاد الأفريقي بسرعة غير معتادة، مدعااً واشنطن “بتبني نهج أكثر تشاوراً والانخراط في حوار بناء مع الدول المعنية”.
وأنذر الاتحاد الأفريقي من تأثير هذه التدابير على العلاقات المنظومة التعليميةية والدبلوماسية والتجارية التي تم رعايتها بعناية على مدار عقود.
لكن بعيداً عن تصريحات الاتحاد الأنذرة، قام الطلاب الأفارقة والشركات بتغيير خياراتهم بشكل جذري.
ففي عام 2018، تم تسجيل أكثر من 81 ألف دعا أفريقي في الصين، وفقاً لبيانات منظمة اليونسكو، مقارنة بـ 68 ألف دعا في بريطانيا و55 ألف في الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تعزز القيود الجديدة على تأشيرات الطلاب في الولايات المتحدة وبريطانيا هذه الخيارات، حيث إن الرسوم الدراسية في الجامعات الصينية أقل، والحصول على تأشيرات الطلاب أكثر سهولة.
في عام 2022، تم رفض أكثر من نصف طلبات التأشيرة الدراسية الأفريقية للولايات المتحدة، التي بلغت 56 ألف طلب، بسبب أخطاء في الأوراق أو نقص التمويل، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
ونظراً لتأثير المؤسسات المنظومة التعليميةية على القادة السياسيين ورجال الأعمال، فإن هذا التحول من قبل الطلاب الأفارقة سيعزز من نفوذ الصين في القارة.
خلال جلسة اللجنة الفرعية، نوّه السفير فيتريل أن “الفرصة في أفريقيا ليست نظرية، بل يستغلها خصومنا بالفعل”.
ففي عام 2000، كانت الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر لأفريقيا، بينما في عام 2024، صدرت الصين بضائع بقيمة 137 مليار دولار إلى أفريقيا، أي أكثر من 7 أضعاف صادرات الولايات المتحدة التي بلغت 17 مليار دولار.

الحاجة لجهود كبيرة
وعلى الرغم من إشادة أعضاء مجلس الشيوخ بخبرة فيتريل وحماسه، فإنه سيحتاج إلى جهود كبيرة لعكس هذه الاتجاهات، لكن بعض مبادراته قد تلقى قبولاً في أفريقيا.
تتصدر قائمة الخطط قمة للقادة الأفارقة في نيويورك بالتزامن مع الجمعية السنةة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، احتفالاً بالذكرى الـ80 لتأسيس المنظمة.
وإذا تمكنت واشنطن من تعبئة الأموال عبر كيانات مثل مؤسسة تمويل التنمية المدعومة من القطاع الخاص، فقد يتم تسريع تنفيذ عدة مشروعات كبيرة.
يعتمد الكثير على حسم قضايا الإستراتيجية الأميركية مثل مستقبل قانون النمو والفرص الأفريقي (AGOA) والامتيازات الجمركية المرتبطة به، بالإضافة إلى وضع مؤسسة تحدي الألفية (MCC)، التي مولت العديد من المشاريع الأميركية في أفريقيا قبل أن تعلقها وزارة كفاءة السلطة التنفيذية، التي أسسها إيلون ماسك كجزء من تدابير خفض التكاليف.
نوّه فيتريل، الذي يدعم بقوة مبادئ قانون AGOA، أنه بحاجة إلى تحديث، لكنه توقع صدور قرارات بشأن إصلاحه قريباً، وقبل مراجعته في سبتمبر/أيلول المقبل.
أما بخصوص مؤسسة تحدي الألفية، فقد لفت إلى استمرار المناقشات حول مستقبلها.

وأضاف أن هذه التحولات تتماشى مع دبلوماسية تجارية أميركية أكثر حزماً في أفريقيا، مما دفع بعض أعضاء مجلس الشيوخ إلى التساؤل عن تقارير بشأن خطط وزارة الخارجية لإغلاق السفارات وتقليص حجم إدارة الشؤون الأفريقية في واشنطن. ورد فيتريل بالنفي، مؤكداً أن السفارات الأميركية تعزز جهودها في مجالي التجارة والتنمية الاقتصادية.
ومن المتوقع أن يتوجه فيتريل قريباً إلى أنغولا للقاء القائد جواو لورينزو، لدعم مشروع ممر لوبيتو المدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولإلقاء كلمة في مؤتمر مجلس الشركات هذا الفترة الحالية.
مع ذلك، سيحتاج الأمر إلى العديد من المبادرات الأخرى، خاصة تلك التي تجلب استثمارات طويلة الأجل وتخلق فرص عمل، إذا كانت الشركات الأميركية ترغب في منافسة الهيمنة الصينية على التجارة الثنائية، واستخراج المعادن الحيوية، والسيطرة على سلاسل الإمداد في أفريقيا.