في ظل التوترات المتصاعدة بين جنوب أفريقيا وإدارة ترامب، يقوم القائد سيريل رامافوزا بزيارة للولايات المتحدة لإعادة تصحيح العلاقات التي تراجعت كثيرًا. تأتي الزيارة بعد استقبال 59 لاجئًا أفريقيًا، حيث اتهم ترامب حكومة رامافوزا باضطهاد الأقلية البيضاء، وهو ما تنفيه السلطة التنفيذية. يعتبر اللقاء الأول لرئيس أفريقي مع ترامب منذ توليه منصبه، ويتوقع أن يشمل مناقشات حول قضايا ثنائية وعالمية، بالإضافة إلى ملف العلاقة المعقدة بين البيض والسود في جنوب أفريقيا. كما يتضمن سياق الزيارة قضايا تجارية ودعم جنوب أفريقيا لقضية فلسطين، والحياد في الحرب الأوكرانية الروسية.
في ظل التوتر المتزايد بين جنوب أفريقيا وإدارة القائد الأميركي دونالد ترامب، يقوم القائد سيريل رامافوزا بزيارة للولايات المتحدة بهدف إعادة توجيه العلاقات التي يعتقد الخبراء أنها بلغت أدنى مستوياتها منذ سنوات طويلة.
تأتي هذه الزيارة بعد أيام قليلة من استقبال الولايات المتحدة ل59 لاجئا من الأفريكانيين (مواطنين من الأقلية البيضاء)، حيث زعم دونالد ترامب أنهم يعانون من الاضطهاد العرقي ويواجهون ما أسماه بـ”الإبادة الجماعية”، وقد تم استقبالهم كجزء من برنامج خاص لإعادة التوطين.
تنكر حكومة رامافوزا هذه الادعاءات، حيث تؤكد أن البيض لا يتعرضون للتمييز أو الاضطهاد، إذ يمتلكون أكثر من 70% من الأراضي، على الرغم من أنهم لا يمثلون سوى 7% من السكان.
ذكرت رئاسة جنوب أفريقيا -في تصريح- أن القائدين سيناقشان “قضايا ثنائية وعالمية ذات اهتمام مشترك”، بينما لم يصدر البيت الأبيض أي تعقيب حتى الآن.
ستكون هذه أول زيارة رسمية لرئيس أفريقي إلى واشنطن منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي.
تترأس جنوب أفريقيا حاليا مجموعة الـ20، ومن المتوقع أن تُسلّم رئاستها إلى الولايات المتحدة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
من المقرر أن تُعقد جلسة محادثات بين ترامب ورامافوزا اليوم الأربعاء، ولم يُعلن مكتب الرئاسة في جنوب أفريقيا عن تفاصيل الأجندة، لكنه ذكر أن زيارة القائد للولايات المتحدة ستوفر منصة لإعادة ضبط العلاقات الإستراتيجية بين البلدين.
ملف الأقلية البيضاء
العلاقة بين حكومة رامافوزا ذات الغالبية السوداء وسكان البلاد البيض، خصوصا الأفريكانيين المنحدرين من المستعمرين الهولنديين، تُعد واحدة من القضايا الأكثر حساسية بين جنوب أفريقيا وإدارة ترامب.
كان البيض يسيطرون على الحكم حتى نهاية نظام الفصل العنصري عام 1990، ولا يزال العديد منهم من كبار رجال الأعمال والمزارعين، وأصحاب الثروات، بيد أن السلطة التنفيذية الحالية في جنوب أفريقيا تسعى إلى تقاسم الثروات بين جميع المواطنين من خلال استصدار الأراضي الزراعية من البيض وتوزيعها على الفئات المهمشة.

في هذا السياق، يتهم ترامب، وحليفه الملياردير إيلون ماسك المولود في جنوب أفريقيا، حكومة رامافوزا بإساءة معاملة البيض، خصوصا بعد إقرار قانون “نزع الملكية” في يناير/كانون الثاني الماضي، الذي يسمح للحكومة بمصادرة الأراضي بدون تعويض في بعض الحالات، لإعادة توزيعها على فئات مهمشة مثل المعاقين والنساء.
وترى بعض الجماعات الأفريكانية أن هذا القانون قد يؤدي إلى سلب أراضيهم، وقد لفت ترامب إلى شكاوى تتعلق بتعرض مزارعين بيض لهجمات عنيفة في بعض الأحيان تؤدي إلى الوفاة، معتبرا أن ذلك يمثل “إبادة جماعية”.
ومع ذلك، نفى السلطة التنفيذية في جنوب أفريقيا هذه الاتهامات، مشيرة إلى أن الهجمات تستهدف كل من السود والبيض على حد سواء، ضمن موجة عامة من العنف والجريمة في البلاد.
في المقابل، انتقد ماسك قوانين “تمكين السود اقتصاديا” التي تلزم الشركات الأجنبية بشراكة مع فئات من السود للحصول على عقود حكومية، حيث ذكر في منشور له على منصة إكس أن شركته “ستارلينك” لم تتمكن من دخول القطاع التجاري الجنوب أفريقية لأنه ليس أسود.
الرسوم الجمركية
عند قدومه إلى البيت الأبيض، قام ترامب بتنفيذ مجموعة من السياسات الماليةية ضد جنوب أفريقيا، والتي تؤثر في الغالب على مجالات المساعدات والمساعدات المشروطة والتبادلات التجارية.
في يناير/كانون الثاني الماضي، أصدر ترامب أمرا تنفيذيا بوقف المساعدات الخارجية لمدة 90 يوما، مما أدى إلى تعطيل تمويل برامج مكافحة الأمراض الفتاكة مثل الإيدز، حيث كانت الولايات المتحدة تمول نحو 18% من ميزانية جنوب أفريقيا لمكافحة هذا المرض.
تُعتبر جنوب أفريقيا أكبر دولة في العالم من حيث عدد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب (الإيدز)، وكانت الولايات المتحدة من الداعمين البارزين لمكافحته، حيث منحتها عام 2023 مبلغ 462 مليون دولار لمكافحة هذا المرض.
وفي فبراير/شباط الماضي، أصدر ترامب قرارا بقطع مساعدات إضافية بسبب ما أطلق عليه “التمييز العنصري غير العادل”، مشيرا إلى مصادرة أراضي البيض ورفع جنوب أفريقيا دعوى “إبادة جماعية” ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
كما فرضت الإدارة الأميركية في أبريل/نيسان الماضي رسوما جمركية بنسبة 30% على جميع السلع الجنوب أفريقية، بالإضافة إلى 25% على السيارات والمركبات، مما رفع إجمالي الضرائب المفروضة عليها إلى 55%.
وصف رامافوزا تصرفات ترامب بأنها “عقابية”، مؤكداً أن التعريفات الجمركية ستكون عائقاً أمام التجارة والازدهار المشترك.
على الرغم من فرض هذه الرسوم لمدة 90 يوما بدءا من التاسع من أبريل/نيسان الماضي، تدعا حكومة جنوب أفريقيا بإلغائها بشكل نهائي، خصوصا أن الولايات المتحدة تمثل ثاني أكبر شريك تجاري لها بعد الصين.
تُعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري لجنوب أفريقيا، بموجب قانون فرص النمو في أفريقيا المعفي من الرسوم الجمركية الذي تم تقديمه في عام 2000.
تُصدر جنوب أفريقيا الأحجار الكريمة ومنتجات الصلب والسيارات إلى الولايات المتحدة، بينما تستورد النفط الخام والسلع الكهربائية والطائرات في المقابل.
قضية إسرائيل وغزة أمام العدل الدولية
أثارت مسألة الدعم من جنوب أفريقيا لغزة، ومواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، غضب ترامب.
في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، قدمت جنوب أفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بارتكاب أعمال “إبادة جماعية” في غزة، مما أثار حفيظة واشنطن، الحليفة القائدية لتل أبيب.

في مارس/آذار 2024، أصدرت المحكمة الأمريكية أمرا لإسرائيل بتمكين إيصال المساعدات إلى غزة ووقف الهجوم على رفح.
في ردٍ على ذلك، وقع ترامب أمرا بوقف المساعدات لجنوب أفريقيا، متهمًا إياها أيضاً بالتعاون مع إيران لتطوير برنامج نووي، وهي تهمة نفاها مسؤولو بريتوريا.
من جهتها، نوّهت جنوب أفريقيا أنها لن تتراجع عن القضية على الرغم من ردود الفعل الأمريكية، حيث قال وزير الخارجية رونالد لامولا -في تصريح لصحيفة فايننشال تايمز في فبراير/شباط الماضي- إنه لا يوجد أي فرصة للتراجع عن القرار، مشيراً إلى أن “التمسك بالمبادئ له ثمن، لكننا نعتبره ضرورياً من أجل تحقيق العدالة وسيادة القانون”.
الحرب الأوكرانية الروسية
من المتوقع أيضاً أن يناقش ترامب ورامافوزا جهود السلام والوساطة في النزاع بين روسيا وأوكرانيا، خصوصاً أن ممثلي البلدين سيجتمعون لأول مرة منذ بدء الحرب عام 2022.
على الرغم من تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في 24 ساعة، لكن جهوده لم تحقق تقدمًا ملحوظًا، وزيارة القائد الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن في فبراير/شباط الماضي انتهت بتوترات كلامية بين ترامب ونائبه جيه دي فانس.
بينما تتبنى جنوب أفريقيا موقف الحياد، داعية إلى الحوار، وتحافظ على علاقات تاريخية قوية مع روسيا منذ فترة دعم الاتحاد السوفياتي لها في نضالها ضد الفصل العنصري.
رغم عدم إدانتها لروسيا رسمياً، وامتناعها عن التصويت على قرار الأمم المتحدة بذلك، تظل بريتوريا صديقة لأوكرانيا وحكومتها، حيث استقبل سيريل رامافوزا القائد الأوكراني في أبريل/نيسان الماضي، وتحدثا عن كيفية تعزيز العلاقات، وآفاق التعاون التجاري، وضغوط على موسكو لوقف الحرب.
قبل ساعات من لقاء زيلينسكي، نوّه رامافوزا أنه تحدث عبر الجوال مع ترامب واتفق معه على ضرورة إيقاف الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
تترقب الأوساط السياسية نتائج اللقاء المرتقب في البيت الأبيض اليوم الأربعاء، مع تكهنات حول قدرة الزعيمين على تجاوز الخلافات الجوهرية التي تعصف بالعلاقات بين البلدين.
تُعتبر هذه الزيارة اختباراً لقدرة كلا البلدين على الحفاظ على شراكتهما الإستراتيجية في عالم يشهد تحولات جيوسياسية سريعة.