تسعى شركة “بوم سوبرسونيك”، التي أسسها بليك شول عام 2014، إلى إحياء تجربة السفر الأسرع من الصوت بعد توقف طائرة الكونكورد عام 2003. تستهدف الشركة إطلاق طائرتها الجديدة “أوفرتشر” في 2029، حيث ستقل 75 راكبًا في مقصورة فاخرة لرجال الأعمال، مع تخفيض زمن الرحلة بين نيويورك وباريس إلى أقل من 4 ساعات. رغم التحديات، مثل قلق شركات الطيران الكبرى والتكاليف، يبقى شول مصممًا على المشروع الذي يسعى لتقديم خدمة سريعة ومربحة. يعكس المشروع إمكانية دمج الطموح التكنولوجي مع الاعتبارات الماليةية في صناعة الطيران.
6/7/2025–|آخر تحديث: 20:32 (توقيت مكة)
نيويورك-باريس في أقل من 4 ساعات؟ يبدو كأنه حلم بعيد، ولكن رجل أعمال أمريكي يسعى جاهداً لتحقيق هذا الحلم من جديد.
منذ إيقاف تشغيل طائرة الكونكورد الفرنسية البريطانية في عام 2003 بسبب تكاليف التشغيل المرتفعة وحادث مؤسف في مطار باريس، بدا أن نهاية السفر الأسرع من الصوت أصبحت واقعاً مفروضاً.
لكن اليوم، تتصدر شركة ناشئة تحمل الاسم الرمزي “بوم سوبرسونيك” محاولات إعادة الحياة لتجربة السفر بسرعة تفوق السرعة الصوتية، وفق رؤية اقتصادية وتقنية مبتكرة، كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في تحقيق مفصل.
أوردت الصحيفة أن المهندس السابق في أمازون، بليك شول، أسس الشركة في عام 2014 من قبو منزله، متحفزاً بشغف شخصي بعالم الطيران، ومؤكداً أن العقبات التي واجهتها الكونكورد لم تكن تقنية بل تتعلق بالنماذج الماليةية والتنظيمية القديمة.

أوفرتشر
<pقال: "الفكرة السائدة كانت أن السفر الأسرع من الصوت رائع، لكن لا أحد يقوم بذلك، لذا لابد أنه مستحيل"، مشدداً على أن ذلك "ليس صحيحًا".
وتشير الصحيفة إلى أن الشركة تستثمر اليوم في تصميم طائرة جديدة تُدعى “أوفرتشر”، المقرر انطلاقها في عام 2029، وقد صُممت لنقل 75 راكباً فقط في مقصورة فاخرة مخصصة لدرجة رجال الأعمال، لتقليل الزمن بين نيويورك وباريس إلى أقل من 4 ساعات.
رغم أن شركات الطيران الكبرى، مثل “يونايتد” و”أميركان إيرلاينز” و”الخطوط الجوية اليابانية”، قد قدمت طلبات مبدئية، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة في أوساط صناعة الطيران بشأن المشروع الجديد.
وصف القائد التنفيذي لشركة “دلتا”، إد باستيان، المشروع بأنه “مكلف للغاية”، مذكراً أن تجربة الكونكورد تبقى نخبوية، وفقاً لتقرير “وول ستريت جورنال”.
وفي المقابل، يؤكد شول أنه غير متأثر بالتشكيك، إذ يرى أن السيطرة التي تمتلكها شركات عملاقة مثل بوينغ وإيرباص على المجال الجوي لعقود قد عطلت الابتكار الجذري في صناعة الطيران.
ويؤكد أن “بوم سوبرسونيك” تتبنى منهجاً جديداً مستوحى من وادي السيليكون، يركز على التخصص والمرونة، وتقنيات التصنيع المتقدمة مثل الكربون المركب والمحاكاة الرقمية، بعيداً عن الحالة الهستيرية في إنفاق الأموال التي أضرت بمحاولات سابقة.

تحديات
في يناير/كانون الثاني الماضي، اجتازت الشركة تجربة ناجحة لطائرتها النموذجية الصغيرة إكس بي 1، والتي اخترقت حاجز الصوت بقيادة طيار اختبارات متمرس من البحرية الأمريكية، وسط احتفالات من الموظفين والمستثمرين.
يعتمد شول على تقنية تعرف باسم “ماخ كات أوف” لتقليل الضجيج الناجم عن تجاوز سرعة الصوت، على الرغم من أن بعض الخبراء يشككون في فعاليتها على المدى القريب.
وفقاً للصحيفة الأمريكية، على الرغم من انسحاب “رولز رويس” من مشروع المحركات في عام 2022، تواصل “بوم” تطوير محركها داخليًا، مستندة إلى تحالفات صناعية جديدة، وتقليص ميزانية المشروع من 8 مليارات إلى ما بين مليار ومليارين دولار فقط.
تضيف الصحيفة أنه على الرغم من تسريح نصف موظفيها مؤخرًا، يؤكد شول أن إعادة الهيكلة ليست فشلاً بل “عودة إلى الحجم المثالي” لفلسفة المشروع.
استنادًا إلى دروس الكونكورد، التي واجهت تحديات التكلفة العالية والطلب المنخفض والأزمات الجيوسياسية، ترى “بوم” أن المستقبل يكمن في تقديم خدمة فائقة السرعة، ولكن أيضًا تكون مربحة ومستدامة.
تقول وول ستريت جورنال إن حلم بليك شول ينقسم صناعة الطيران إلى فريقين: من يرون أن شركته ستفشل، ومن يعتقدون أنه الشخص القادر على إعادة إحياء السفر الأسرع من الصوت.
يهدف شول إلى أن تطير أول طائرة من طراز “أوفرتشر” بحلول عام 2029. وقد أنشأت الشركة مصنعًا جديدًا في غرينزبورو بولاية نورث كارولاينا، وبدأت في تصنيع نموذج أولي للمحرك الجديد الذي سيدفع الطائرة.

المشروع الحلم
وذكرت “وول ستريت جورنال” أن السؤال يبقى: هل يمكن فعلاً إقناع العالم بأن السفر بسرعة الصوت يستحق العودة، ولكن بطريقة جديدة وآمنة؟
في عصر تُقاس فيه القيمة بالوقت، قد يكون مشروع “بوم” أكثر من مجرد طائرة؛ إنه اختبار لإمكانية الجمع بين الطموح التكنولوجي والعقلانية الماليةية.
مؤخراً، وقع القائد ترامب أمراً تنفيذياً يوجه إدارة الطيران الفيدرالية لإلغاء حظر استمر 50 عامًا على الطيران الأسرع من الصوت فوق الأراضي الأمريكية.
بينما كانت تذكرة ذهاب وعودة على الكونكورد تتجاوز 10 آلاف دولار في التسعينيات، تقول “بوم سوبرسونيك” إن تكلفة المقعد في “أوفرتشر” ستكون مماثلة لسعر درجة رجال الأعمال، حوالي 1700 دولار في اتجاه واحد بين نيويورك ولندن، رغم أن شركات الطيران ستحدد الأسعار في النهاية.
لفت شول إلى أن مقصورات “بوم” ستوفر راحة وميزات درجة رجال الأعمال، على عكس الكونكورد التي كانت تعرف بالسرعة على حساب الراحة.

الفترة الحالية الماضي، صرحت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي عن تصنيف النموذج الأول لطائرة الكونكورد 001، الأسرع من الصوت ضمن قائمة الآثار التاريخية.
اجتازت الكونكورد سرعة 2.02 ماخ، (أو حوالي 2172 كيلومترا/الساعة)، عند ارتفاع يتراوح بين 16 ألف و18 ألف قدم، وكانت مزودة بمحركات نفاثة بتقنية الاحتراق اللاحق، المستخدمة عموماً في الطائرات الحربية.
أُجري أول اختبار لطائرة الكونكورد 001 فوق مدينة تولوز الفرنسية في الثاني من مارس/آذار 1969، وقد جلب هذا الحدث أكثر من 400 صحفي من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى أكثر من ألف مشاهد.
اقترح مهندسون فرنسيون فكرة الكونكورد في عام 1957، ثم وقعت بريطانيا وفرنسا اتفاقية في عام 1962 لتنفيذ المشروع. دخلت الطائرة الخدمة رسمياً في 21 يناير/كانون الثاني 1976 بعد سنوات من التطوير من جانب الحكومتين الفرنسية والبريطانية.
توقفت الطائرة عن الخدمة عام 2003 بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل وقلة الطلب، بالإضافة إلى مشكلات تقنية أدت إلى حوادث متعددة.