من مذكراتي.. زفافنا
أحمد سيف حاشد
الإهداء إلى أجمل عروسين خلود باشراحيل وزوجها يحيى..
تضامني الكامل معهما.
زفافنا زفُّونا بفرح وبهجة كأننا جئنا من الفضاء.. بشارة أكبر من نبّوة.. سر أكبر من مجرة.. حب أكبر من الوجود.. شلال من نور إلهي.. قطعة من شمس ملونة.. نار وسلام.. عشق وغفران.. محبة لا تنضب ولا تنحسر.. إحساس عشناه ونحن نُزف بركب فرح كبير.
في حضرة الحضور.. تلاشى الخجل الوخيم.. تبدد العيب المكوّم.. تآكلت القيود.. أطلقت عيون النساء من محابسها العنان.. أطلقت النهود الأشرعة.. والعذارى أطلقنّ الخيال والأجنحة نحو المدى باحثات عن فرسان أحلامهن.
تحررت الخيول من محابسها الكئيبة.. امتطى الفرسان صهوات الجياد.. أطلقت الخيول صهيلها بجموح وعنفوان.. أحلام العذارى تسابق الريح.. سمعتُ صوت العشق الخفيض.. أنفاس الهيام.. هديل الحمام.. تموجات الحب.. اكتظاظ الحنين.. صخب الحياة التي كانت هامدة.
غنّت لنا الحقول والفصول والأودية.. توسدنا الأفئدة.. ترنمت العصافير الجميلة وأشجت مسامع من حضر.. نظرت إلينا عيون الحاضرين وباركتنا بالفرح.. أحاطت بنا الأسئلة.. شغفت بنا المعرفة.. زاد الفضول وازدحم العجب.
توجونا بالفرح الكبير.. اعتليتا المنصة كالضوء البهيج.. ليلة كانت أكبر من مملكة.. قعدنا على الفخامة كاليقين.. كشلالات الحنين.. لحظة عشناها للمرة الأولى.. بدونا وكأننا جالسين على عرش عظيم.. اكتظ الجمال أمامنا وطاف حولنا حتى بدينا وكأننا مركز الكون أو قلب المجرة.
رأيت أمامي فخامة عروش الروم وسجاجيد فارس.. المباسم أمامنا تضيء سمانا.. تبرق حدقات العيون الكثار.. ينهمر المطر الشجي على القلب والوجدان والذاكرة.. جمال العذارى فارط وباذخ من يلملم أطرافه.. من يحتوي شاسعات المدى؟!! هذا المحيط المديد!!
كل المروج هنا تحتفل.. أعناقنا تشتاق فن العناق.. والشفاه تتوق لأقداح الخمر المعتق بسنوات الحنين الطوال.. الكل رقص مع الدان ودندن.. الكل معنا غنّى واحتفل.. نسائم البحر وأنفاس الوجود.. في زفافنا الكل حاضر.
سعادتي تموج كما يموج المحيط.. تمتد إلى مدارات الفضاء بلا حدود.. هالات جسدي تنشرح وتتسع.. تنتشر في الآماد والفضاءات الفسيحة.. جسدي يضيء من وهج الفرح.. بهجتي تملأ الوجود المتسع.. شموسي تتوّج ذلك الليل ملكاً على كل الليالي الداجنات.
غادرنا المكان إلى غرفة تشرف على البحر.. شُنّفت مسامعنا إلى صوت أمواجه التي غنّت لنا وباركت هي الأخرى أفراحنا.. النجوم تدور حولنا كسلال الورد، وخلفها تنساب فصول الربيع.. يتضوع الليل بعطر الملوك الذي يفتح في مسام القلب نوافذ العشق الفتي، وبوابات الفرح البهيج.. الأزهار تبارك أفراحنا، والزنابق تبتهل وتدعو لنا.. تنثر علينا عبقها وعطرها المنتشر.. الكل بنا احتفي واحتفل.
تفلسفنا حتى مطلع الفجر المتوج بالربيع الندّي.. وفي الصباح أشرقت فِيَّ بهاءات.. صباح كوني عظيم.. قطفتُ قلبي وردة حمراء.. في قلبها طاقة كونية.. متجددة لا تذبل ولا تشيخ.. كثافة من أريج الحب الذي لا ينتهي.
أهديتها جواهري.. أصدافي ولآلئي.. مشارقي ومغاربي.. عصرتُ نبيذها من دمي.. أشربتها من منابعي.. أومضتها من لوامع أدمعي.. أنّقتُّها بكأساتي التي تلمع بالعيون وتبرق بالحنين.. كل شيء لمحبوبتي عربون لحب يدوم..
توجتها ملكة على حبي العظيم.. جوهرة من دمي القاني نقَّطُّتُها وسط الجبين.. منحتها كنوزي وتيجاني وكل ممالكي.. سكبت روحي على راحتيها قبلة تسري خمرة ونشوة في روحها والجسد.
بعد إعياء وبحث.. ألتأمنا واتحدنا.. اكتمل وجودنا، والتحمنا بالوجود.. عِشرة فيها اصطبرنا وامتحنّا صبرنا حتى غلبنا رهانات الفشل.. عِشرة بطعم الصبر المقاتل والعنيد، عشرة بعقودها جمعت شملنا بالتحدِّي في وجه ملمّات الحياة.. سبعة من البنين والبنات، وحياة وامتداد لا يموت.
بعد الزفاف ثلاثين عاماً وزاد فيضها، حافلة بمعجزة الصمود.. وعطاء لا يكل ولا يمل.. وإرادة أقوى من حديد.. انتصر وجودنا الغالب على خيبات الزمن.. اعتدنا تقلبات الحال حتّى عبرنا للمحال.. وبصبرنا وثباتنا صرعنا المستحيل ألف مرّة.. صراع البقاء، ومشاهد من العجب العجاب.. شاسعين بحبنا.. بصبرنا.. بجنوننا.. وغفراننا لخطايانا العظام.