في ربيع 2025، وصل يومو رحمن، لاجئ من الروهينغا، إلى ألمانيا محملاً بماضيه من الخوف والفقد. وُلِد في أراكان، حيث حُرم من الهوية والجنسية. بعد هجمات القوات المسلحة الميانماري عام 2017، فرَ إلى بنغلاديش، منعزلًا عن حياته السابقة. رغم حصوله على جواز سفر بنغلاديشي ومنحة دراسية في تركيا، واجه صعوبات جديدة في أوروبا، بما في ذلك اعتقالات مع محاولات الهجرة. في بنغلاديش، يعيش الروهينغا في ظروف صعبة، وسط مضايقات وقيود. ورغم تاريخهم الغني، يواجهون تحديات في الحفاظ على هويتهم وثقافتهم، مدعاين بحق العودة والاعتراف الكامل بوجودهم.
بورما- في ربيع 2025، وقف يومو رحمن أمام بوابة إحدى المدن الألمانية، لاجئا مُحملا بمزيد من الحقائب على كتفيه، ليست فقط مليئة بالملابس، بل تحمل سنوات طويلة من الخوف والملاحقة والنكران. لم يكن هارباً فقط من قريته المُتَدمَّرة، بل من حياة كاملة لم يُسمح له بأن يكون جزءًا منها.
وُلِد رحمن في ولاية أراكان غرب ميانمار (بورما) لعائلة من الروهينغيا المسلمين، وكان ذلك كافيا ليسلبه جنسيته واعتراف المواطنون بوجوده، وكأن النظام الحاكم القانوني مصمم خصيصاً ليقول له “أنت غير مرئي”. عندما حلم بدراسة الطب، سُدَّت جميع الأبواب في وجهه، وعندما قرر الفرار، تعرض للاعتقال والضرب والابتزاز، وهُدِّمَت حياته إلى أخرى لا تحتمل سوى المعاناة.
وتعتبر قصة يومو مرآة لمأساة شعب الروهينغا بأسره، فقد وُلِد ليعيش في وضع “وجود بلا قانون”، بين جدران صامتة لا تعترف بإنسانه.
على الرغم من أن معاناة شعب الروهينغا تمتد لعقود، فإن عام 2017 كان نقطة تحول دموية، حيث شنّ جيش ميانمار حملة عسكرية واسعة ضدهم، اعتُبرت من جانب واشنطن في عام 2022 إبادة جماعية، إذ وصل النزوح الداخلي لأعلى مستوياته التاريخية، مع تهجير أكثر من 3.3 مليون شخص داخل البلاد، وفقاً للأرقام الأممية.
وفي عام 2024، ارتفعت حدة المواجهة المسلح في ولاية أراكان (راخين) بين جيش ميانمار وميليشيا محلية تُعرف باسم “جيش أراكان“، مما زاد من معاناة الروهينغا الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين فكي كماشة: يُقتَلون داخل الوطن، ويُطردون خارجه.
ومن بين آلاف القصص المماثلة لحكاية يومو، ترصد الجزيرة نت في هذا التقرير خيوط المأساة المتشابكة، بدءاً من واقع اللاجئين الروهينغا في المنافي المكتظة، إلى وضع من تبقى منهم في ميانمار، ووصولاً إلى الجرح الأعمق، وهو وضعهم القانوني الذي تحول من أداة تهميش إلى سلاح إبادة بطيئة.
من التزوير للتهريب
في عام 2017، فرّ أكثر من 700 ألف من الروهينغا من ميانمار إلى بنغلاديش، بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، هرباً من حملة عسكرية قمعية معتبرة من قبل الولايات المتحدة بمثابة إبادة جماعية.
وكان يومو واحداً منهم، حيث قرر مغادرة قريته في ولاية أراكان بعدما تصاعدت الهجمات، بدعم من والده الذي وعده بتأمين تكاليف الرحلة والدراسة، لينطلق في سبتمبر/أيلول مع رفاقه نحو بلدة مونغدو بالقرب من النطاق الجغرافي البنغلاديشية، إلا أنهم اُعتقلوا خلال رحلتهم على يد جيش ميانمار، كما يقول للجزيرة نت.
بعد دفع الشاب نحو 400 دولار أميركي، أُفرج عنه، بينما ظل مصير رفاقه مجهولا. لجأ إلى منزل أحد أقاربه في مونغدو، وبعد أسبوع من محاولات الخروج، منها تزوير شهادة ميلاده، تمكن من الوصول إلى مدينة شيتا غوينغ في بنغلاديش.
هناك، التحق بقسم علم النفس في إحدى الجامعات، وتعلم اللغة البنغالية، مشيراً إلى أنه “رغم اندماج نسبي، إلا أنني ما زلت أحمل شعور الهوية المكسورة”، مما دفعه لتأمين مستقبله باستصدار جواز سفر بنغلاديشي، استغرق منه وقتاً وجهداً وكلف نحو 250 ألف تاكا بنغلاديشية (2066 دولاراً تقريباً).
فتح جواز السفر ليومو أبواباً جديدة، فحصل على منحة دراسية في تركيا، حيث تعلم اللغة والتحق بالجامعة. بدا وكأنه يعيش حلماً، لكن في سنته الثالثة انتهت صلاحية الجواز، ولم يكن باستطاعته تجديد الإقامة لفقدانه أوراقاً رسمية تثبت هويته العائلية، مما جعله في وضع غير قانوني، واضطر للعمل في الخفاء معتمداً على مساعدات من والده.
في مارس/آذار الماضي، قرّر يومو الهجرة عبر التهريب إلى أوروبا، بعد أن جمع 8 آلاف يورو من مدخراته، ولكن رحلته كانت محفوفة بالمخاطر، حيث ألقت الشرطة القبض عليه أثناء محاولته العبور إلى بلغاريا، وضربته قبل إعادته قسراً.
إلا أنه لم يستسلم، وجرب طريق البوسنة، ثم المجر، حيث تكرر الاعتقال والضرب، لكنه تمكن من الوصول إلى ألمانيا بعد عدة محاولات، لتبدأ رحلة جديدة أقل قسوة، لكنها ما زالت غير واضحة.

المعاناة في بنغلاديش
استقبلت بنغلاديش أكثر من مليون لاجئ روهينغي منذ عام 2017، ويعيش معظمهم في ظروف صعبة في مخيمات مكتظة بشدة، مثل تلك الموجودة في كوكس بازار وجزيرة باسان تشار.
على الرغم من التزام السلطة التنفيذية لسنوات بمبدأ “عدم الإعادة القسرية” كحجر أساسي في القانون الدولي، إلا أن هذا المبدأ تغير في بداية عام 2025، ففي 5 يناير/كانون الثاني الماضي، اعتقل حرس النطاق الجغرافي البنغلاديشي 36 لاجئاً خلال محاولتهم عبور النطاق الجغرافي وأعادوهم قسراً إلى ميانمار.
وتكررت حوادث مماثلة لاحقاً، حيث تم احتجاز 58 لاجئاً في الحادي عشر من الفترة الحالية ذاته، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية. حسب الصحيفة، صدرت تعليمات بمنع الدخول “غير القانوني” حتى لأسباب إنسانية، مما رافقه تضييق داخلي تمثل في تقييد حركة اللاجئين وتدمير مصادر دخلهم وإغلاق المدارس غير الرسمية، مما خلق شعوراً بأنهم لم يعودوا موضع ترحيب.
لم تقتصر السياسات الصارمة على بنغلاديش، بل وثقت “هيومن رايتس ووتش” حالات إعادة قسرية في الهند وتايلند أيضاً. في مايو/أيار الحالي، دان المقرر الأممي الخاص بميانمار، توم أندروز، السلطة التنفيذية الهندية بعد أن أجبرت عشرات اللاجئين الروهينغا على النزول من سفينة تابعة للبحرية، وتركتهم في قارب صغير في المياه الدولية، واصفاً الحادثة بأنها “غير قانونية وغير أخلاقية”، واعتبرها استمرارية للفظائع المرتكبة بحق الروهينغا.
أحياء على الهامش
يعيش محمد سيان مع أسرته في مخيم داخلي للنازحين قرب مدينة بوثيدونغ في ولاية راخين، حيث تستمر الحياة بمعاناة يومية لا تنتهي. تُعاني هذه المخيمات من نقص حاد في مقومات الحياة الأساسية كالكهرباء، والمياه النظيفة، والرعاية الصحية والمنظومة التعليمية. وبسبب غياب الوثائق الرسمية، يُمنع السكان من التنقل حتى داخل قراهم، ويواجهون خطر الاعتقال إذا خرجوا دون تصاريح.
يقول سيان في حديثه للجزيرة نت: “إذا تم القبض علينا ونحن نتنقل دون إذن، نعتقل على الفور، أما العمل الرسمي فهو شبه مستحيل بسبب عدم امتلاكنا وثائق قانونية، مما يدفع كثيرين للقبول بوظائف مؤقتة بأجور زهيدة أو الوقوع في فخ العمل القسري. كما أن الوصول للسلع الأساسية صعب، والأسعار مرتفعة، إضافة إلى أن المساعدات الإنسانية ممنوعة، مما يُجبرنا أحياناً على الاعتماد على النباتات البرية للبقاء”.
ويتابع “لكن كل ذلك يهون أمام مأساة الولادة والوفاة، فعند ولادة طفل، يصبح تسجيله رسمياً شبه مستحيل، حيث ترفض السلطات إصدار شهادات ميلاد، ويضطر بعض العائلات لدفع رشاوى للحصول على وثائق مزورة لا تعترف بها، بينما يعتمد آخرون على تسجيلات مجتمعية بلا قيمة قانونية”.
أما الموت، فليس أقل قسوة كما يصف سيان، حيث “لا تصدر السلطات شهادات وفاة، وكل شيء يتم بطرق غير رسمية، والأسوأ أن جيش أراكان استولى مؤخراً على عدد من مقابرنا، مما يجبرنا على البحث عن أماكن بديلة لدفن أحبائنا، أو دفع المال للحصول على إذن مؤقت، وكأن الموت نفسه يحتاج إلى تصريح”.
وفي ظل النزاع المستمر بين جيش ميانمار والجماعات المسلحة مثل “جيش أراكان”، لا توجد سلطة ضامنة، ويجد المدنيون الروهينغا أنفسهم محاصرين، حيث يقول سيان “غالباً ما يُستخدمنا جيش أراكان دروعاً بشرية، ويجبر الفئة الناشئة على القتال في صفوفه، في حين يحاصرنا القوات المسلحة النظام الحاكمي بالقيود والاعتقالات، ويحرِمنا من أبسط الحقوق”.
ويختم بقوله “الخوف لا يفارقنا، لا نعرف متى تبدأ الاشتباكات، أو من سيقتحم منازلنا في الليل، هل القوات المسلحة أم الجماعات المسلحة”.
لكن حتى من قرروا الهرب من الجحيم، لم ينجوا من المصير القاسي، فقد نوّهت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ما لا يقل عن 569 شخصًا من مسلمي الروهينغا لقوا حتفهم أو فُقدوا أثناء محاولتهم الفرار بحراً من ميانمار أو بنغلاديش خلال عام 2023، وهو أعلى عدد مسجّل منذ عام 2014، عندما بلغ 730 شخصاً، وفق بيان رسمي.
وأضافت المفوضية أن تلك الحالات وقعت خلال محاولات عبور نحو 4500 شخص لبحر أندامان وخليج البنغال، في ظروف بالغة الخطورة، حيث يواجه اللاجئون غالباً مخاطر الموت جوعاً أو غرقاً أو الوقوع ضحايا لتهريب البشر.

القانون أداة للإبادة
لم تكن مأساة الروهينغا نتيجة الحروب فحسب، بل إن جذورها تمتد إلى البنية القانونية نفسها. في ميانمار، لم يكن القانون أداة لحماية الحقوق، بل أصبح وسيلة ممنهجة لنزع الاعتراف وفرض العزلة والإقصاء عبر مجموعة من القوانين، على رأسها قانون الجنسية لعام 1982، الذي حرَم الروهينغا من الانتماء الوطني وأبعدهم عن منظومة الحقوق المدنية والسياسية.
بما أن دستور ميانمار لا يعترف بهم بوصفهم شعباً أصلياً، فإنهم محرومون من الجنسية، ونتيجة لذلك، يُمنعون من امتلاك الممتلكات، ومن الالتحاق بكليات المنظومة التعليمية الثانوي، والمشاركة في الحياة السياسية والعسكرية.
بدورها، نوّهت مفوضية اللاجئين أن التشريعات القانونية تعد من الأسباب الجذرية وراء اضطهاد الأقليات، فضلاً عن غياب الإشراف المدني على القوات المسلحة، وضعف النظام الحاكم الديمقراطي، والإفلات من العقاب، وضعف حكم القانون.
كل هذه العوامل ساهمت في تعميق انتهاكات حقوق الإنسان في ميانمار، حيث تُعاني النساء والفتيات العبء الأكبر جراء العنف القائم على النوع والعنف الجنسي.
في هذا السياق، استندت السلطة التنفيذية المؤقتة في بنغلاديش إلى هذه القوانين لتبرير رفضها استقبال اللاجئين الروهينغا، مؤكدة أنهم من سكان ميانمار ولا يجوز لهم عبور النطاق الجغرافي دون وثائق رسمية.
ويشرح الخبير في الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان، كمال المشرقي، أن تشريعات ميانمار وضعت تصنيفاً تمييزياً صارماً للجنسية، لا يعترف إلا بمن ينتمي إلى واحدة من “135 قومية معترف بها”، مما يُقصي الروهينغا.
ويضيف للجزيرة نت أن “القانون يفرض شرط الإثبات الإقامة في البلاد قبل عام 1823، وهو شرط غير منطقي وغير عملي”، ويرى أن هذه الممارسات تُعد انتهاكًا للقانون الدولي، بما فيها المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية، واتفاقية 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية، والتي تحظر حرمان الأفراد من الجنسية بطريقة تعسفية.
لكن الأخطر وفقًا للمشرقي، هو أن وضع الروهينغا لا يندرج فقط تحت خانة “عديمي الجنسية”، بل يتجاوز إلى مفهوم “اللاوجود القانوني”، وهو غياب كامل لأي اعتراف قانوني بوجودهم، وحرمان شامل من الوثائق والحماية والحقوق الأساسية.
هذا على العكس من عديمي الجنسية، الذين رغم غياب الجنسية قد يحصلون على بعض الحقوق كالمنظومة التعليمية والرعاية الصحية. أما الروهينغا، فيواجهون محوًا قانونيًا لإنسانيتهم، وحرمانًا من أي إمكانية قانونية للتوثيق أو الحماية أو اللجوء.
يشير المشرقي إلى أن الإستراتيجية المتبعة في ميانمار ضد الروهينغا يمكن أن تُصنف قانونيًا كجريمة تطهير عرقي، نظراً لما تتضمنه من طرد قسري وتمييز ممنهج وعنف موجه ضد جماعة بعينها بهدف محو هويتها الجماعية.
كما يلفت إلى أن الأفعال قد تندرج أيضاً ضمن تعريف الفصل العنصري وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1973، إذا ثبت وجود نية مبيتة للإبقاء على الروهينغا تحت سيطرة قانونية غير عادلة، وحرمانهم من حقوقهم.
صراع الدين والهوية
على الرغم من أن أزمة الروهينغا تُعرض غالباً كـ “وجود غير قانوني”، فإن جذورها أعمق وأكثر تعقيدًا، حيث تتداخل الأبعاد القانونية مع خلفيات دينية وثقافية تمتد عبر قرون.
وجود المسلمين الروهينغا في ولاية أراكان ليس طارئًا، بل تشير المصادر التاريخية إلى أن الإسلام جاء إلى سواحل أراكان منذ القرن السابع الميلادي عبر التجار العرب، مما أدى إلى تشكيل مجتمع مسلم مستقر يمتلك ثقافته وهويته الدينية الخاصة.
رغم هذا الإرث التاريخي، يتعرض الروهينغا لمحاولات منهجية لطمس وجودهم، من خلال استهداف هويتهم الدينية تحديدًا. ينظر إليهم الخطاب الرسمي والمواطنوني بوصفهم “أقلية مسلمة دخيلة” على النسيج القومي ذي الأغلبية البوذية، مما أضفى طابعًا دينياً عميقاً على الاضطهاد، متجاوزاً حدود النزاع العرقي والسياسي، وفقًا لما ورد في مجلات الدراسات العربية.
في هذا السياق، يقول سليم نور الأركاني، المدير التنفيذي لجمعية أراكان الإنسانية، إن المواطنون الروهينغي في ميانمار يعتمد على وسائل بدائية لكنها فعالة للحفاظ على هويته. حيث تُعلِّم الأسر أطفالها اللغة الروهينغية شفهيًا داخل المنازل، وتقيم حلقات دينية لتحفيظ القرآن والحديث، وتنقل الأغاني الشعبية والأمثال والعادات الاجتماعية في نطاق عائلي أو مجتمعي محدود، غالبًا ما يتم في الخفاء لتجنب بطش السلطات.
يضيف الأركاني أن التحدي الحقيقي اليوم لا يقتصر على الداخل فقط، بل يمتد أيضًا إلى الشتات. في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش، وبين مجتمعات الروهينغا في السعودية وماليزيا وأوروبا، بدأ تلاشي معالم الثقافة الروهينغية تدريجيًا، لا سيما بين الجيل الجديد، حيث يتحدث الأطفال غالبًا بلغة البلد المضيف ويتلقون تعليمهم وفق مناهج أجنبية، في مجتمعات تجهل تاريخ الروهينغا ونضالهم.
وفي ماليزيا، بدأت الأسر تستخدم اللغة الماليزية أو الإنجليزية في حياتهم اليومية، في حين تراجعت الروهينغية إلى مجرد “لغة الأجداد”. أما في السعودية، رغم وجود جالية روهينغية كبيرة، فإن العديد من الأطفال باتوا يتحدثون العربية بطلاقة، لكنهم يجهلون كثيرًا من تراثهم الثقافي والديني.
يأنذر الأركاني، في حديثه مع الجزيرة نت، من أن هذا الانصهار الثقافي، رغم ما يتيحه من فرص تعليم وانفتاح، يُنذر بخطر حقيقي يتمثل في ضياع الذاكرة الجمعية، مما قد يؤدي إلى تهميش الرواية الذاتية للشعب الروهينغي، ويحولها إلى مجرد صفحة منسية في تقارير المنظمات.
في داخل ميانمار، يعد المنظومة التعليمية جبهة مركزية في معركة الهوية، فمعظم أبناء الأجيال السابقة لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس الحكومية بسبب غياب الوثائق الرسمية، وفي حالات نادرة، كانت بعض المدارس تقبل تسجيل أطفال الروهينغا شريطة التخلي عن أسمائهم الإسلامية وتعلم اللغة البوذية والمشاركة في الطقوس الدينية ضمن الأنشطة اللاصفية.
يختتم الأركاني بأن هذا الإقصاء المنهجي دفع الأسر إلى تأسيس نظام بديل يُعرف بـ “الكتاتيب”، وهو تعليم ديني تقليدي يتعلم فيه الأطفال الحروف العربية، والقرآن، وبعض العلوم الإسلامية، مما جعله خط الدفاع الأخير في معركة الحفاظ على الدين والهوية.
ما يريده الروهينغا، بحسب ما أفاد به مَن قابلتهم الجزيرة نت، ليس أكثر من حقهم في العودة إلى ديارهم بسلام وكرامة، عودة لا تُنقص من إنسانيتهم، ولا تحرمهم من حقوقهم القانونية والثقافية والدينية. وتبدأ مدعاهم من استعادة جنسيتهم الكاملة، وإلغاء قوانين التمييز، ومحاكمة المسؤولين عن ظلمهم، إذ إنهم يطلبون فرصة للحياة كأشخاص متساوين، وليس كمواطنين من الدرجة الثانية أو لاجئين في وطنهم، مؤكدين أن هذه ليست مجرد مدعا سياسية، بل هي حق أساسي لكل إنسان، وأمل يتمسكون به رغم كل الألم والمعاناة.