تواجه السلطة التنفيذية الإسرائيلية برئاسة نتنياهو تحديات خارجية وداخلية، خاصة مع تصاعد الضغوط من الطائفة الحريدية بشأن قانون التجنيد. تقرير لمعاريف يسلط الضوء على جهود حاخام غور لإقناع الحاخام لانداو بخروج الطائفة من السلطة التنفيذية احتجاجًا على فشل تمرير قانون يرضيهم. الوضع الداخلي معقد، حيث تختلف الآراء حول جدوى الانسحاب من السلطة التنفيذية، رغم عدم رضا الأحزاب الحريدية عن القوانين المقترحة. نتنياهو يجد نفسه في موقف صعب بين تلبية مدعا الحريديم وحماية حكومته، مما يزيد من احتمال إجراء انتخابات مبكرة. في المجمل، الأزمة تعكس صراعًا بين الدولة الحديثة والقيادات الدينية.
تواجه السلطة التنفيذية الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العديد من التهديدات سواء من الخارج أو الداخل، مع استمرار صراعها في قطاع غزة ولبنان وسوريا وصولاً إلى إيران، إلى جانب تهديدات الصواريخ البعيدة المدى من اليمن.
نشرت صحيفة معاريف اليوم السبت تقريرًا يتناول تصاعد التهديدات داخل إسرائيل، خصوصًا من الجانب الديني، وسط جهود من اليهود الأرثوذكس لتوحيد وجهة نظر الحريديم بشأن استمرارهم في حكومة نتنياهو على خلفية الخلاف حول قانون التجنيد، مما قد يؤدي إلى تفكك الائتلاف من الداخل.
محاولات توحيد الموقف الحريدي
التقرير الموسع من إعداد المراسلة السياسية آنا براسكي يستعرض مدى فعالية التحركات التي يقودها الحاخام يعقوب أرييه ألتر، زعيم طائفة “غور” الحسيدية القوية، في محاولة إقناع الحاخام دوف لانداو، قائد الطائفة الأرثوذكسية المتشددة اللتوانية، بدفع ممثليهم السياسيين للتخلي عن السلطة التنفيذية.
تعتبر طائفة غور أحد أكبر الطوائف الحسيدية في إسرائيل وأكثرها تأثيراً داخل المواطنون الحريدي، ويرجع أصلها إلى بولندا في القرن التاسع عشر، وتتميز بانضباط داخلي صارم.
تمتلك الطائفة نفوذًا سياسيًا كبيرًا من خلال سيطرتها على حزب “أغودات يسرائيل”، أحد جناحي تحالف “يهدوت هاتوراه” الحريدي، إلى جانب حزب “ديغل هاتوراه” الذي يمثّل التيار اللتواني.
تشكل غور عاملًا حاسمًا داخل المعسكر الحريدي، مؤثرة بشكل عميق على مواقف التحالف الحريدي تجاه القضايا الدينية والسياسية، ومواقفها قد تحدد مصير الحكومات اليمينية التي تعتمد على دعم الأحزاب الحريدية.
لامتيازات الحكومات الإسرائيلية، تم البحث منذ سنوات عن صيغة قانونية تنظم إعفاء الشبان الأرثوذكس المتشددين من الخدمة العسكرية. ومع ذلك، أدت قرار المحكمة العليا – في وقت سابق من هذا السنة – بإلغاء أي إعفاء غير قانوني إلى أزمة حادة، حيث بدأ القوات المسلحة بإرسال أوامر تجنيد إلى آلاف طلاب المدارس الدينية، في غياب قانون ينظم وضعهم.
هؤلاء الطلاب لا يمتثلون لاستدعاءات التجنيد ويقومون بتمزيقها بناءً على أوامر من الحاخامات، مما يضعهم في خانة المتهربين من الخدمة، ويحرُمهم من المخصصات والدعم الماليةي المرتبطة بالقانون.
في خطوة تُظهر حجم التوتر داخل معسكر الحريديم، بعث الحاخام ألتر، زعيم طائفة غور، ابنه إلى بني براك (مدينة تقع شرق تل أبيب وتعتبر من أهم المراكز الدينية في إسرائيل) للاجتماع مع الحاخام دوف لانداو، في اجتماع حاسم كان محوره: هل يجب إسقاط حكومة نتنياهو احتجاحًا على فشلها في إقرار قانون يرضي المتدينين بشأن التجنيد الإجباري؟
تأتي هذه الخطوة في إطار تصعيد تقوده طائفة غور ضد السلطة التنفيذية، رغم وجود ممثل لها في السلطة التنفيذية، وهو وزير الإسكان يتسحاق غولدنوف. ومن الواضح أن غولدنوف يقع في مأزق: فهو يستفيد من منصبه وميزانياته، لكنه أيضًا ملزم أمام الحاخام ألتر، الذي قد يدعاه بالاستقالة قريبًا.
حسب براسكي، لم تكن هذه المرة الأولى التي تدفع فيها اعتبارات دينية الأحزاب الحريدية لاتخاذ قرارات سياسية قد تبدو غير منطقية وفق المعايير السياسية التقليدية. في الخمسينيات، دعا الحاخام ألتر بانسحاب حزبه من السلطة التنفيذية بسبب قيام شركة الطيران “إلعال” بتسيير رحلات أيام السبت، رغم أن البديل كان سفر الإسرائيليين مع شركات أجنبية.
في خضم الأزمة الحالية، يُطرح السؤال: ما الجدوى من الانسحاب من حكومة، رغم عجزها، لا تزال تمنح الحريديم ميزات غير مسبوقة؟
تشير مراسلة معاريف إلى الجدل المثار في الأوساط الحريدية حول إسقاط السلطة التنفيذية، إذ يرى العديد منهم أن ذلك لا يؤدي بالضرورة لتحسين أوضاعهم، بل على العكس، قد يضعهم في وضع أسوأ حال الدخول في انتخابات قد تؤدي إلى تشكيل حكومة علمانية تُقصي الحريديم من الحكم وتفرض عليهم تجنيدًا إجباريًا يتعارض مع رؤيتهم الدينية.
تسلط براسكي الضوء على وجهة نظر الحاخام ألتر، الذي يؤكد أن هذا الحساب الواقعي لا يبدو حاسماً بالنسبة له، حيث يؤكد على أن “عدم القدرة على منع الجريمة لا يُبرر المشاركة فيها”.
تخلص إلى أن “هذا هو جوهر المواجهة في الحريديم: بينما يرى السياسيون في البقاء داخل السلطة التنفيذية فرصة للتأثير، يصر القادة الدينيون في ‘معسكر التمرد’ على أن مجرد وجودهم في حكومة لا تمنع التجنيد الإجباري يُعتبر نوعًا من التواطؤ”.
موقف نتنياهو والاستحقاق الديمقراطي
التقرير يتناول كيفية تعامل نتنياهو مع تصاعد التهديدات الحريدية، حيث بعد يوم من الاجتماع في بني براك، التقى برئيس لجنة الخارجية والاستقرار في الكنيست يولي إدلشتاين، والوزير السابق أريئيل أتياس من حزب شاس، وسكرتير السلطة التنفيذية يوسي فوكس.
ووفقًا للتقارير، كان نتنياهو هادئًا وطلب ببساطة “الإسراع بالتقدم لتجنب الفوضى”. لكن وراء هذا الهدوء، هناك حسابات معقدة، فهو يعلم أن تمرير قانون تجنيد يرضي الحريديم دون إغضاب المحكمة العليا والمواطنون العلماني هو مهمة شبه مستحيلة. بينما تمرير قانون لا يرضي الحريديم يعني انهيار السلطة التنفيذية، وفي الحالتين، قد يكون الخسارة النتيجة.
بين هذين الخيارين، يسعى نتنياهو إلى إيجاد حل وسط يبدو مفقودًا، فحتى لو أقال إدلشتاين من رئاسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، أو مارس ضغطًا على الأعضاء المترددين، فإن تمرير قانون وسط يُرضي الجميع يبدو مستحيلاً.
البديل المطروح – وفقًا لبراسكي – هو التوجه إلى انتخابات مبكرة تحت شعار: “رفضنا فرض التجنيد على الحريديم، ولم نستسلم للضغط”. من الممكن أن يجذب هذا الخطاب أصوات قاعدة اليمين الديني، ويحويل المعركة إلى كسب سياسي. لكن توقيت الاستحقاق الديمقراطي يعد مسألة حساسة، ونتنياهو يتردد في اتخاذ الخطوة الآن.
المراسلة السياسية ترى أن الورقة الأقوى بيد نتنياهو حتى الآن هي الانقسام داخل المواطنون الحريدي نفسه، حيث لا يزال الحاخام لانداو يفضل التريث، وهذا الانقسام يمنع تحركًا موحدًا للحريديم ضد السلطة التنفيذية.
ومع ذلك، فإن جميع الأحزاب، من غور إلى ديغل هاتوراه، بالإضافة إلى شاس، التي تشكل معسكر اليهود الشرقيين ضمن تيار الحريديم، ترفض المسودة الحالية لقانون التجنيد، لما تتضمنه من عقوبات فردية ومؤسسية، وأهداف تجنيد ملزمة، تُعتبر تهديدًا مباشراً لـ”عالم التوراة”. وبالتالي، حتى التكتلات التي لم تنضم بعد لـ”معسكر التمرد” تقترب يومًا بعد يوم من تبني موقفه.
هذا الانقسام الداخلي يُضعف الموقف الحريدي في مواجهة نتنياهو، ويوجد حالة من عدم اليقين السياسي، حيث لا يوجد موقف موحد يعبر عن رد حريدي قوي على قانون التجنيد.
وفي الوقت ذاته، تبقى الأحزاب الحريدية الأخرى مثل “شاس” و”ديغل هاتوراه” محافظة على رفضها للقانون، لكنها لم تنضم بعد بشكل كامل لتحرك غور التصعيدي.
تشير براسكي إلى أن غولدنوف، المنتمي لطائفة غور، يعيش حالة من التوتر بين ولائه السياسي للحكومة وولائه الديني للحاخام ألتر، مما يعكس عمق الأزمة بين “المنطق السياسي” و”المنطق الحاخامي”.
انتخابات مبكرة
في خضم هذه الأزمة الداخلية، ينبغي عدم نسيان الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل، خاصة من إدارة القائد الأمير. السابق، دونالد ترامب، التي عبرت عن استيائها من تصرفات السلطة التنفيذية تجاه الحرب في غزة والمفاوضات النووية مع إيران.
إضافةً إلى ذلك، هناك تصاعد في حملة المقاطعة العالمية، وتوترات مع الأمم المتحدة، وازدياد عزلة إسرائيل على الساحة الدولية.
في هذا السياق، تواصل التقارير الإشارة إلى أن انهيار السلطة التنفيذية والدخول في معركة انتخابية سيكون له تكلفة سياسية واقتصادية، وقد يسرّع من أزمة الثقة الداخلية والخارجية بنظام الحكم في إسرائيل.
تلفت التقارير الانتباه إلى حقيقة أن أزمة التجنيد الإجباري للحريديم تبدو أزمة وجودية، حيث تضرب هذه القضية صميم الائتلاف الذي يدعم نتنياهو، وتعكس التناقض العميق بين الدولة الحديثة ومؤسساتها، والتي تتعارض مع تيار ديني يعمل وفق قواعد مختلفة.
تشير براسكي إلى أن السؤال الذي يُطرح اليوم في الأوساط السياسية الإسرائيلية ليس إذا كانت حكومة نتنياهو ستصمد، بل متى وكيف ستنهار. وهل سيكون الحاخام ألتر هو الرجل الذي يدفع بـ”السلطة التنفيذية الأكثر تدينًا في تاريخ إسرائيل” إلى حافة الهاوية؟
تخلص في النهاية إلى أنه “من السابق لأوانه فتح اليوميات، ولكن إذا لم تحدث معجزة في المستقبل القريب، فمن المرجح أن تجرى الاستحقاق الديمقراطي في وقت مبكر من عام 2026، في الشتاء وليس في الخريف”.