إعلان


تواصل إسرائيل استهداف جماعة الحوثيين في اليمن رغم الفشل المتكرر في مواجهتهم، مدفوعة بهواجس أمنية واستراتيجية. وبرز الحوثيون في المواجهة على غزة بعد إطلاقهم صواريخ وطائرات مسيرة نحو إسرائيل. زادت هذه الضغوط على تل أبيب لتعيد حساباتها، حيث يعاني الحوثيون من شرعية محلية وبنية أيديولوجية متماسكة. ورغم الكلفة العالية للغارات الإسرائيلية، إلا أنها لم تؤدِّ إلى ردع فعال، حيث يتمتع الحوثيون بمرونة وقدرة على التكيف، ويظل التهديد الحوثي تحدياً طويلاً لإسرائيل يتطلب استراتيجيات جديدة بعيداً عن الحلول العسكرية.

القدس المحتلة- رغم التحديات المتكررة في خوض مواجهة حاسمة مع جماعة الحوثيين في اليمن، تُواصل إسرائيل استهداف مواقعهم بشكل دوري، مدفوعة بمخاوف أمنية واستراتيجية تدور في فلك أبعد من الاعتبارات العسكرية البحتة.

إعلان

التحدي الجوهري أمام صانعي القرار في تل أبيب لا ينحصر فقط في مواجهة الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة، بل يتمثل أيضاً في التعامل مع حركة مسلحة تمتلك شرعية محلية وبنية أيديولوجية متماسكة، بالإضافة إلى تحالفات إقليمية متعددة.

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبحت جماعة الحوثيين طرفاً مشاركاً علنياً في المواجهة من خلال إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة صوب إسرائيل، تأييدًا لغزة. لكن التهديد الحوثي لم يُؤخذ بجدية في البداية من قبل المؤسسة الاستقرارية الإسرائيلية.

مع تكرار الهجمات الحوثية وتوسع آثارها على الملاحة الجوية وصورة القوات المسلحة الإسرائيلي، بدأت تل أبيب إعادة تقييم الموقف، كما جاء في تقرير مفصل نشرته صحيفة “هآرتس” للصحفي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط يشاي هالبر، الذي لفت إلى وعي متزايد بأن الحل العسكري في اليمن يحمل مخاطر كبيرة.

مطار بن غوريون المصدر ويكيبيديا
مطار بن غوريون تعرض لهجمات حوثية متتالية (مواقع التواصل)

مزايا ميدانية وأيديولوجية

جماعة الحوثيين تتمركز في مناطق جبلية وعرة شمالي اليمن، ولديها خبرة قتالية واسعة، كما أن عقيدتهم الدينية تمنحهم حافزًا قويًا للمواجهة، وفقاً للخبيرة البريطانية في الشأن اليمني إليزابيث كيندال.

تشير كيندال إلى أن الجماعة تستند إلى ثلاث ركائز رئيسية: التضاريس المحصنة، والتجربة الميدانية، والعقيدة الراسخة، مما يتيح لهم الصمود تجاوزًا للإمكانات العسكرية التقليدية. كما توضح أن الحوثيين يظهرون المرونة في مواجهة الخسائر، مما يفسر استمرارهم رغم التكلفة البشرية المرتفعة.

في السياق نفسه، تلقي عنبال نسيم-لوفتون، الباحثة في مركز “موشيه ديان” وجامعة تل أبيب، الضوء على قدرة الجماعة على استغلال هويات متعددة، من الزيدية الدينية إلى الخطاب الوطني المناهض للاستعمار وصولاً إلى التحالف الإقليمي مع إيران. “هذه التركيبة تمنح الحوثيين زخمًا داخليًا وتفتح لهم أبواب تحالفات خارجية، رغم كونهم أقلية عددية”.

من مطار بن غوريون بعد الصاروخ اليمني
تم إلغاء العديد من الرحلات إلى مطار بن غوريون بعد أي هجوم حوثي (الجزيرة)

الحوثيون مشروع سياسي

نسيم-لوفتون تفيد بأن الحوثيين أكثر من مجرد جماعة مسلحة، بل يمثلون مشروعًا سياسيًا واجتماعيًا معقدًا يستمد شرعيته من سرديات تاريخية تعود إلى الدولة الزيدية، ويقدم نفسه كمدافع عن الزيديين، وفلسطين، ومناهض للغرب.

تعتقد الباحثة أن قدرتهم على الانتقال بين الخطابات تمتد لجعلهم أكثر جاذبية لشرائح واسعة من اليمنيين، بما في ذلك بعض المكونات السنية، مما يعزز شرعيتهم ويعقد إمكانية محاصرتهم.

ترى الجماعة بأنها تحقق مكاسب داخلية على حساب خصومها المحليين، بينما تعزز حضورها الإقليمي في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل.

من الناحية العسكرية، يبرز المحلل ألون بن ديفيد أن الغارات الإسرائيلية على اليمن مكلفة، حيث لا تمتلك إسرائيل قواعد قريبة أو حاملات طائرات في المنطقة. ويُقدر تكاليف كل غارة بملايين الدولارات، بالنظر إلى المسافات الشاسعة وتكاليف التشغيل والتسليح.

ومع ذلك، لا تحقق هذه العمليات الأثر الرادع المطلوب، كما يربط بن ديفيد، الذي يشير إلى أن الجماعة تعمل بتنسيق لامركزي، مما يقلل من فعالية الضربات التي تستهدف القيادات فقط.

إضافة إلى ذلك، أبدى الحوثيون قدرة كبيرة على التكيف، حيث لجأوا بعد استهداف ميناء الحديدة إلى وسائل بديلة، مثل استخدام قوارب الصيد لتفريغ شحنات النفط، وهو ما يُظهر مرونة عملياتية ملحوظة.

Smoke billows on the horizon following an Israeli air strike on Yemen's Huthi-held capital Sanaa on May 6, 2025. Israeli air raids struck Yemen's main airport and power stations in the Sanaa area on May 6, Huthi media and Israel's military said, the latest retaliation for a missile attack by the Iran-backed rebels. (Photo by Mohammed HUWAIS / AFP)
محللون يرون أن تأثير الهجمات الإسرائيلية على اليمن محدود (الفرنسية)

حسابات ما بعد غزة

بينما يربط الحوثيون بين هجماتهم على إسرائيل والمواجهة في غزة، يعتقد العديد من المحللين أن هذه الهجمات لن تتوقف حتى في حال انسحبت إسرائيل من القطاع.

توضح نسيم-لوفتون أن الجماعة تتبنى موقفًا معاديًا لأي دولة تسعى إلى التطبيع مع إسرائيل، وقد تواصل تصعيد الهجمات في فترة ما بعد غزة لتعزيز صورتها كمدافع عن فلسطين.

تقترح الباحثة أيضًا مسارًا سياسيًا داخليًا يتيح للجماعة الخروج بصورة مشرفة، لا سيما مع المصالح المحورية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والتي تعتبر جوانب حيوية في أي مفاوضات مستقبلية.

تؤكد كيندال كذلك أن الجماعة ستواصل عملياتها ما دامت تراه وسيلة لتعزيز شرعيتها، مأنذرةً من أن الهجمات العشوائية التي تطال المدنيين قد تأتي بنتائج عكسية وتعزز التعاطف مع الحوثيين بين اليمنيين.

epa11012836 Boats sail past the Galaxy Leader cargo ship, seized by the Houthis offshore of the Al-Salif port on the Red Sea in the province of Hodeidah, Yemen, 05 December 2023. The Galaxy Leader ship, reportedly linked to an Israeli businessman, was seized and re-routed to offshore of the Yemeni port of Al-Salif by the Houthis on 19 November 2023 in retaliation for Israel's airstrikes on the Gaza Strip, according to statements by the Houthis. The ship, carrying around 25 crew members belonging to various nations, was seized as it was on its way to India. The Houthis, who control most of Yemen 's Red Sea coast, have fired missiles and drones at Israel and attacked more vessels transiting the area. Thousands of Israelis and Palestinians have died since the militant group Hamas launched an unprecedented attack on Israel from the Gaza Strip on 07 October, and the Israeli strikes on the Palestinian enclave which followed it. EPA-EFE/YAHYA ARHAB
الحوثيون نفذوا هجمات على سفن تنقل بضائع إلى إسرائيل (أسوشيتد برس)

تهديد طويل الأمد

بحسب ليؤور بن أري، مراسلة الشؤون العربية في موقع “واي نت”، فإن القصف الإسرائيلي المكثف لم يُثن الحوثيين عن استمرار إطلاق الصواريخ. وتتساءل: ما الذي يمنح هذه الجماعة القدرة على الصمود وسط أزمة إنسانية خانقة؟.

تقدم الحوثيون بمدعا واضحة لا تقبل المساومة:

  • وقف الحرب.
  • فتح المعابر.
  • إدخال المساعدات.
  • إنهاء الحصار.

ترى أن الخطر الحوثي لم يعد يمثل تهديدًا هامشيًا بالنسبة لإسرائيل، بل أصبح تحديًا أمنياً طويل الأمد، حيث قد تكون الهجمات المستقبلية أكثر دقة وفتكًا، مما يتطلب من تل أبيب إعادة النظر في استراتيجياتها، بعيدًا عن الاعتماد على القوة العسكرية وحدها.


رابط المصدر

إعلان

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا