تشهد العلاقات الإيرانية الإسرائيلية تصعيدًا قويًا، حيث تتبادل الدولتان الضربات لليوم الخامس على التوالي. إيران ترفض أي مباحثات وسط الضغوط الإسرائيلية وتؤكد الحاجة إلى الرد على الهجمات. المرشد علي خامنئي يأنذر من تداعيات قاسية على إسرائيل. تتبنى طهران مبدأ “المباغتة العسكرية” كاستراتيجية لمواجهة الاعتداءات، وتؤكد أن أي توقف للقتال سيتطلب مزيدًا من القوة للأسرة الدولية لدعمها. يشهد سوق النفط تذبذبات نتيجة المواجهةات، مع توقعات بارتفاع الأسعار، وسط قدرة طهران على تعطيل الإمدادات النفطية.
مراسلو الجزيرة نت
طهران- مع تصاعد التوترات المستمرة بين تل أبيب وطهران لليوم الخامس، تتزايد الدعوات من الدول الإقليمية والدولية للحد من التصعيد وإقرار آليات للحوار تمهيداً لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فقد أبلغت إيران الوسطاء بأنها غير مستعدة للمفاوضات في ظل الضغط الهجومي الإسرائيلي المتواصل.
ونقلت وكالة رويترز عن مصدر مطلع أن الإيرانيين أبلغوا الوسطاء بأنه “لن تكون هناك مفاوضات جدية حتى تكتمل إيران ردودها على الهجمات الاستباقية الإسرائيلية”. هذا الموقف يشير إلى إصرار طهران على استيفاء حقها في رد قوي ومؤثر قبل السماح بأي وساطات.
يدرس المراقبون في طهران مواقف المرشد الأعلى علي خامنئي لفهم توجهات الجمهورية الإسلامية، خاصة في سياستها الخارجية. وقد أنذر خامنئي إسرائيل من “عواقب وخيمة” نتيجة هجماتها، مؤكداً أن القوات المسلحة الإيرانية ستجعل الكيان الصهيوني في وضع صعب للغاية.
موقف رسمي
في تعليقه على الهجوم الإسرائيلي على إيران، نوّه خامنئي للشعب الإيراني أنه “لن يتهاون في الرد”، مشدداً في خطاب متزامن مع بدء القصف الصاروخي أن “الكيان الصهيوني لن يفلت من عواقب هذه الجريمة”.
رغم تكرار تصريحاته بأن “نحن لا نبحث عن الحرب بل نسعى للسلام”، يبدو أن هذا لا يمنع مستشار القائد الإيراني مسعود بزشكيان من تناول المقولة اللاتينية الشهيرة “إذا أردت السلام، استعد للحرب” مع تصاعد الهجمات على طهران خلال المفاوضات مع الجانب الأميركي.
وقد أفادت صحيفة “إيران” الحكومية أن مستشار الأبعاد السياسية مهدي سنائي صرح بأنه “في اللحظة التي كانت فيها المفاوضات النووية تسير نحو وضوح، اعتدى الكيان الإسرائيلي على بلادنا، مما يعد انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة، وهو بمثابة اعتداء على الدبلوماسية”، مضيفاً أن أي استئناف للمفاوضات يتطلب مواجهة قوية ضد المعتدي.
علي الصعيد العسكري، لفت الحرس الثوري الإيراني أن عملية “الوعد الصادق 3” تمثل بداية “الانتقام الوطني” من إسرائيل، مأنذراً إياها بأن “عصر الجرائم بلا عقاب قد انتهى”، مع التأكيد على تصاعد العمليات العسكرية الإيرانية استناداً إلى “حق الرد المشروع”.
المباغتة العسكرية
لتأكيد حقها في الرد على العدوان الإسرائيلي، اعتبر حشمت الله فلاحت بيشه، القائد الأسبق للجنة الاستقرار القومي والإستراتيجية الخارجية في المجلس التشريعي الإيراني، أن الكيان الإسرائيلي يعد “معتدياً” بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، مما يستوجب عليه تعويض كامل عن الأضرار وتلقي إدانة دولية، وهذا ما يبرر لتكاليف طهران إزاء انتهاكاته المتكررة.
في مقال له بصحيفة “آرمان ملي” تحت عنوان “الرد على الاعتداء”، يتناول فلاحت بيشه مبدأ “المباغتة العسكرية” كوسيلة لتحقيق نجاح سريع في الحروب التي شنتها إسرائيل على جيرانها منذ حرب 1967 حتى العدوان الأخير على حزب الله. ويؤكد أن فعالية هذا التكتيك تتآكل مع مرور الوقت.
يعتقد الكاتب أن الضربات الصاروخية الإيرانية قد ألحقت “خسائر غير مسبوقة” في وضع إسرائيل الإقليمي، ويرى أن استمرار التصعيد سيعزز من قدرة الردع الإيراني، مع زيادة فعالية الضربات “إيلاماً وحسماً” في إطار معركة طويلة الأمد.
<pفي هذا السياق، انتقدت افتتاحية صحيفة "سياست روز" الحديث الأوروبي حول ضرورة وقف إطلاق النار بطريقة دبلوماسية "على أنه نفاق" يهدف لمنح المعتدي فرصة لإعادة تنظيم صفوفه بعد تلقيه رداً مؤلماً غير متوقع، متسائلة عن سبب تقاعس القوى الغربية في التحرك لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بينما تستمر إسرائيل في الهيمنة.
إضافة إلى ذلك، تسعى طهران من خلال ضرباتها الصاروخية إلى ترسيخ نظرية “الردع المتبادل” وتغيير الصورة المتجذرة في أذهان الرأي السنة العالمي عن “إسرائيل التي لا تُقهر”، كما أن “الدوافع العقائدية” للصراع مع الكيان المحتل قد جعلته واجباً دينياً بدلاً من كونه نزاعاً سياسياً.
أسعار البترول
من غير المرجح أن تتجه إيران نحو المفاوضات لوقف إطلاق النار، خاصة بعد أن حققت تحولاً مفاجئاً في ميزان القوة العسكرية، يتمثل في تراجع أسهم شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية بعد إسقاط الدفاعات الجوية الإيرانية لأربع مقاتلات شبح إف-35.
وفي نفس السياق، نوّهت صحيفة “سياست روز” أن التصعيد الأخير يعكس تحسناً نوعياً في منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، بما في ذلك منظومة “باور-373” التي جعلت أجواء الجمهورية الإسلامية “ساحة صيد” للمقاتلات المعادية، متجاوزة عقوداً من الهيمنة الغربية على التقنية العسكرية.
تواجه أسواق الذهب العالمية انخفاضاً ملحوظاً في ظل التصعيد الإيراني الإسرائيلي، وهو ما يعتقد المراقبون الإيرانيون أنه يشير إلى توجه كبار المستثمرين لتحويل أصولهم من الذهب إلى شراء النفط، استعداداً لموجة ارتفاع محتملة قد ترفع أسعار النفط الخام إلى مستوى 100 دولار للبرميل.
ويؤكد الناشط الماليةي آرش إيراني في تحليل نشره على قناته بموقع تليغرام أن إيران تتمتع بوسيلة ضغط قوية من خلال قدرتها على تعطيل إمدادات النفط العالمية، مما قد يؤدي إلى صدمة شبيهة بأزمة 2008 التي شهدت قفزاً بأسعار الخام من 70 إلى 147 دولاراً، مما يفتح المجال أمام القوى العالمية الكبرى للضغط على تل أبيب لحماية اقتصاداتها من الانهيار.